قالت أوساط سياسية يمنية إن إعلان تيار جماعة حزب الاصلاح المدعوم من قطر عن تأسيس ما يسمى بـ”المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية” يأتي في سياق مساع لتفتيت الشرعية اليمنية واستحداث كيانات جديدة تهدف إلى تغيير خارطة القوة في المناطق المحررة التي رسمتها أكثر من ثماني سنوات من الصراع بين السلطة والحوثيين.
وأعلنت قيادات جماعة حزب الاصلاح في محافظة مأرب السبت عن تشكيل “المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية” برئاسة القيادي المقيم بين مسقط وإسطنبول حمود سعيد المخلافي، المعروف بتبنيه خطابا مناهضا للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق صالح والتحالف العربي.
وقال القائمون على المجلس إن تأسيسه جاء “بهدف تطوير أداء المقاومة وتنسيق جهودها بما يخدم معركة استعادة الدولة وانهاء الانقلاب”، غير أن مراقبين يشككون في النوايا الحقيقية لإشهار هذا المكون في هذا التوقيت، مؤكدين أن قراءة الخلفيات السياسية لقيادته تشير إلى أنه سيكون مجلسا مناهضا للتحالف العربي والمكونات الأخرى المعادية لجماعة الحوثي في معسكر الشرعية مثل الانتقالي وقوات طارق صالح.
واعتبر الباحث العسكري العقيد وضاح العوبلي أن تشكيل مثل هذا المجلس وفي هذا التوقيت مثير للجدل، مشيرا إلى أن مسمى “المقاومة الشعبية” قد انتهى بقرار جمهوري في العام 2016 حينما قضى بدمج المقاومة الشعبية في قوات الجيش الوطني، ومن حينها تم اعتبار هذه المسميات لاغية.
وقال العوبلي إن بروز هذه المسميات في هذا التوقيت يمثل قفزا وتجاوزا للواقع ومحاولة من بعض القوى لخلط الأوراق، وإعادة بعث مسميات تعتقد أنها تمنحها بعض الشرعية لتشكيل قوى مسلحة موازية للجيش وبأفق مفتوح وغير منضبط.
ولفت الباحث العسكري اليمني إلى أن “هذه القوى تخطط من خلال تشكيل هذا المجلس لفرض حصص ومكاسب إضافية لصالحها ضمن المكونات المنخرطة في تشكيلة مجلس القيادة الرئاسي، حيث لا زالت تستحوذ على نصيب الأسد في الحكومة الشرعية ودوائرها وأجهزتها بما فيها السلك الدبلوماسي ومؤسستا الجيش والأمن”.
وقال العوبلي إن تلك القوى تمردت ورفضت الشراكة في المؤسسات والأجهزة والدوائر الحكومية الأخرى، بل واعتبرت القرارات التي صدرت بتعيين بعض المحافظين وقيادات بعض الوحدات العسكرية استهدافا لها، وكان التمرد الذي حصل في شبوة وما تلاه من تمرد لتلك القوى في الجوف خير شاهد على رفضها المطلق لمبادئ الشراكة”.
ولفت إلى أن تلك القوى تتعاطى مع بعض المحافظات والمؤسسات الشرعية كمعاقل خاصة بها ومغلقة لصالحها، وتحديداً مناطق الامتياز النفطي في المربع الممتد من صحراء الجوف مروراً بمأرب إلى العقلة بشبوة وحتى وادي وصحراء حضرموت، ولهذا فهي تسعى إلى إنتاج مثل هذه المجالس في تلك المحافظات لتوفير بديل يشرعن لها تشكيل بعض الكيانات والتشكيلات المسلحة غير المنضبطة والتي يمكن أن تستخدمها لترجمة مواقفها السياسية عبر نشر الفوضى والتمرد بغطاء المقاومة الشعبية.
