أصبحت عبارات التحفيز ودعوات التشجيع لاتباع نمط حياة صحي من أكثر المواد التي يتم تداولها واستهلاكها على نطاق واسع، لذلك قد يشعر الكثير من الناس بعدم الرضا عن أنفسهم والطريقة التي تبدو عليها أجسادهم عند مقارنتها بمعايير اللياقة والجمال الحديثة، فيمارسون التمرينات القاسية بشكل مفرط يفوق حاجتهم أو قدراتهم، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
وقال البروفيسور فرانك جيرالد بايونك إن إدمان الرياضة هو نوع من الإدمان السلوكي مثل إدمان القمار، مشيرا إلى أن الرجال أكثر عرضة للإصابة به.
وأوضح أخصائي الطب النفسي والعلاج النفسي الألماني أن إدمان الرياضة هو رغبة قسرية في ممارسة الرياضة للاستمتاع بحالة السعادة والراحة النفسية بشكل مستمر، نظرا إلى أن الرياضة تساعد على إفراز هرمونات السعادة.
وأضاف بايونك أن هذه الرغبة القسرية تنجم عن الرغبة في إلهاء النفس هربا من الضغوط والأعباء النفسية، كما أنها قد ترجع أيضا إلى اضطراب إدراك شكل الجسم، حيث يدرك المصاب شكل جسمه بشكل مختلف عما هو عليه ويحاول الوصول إلى المثل الأعلى الذي يسعى إليه، حتى لو لم تكن هناك حاجة إليه.
ويشير خبراء اللياقة البدنية إلى أن الإدمان على ممارسة الرياضة هو هوس غير صحي باللياقة البدنية والتمارين الرياضية، وهو غالباً ما يكون نتيجة لمعاناة المصاب من اضطرابات نفسية وعقلية تتعلق بالصورة الذاتية عن الجسم أو الوزن، وكذلك عند المعاناة من اضطرابات الأكل النفسية المختلفة.
وبناء على ذلك، يمارس الشخص المصاب بالإدمان الرياضة بشكل مفرط مع إهمال بقية الأنشطة الحياتية الأخرى، فضلا عن الشعور بالضيق الشديد في حال عدم ممارسة الرياضة وتظهر عليه حينئذ أعراض الانسحاب مثل التوتر النفسي والغضب وسرعة الاستثارة والعدوانية.
ولمعرفة المؤشرات التي قد تنذر بالمشكلة، حدد خبراء الصحة النفسية واللياقة البدنية عدداً من المؤشرات الأكثر شيوعا بين المدمنين على ممارسة الرياضة، ومن أهمها أن تفويت ممارسة الرياضة يصيبهم بالانفعال أو القلق أو الاكتئاب. وأنهم يمارسون الرياضة حتى عند المرض الشديد.
كما أن التمرين قد يصبح وسيلة “للهروب” وتقليل التوتر والانسحاب من مواقف معينة في الحياة والمشاعر غير المريحة، فتتأثر العلاقات الشخصية بشكل كبير، وتتضرر الأولويات الحياتية للشخص المصاب.
وينبغي استشارة طبيب نفسي فور ملاحظة هذه الأعراض للخضوع للعلاج النفسي في الوقت المناسب، لاسيما إذا كانت هذه الأعراض النفسية مصحوبة بأعراض جسدية أيضا مثل الإرهاق الشديد وفقدان الوزن الشديد ومتاعب العظام والاضطرابات الهرمونية.
وفي حين أن الأمر قد لا يبدو سيئاً بالضرورة عند السماع عنه لأول مرة، إلا أن إدمان ممارسة الرياضة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل حقيقية ومعاناة نفسية وبدنية للشخص المصاب.
ويعاني المصابون بهذا الإدمان من سلوكيات عادة ما يعانيها الواقعون في حالات الإدمان التقليدية، والتي تشمل:
الانخراط في السلوك في الخفاء خوفاً من أحكام الآخرين.
كما أن التمارين الرياضية تؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية معينة في الجهاز العصبي، وتخلق هذه المواد إحساساً بالسعادة أو المكافأة. لذلك قد يكون إدمان ممارسة الرياضة، ولو جزئياً، معتمداً على الرغبة في تحقيق المتعة هذه.
وتطلق التمارين مواد الإندورفين والدوبامين الكيميائية في الدماغ، وهي الناقلات العصبية نفسها التي يتم إطلاقها أثناء تعاطي المخدرات.
ويشعر مدمن التمرين بالمكافأة والفرح عند ممارسة الرياضة، ولكن عندما يتوقف تختفي الناقلات العصبية، لذلك يحرص المدمن على ممارسة المزيد من التمارين لتحفيز إطلاق المواد الكيميائية المرتبطة بالمكافأة.
ويبدأ إدمان ممارسة الرياضة عادة بالرغبة في تحقيق درجة من اللياقة البدنية.
كما قد تؤدي اضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية العصبي والشره المرضي، إلى هوس غير صحي بالتمارين الرياضية. تماماً مثل المعاناة من اضطراب تشوه الصورة الذاتية للجسم الذي يسبب هذا الإدمان.
وأثبتت الدراسات أن المداومة على ممارسة الرياضة تعمل على تحسين الحالة المزاجية وتزيد من المشاعر الإيجابية كالثقة في النفس وتحد من المشاعر السلبية والشعور بالحزن أو الاكتئاب، وقد تم الربط بين هذا الشعور وبين إفراز الجهاز العصبي بعض المواد الكيميائية الطبيعية (والتي تعمل بآليات شبيهة بآليات عمل بعض المواد المخدرة)، مثل الدوبامين والإندورفينات، وهما الهرمونان المسؤولان عن تحسين الحالة المزاجية والشعور بالسعادة والراحة، وعن تسكين الألم والحد من الشعور بالإجهاد، ولذلك يلجأ البعض إلى ممارسة المزيد من الرياضة للحفاظ على إفراز المادتين داخل الجسم باستمرار.
واختلفت التعريفات الخاصة بإدمان ممارسة الرياضة، وعلى الرغم من عدم الاعتراف به بعد بشكل رسمي كاضطراب نفسي، إلا أنه شديد الصلة باضطرابات الطعام، حتى أن بعض الباحثين لا يفصلون إدمان الرياضة عن اضطرابات الأكل، لذلك يمكن تعريف إدمان ممارسة الرياضة بأنه الهوس غير الصحي باللياقة البدنية، والإسراف في ممارسة التمرينات الرياضية.
وينتج عادةً عن الإصابة باضطرابات الأكل، وعدم الرضا عن صورة الجسم، ومثلما يحدث في حالات الإدمان الأخرى، فهناك خصائص ظاهرية عامة قد يشير اجتماعها إلى الوصول إلى مرحلة الإدمان، ومنها:
• عدم القدرة على التحكم الإرادي في السلوك الإدماني.
• والانخراط في الممارسة على الرغم مما تسببه من أذى بدني ونفسي واضح.
• والانخراط في الممارسة على الرغم من الرغبة في التوقف.
• والانخراط في الممارسة لتجنب الإصابة بأعراض الانسحاب، ولكن هذا الانخراط في الممارسة يحول دون مواصلة الحياة بشكل طبيعي.
وتعد ممارسة الرياضة بانتظام طريقة رائعة للتحكم في التوتر ومعالجة المشاعر السلبية، وتحقيق أفضل نتائج صحية وبدنية على المدى القريب والبعيد.