وأشار إلى أنه بإنشاء المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية فإن تلك القوى تسعى أيضا إلى فرض مقعد رديف ومواز لباقي مقاعد المكونات الرئيسية في مفاوضات التسويات القادمة وهذا الاعتقاد مبني على التوقيت الذي تشكل فيه هذا المجلس.
ووصف مراقبون “المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية” بأنه مجلس لمقاومة المقاومة، ومحاولة خلق تيار جديد يلتقي مع الحوثيين في مناطق مشتركة، وفقا لما تمليه طبيعة الداعم الإقليمي لهذا التيار الذي يخفف الضغط عن الحوثيين ويربك المكونات والقوى التي تواجه الانقلاب الحوثي.
وقال الباحث السياسي اليمني ناصر الشليلي إن اعلان ما سمّي بالمجلس الأعلى للمقاومة برئاسة المخلافي من مدينة مأرب يثير الكثير من علامات الاستفهام.
وأضاف الشليلي “طالبنا قبل عدة سنوات وعند حدوث انكسارات وانهيارات في جبهات المقاومة في نهم والجوف والبيضاء بتشكيل مجلس للمقاومة لكن هذه الطلبات لم تجد أيّ تجاوب، والآن وبعد انصهار القوى الوطنية الشرعية في إطار مجلس القيادة الرئاسي وتوحيد غرفة العمليات العسكرية يظهر لنا هذا المجلس وببيان هزيل لم ينص صراحة على الهدف الوطني الأسمى وهو مواجهة الميليشيا الحوثية”.
ولفت المحلل اليمني إلى أنه “سبقت إعلان المجلس حملات اعلامية تحريضية من قبل بعض النشطاء ضد القوى الوطنية المواجهة للمشروع الحوثي مما يعطي انطباعا بأن هذا المجلس قد يراد منه أن يكون مجلسا لمقاومة المقاومة لا لمقاومة جماعة الحوثي”.
من جهته اعتبر مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري أن إعلان مجلس توحيد المقاومة بقيادة المخلافي الذي يقيم ويستثمر في تركيا – على حد تعبيره – واحد من وسائل الضغط التي تحاول الأطراف الداعمة لهذا الكيان استخدامها مستقبلاً في ضوء التفاهمات الإقليمية والدولية لإحلال جهود السلام في اليمن.
وأشار الجبري في تصريح لـ”العرب” إلى أن “غالبية أعضاء المجلس المعلن للمقاومة ذوو توجه واحد واكثير منهم يقيمون خارج اليمن وغالبيتهم لديهم مواقف مناهضة للشرعية والتحالف بما فيها مواقفهم في تعز ومأرب والجوف وسقطرى، وظهروا في أكثر من مناسبة باحثين عن مصالح ومطامع شخصية وحزبية بعيدا عن المصالح الوطنية الجامعة وأولوية استعادة الدولة وتحرير العاصمة صنعاء من أيدي جماعة الحوثي”.
وحول الهدف من إنشاء المجلس قال الجبري “أعتقد أن اللجوء إلى مثل هذه الخيارات يفصح عن أمرين على الأقل، أولهما وجود نية للتمرد على قرارات مجلس القيادة الرئاسي والعمل ضمن مشروع فرض واقع جديد يتشكل وفقا لخارطة السيطرة وهذا ما يشير إليه عدم ذكر مجلس القيادة الرئاسي في بيان الإشهار وثانيهما اعتبار مجلس القيادة الرئاسي عاجزاً عن حماية مصالح أبناء الشعب كافة وأن هذه الكيانات كما يخيل لهم يمكن أن يحتموا بها للحفاظ على مصالحهم”.
واعتبر مدير المرصد الإعلامي اليمني أن حالات النفي والانسحابات لبعض الأسماء المعلنة ضمن تشكيلة المجلس تؤكد هشاشة هذا الكيان وأنه قد يكون مشروعا شخصيا للشيخ المخلافي مستفيدا من بعض أمواله لتحقيق رغبات لن يكتب لها النجاح.