في الوقت الذي تستقبل فيه دور السينما الإماراتية فيلمين محليين دفعة واحدة، لا يزال عاملون في هذه الصناعة بالدولة الخليجية يتطلعون للأفضل.
ومنذ الخميس، يعرض الفيلم الإماراتي “بنات كيوت” في دور السينما، وهو عمل من تأليف وإخراج الفنان جمال سالم.
ويحكي الفيلم قصة مغامرة تخوضها 5 فتيات في منطقة جبلية لممارسة رياضة “الهايكنغ” قبل الالتقاء برجال، حيث يتعرضون جميعا لعدد من المواقف المضحكة.
وابتداء من الخميس المقبل، يدخل “غنوم الملياردير” دور العرض، وهو فيلم حركة “أكشن” من تأليف المنتج والمخرج، عامر سالمين.
وتدور قصة “غنوم الملياردير” حول صديقين يعملان في مجال التمثيل يحاولان تحقيق النجاح، لكنهما يفشلان في كل شيء قبل أن يكتشف أحدهما أنه حصل على ميراث كبير.
إنتاج “لم يتغير”
ويعد إنتاج الإمارات للأفلام السينمائية “الأكبر خليجيا من حيث الكم”، لكن “غالبيتها فقيرة كون البيئة المناسبة غير متوفرة للمواهب” كما يقول الممثل، عبدالله سعيد بن حيدر، في حديثه لموقع قناة “الحرة”.
وقال الممثل الإماراتي الذي بدأ مسيرته الفنية في المسرح عام 1988، إنه “لا توجد صناعة سينما حقيقية في الإمارات.. ليس هناك استيعاب رسمي للقوة الناعمة التي تشكلها السينما”.
وتابع بن حيدر أن “المنظومة لا تصنع نجوما”، مضيفا أن صناعة السينما في الإمارات “لم تتغير بحيث إن المحتوى وأسلوب الكتابة والإنتاج نفسه لم يتغير منذ عام 2000 باستثناء استخدام التكنولوجيا في التصوير”.
في المقابل، يذهب المؤلف والمخرج، مرعي الحليان، في اتجاه معاكس تماما بقوله إن “الأمر ينمو بهدوء كون هذه الصناعة جديدة على منطقة الخليج، إذا ما قورنت بمثيلاتها في المحيط العربي”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، قال الحليان، وهو أحد أبرز الفنانين في الدولة الخليجية، إنه “بالنسبة لنا في الإمارات، فإن هناك نموا كبيرا في الإنتاج السينمائي خلال السنوات الخمس الأخيرة”.
وأضاف: “خلال العام الماضي وحده خرجت 4 أفلام سينمائية تصنف ضمن الروائي الطويل، وبالنسبة لنا هنا فهذا يعد إنجازا كبيرا”.
وشهدت الإمارات إنتاجات سينمائية ضخمة أيضا خلال السنوات الماضية، بما في ذلك فيلما “خورفكان” و”الكمين”. ويشير بن حيدر إلى أن هذين الفيلمين حققا نجاحات كبيرة؛ لأنهما حظيا بدعم “ومباركة” حكومية.
وفي هذا الإطار، قال الحليان إن “فيلم خورفكان رصدت له ميزانية ضخمة من قبل حكومة الشارقة” كما هو الحال بالنسبة لـ “الكمين” الذي “جلب إليه أشهر مخرج أميركي”.
وفيلم “خورفكان” الذي عرض محليا للمرة الأولى في ديسمبر 2020، يحكي قصة مقاومة منطقة خورفكان التابعة لإمارة الشارقة للاحتلال البرتغالي بقيادة الجنرال، أفونسو دي البوكيرك، مع أسطوله البحري عام 1507.
وشارك في العمل نخبة من الفنانين العرب بجانب الممثلين الإماراتيين، وهو فيلم من تأليف حاكم إمارة الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، المعروف بمؤلفاته للكتب التاريخية.
المقارنة مع الجار
أما “الكمين” الذي عرض في دور السينما المحلية عام 2021، فهو “أكبر إنتاج سينمائي باللغة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي، وصورت كافة مشاهد الفيلم في الإمارات بمشاركة ممثلين وطاقم عمل يزيد عن 400 فرد”، وفقا لصحيفة “البيان”.
ويجسد الفيلم عدة أحداث واقعية جرت خلال حرب اليمن، تتمثل في مهمة إنقاذ مجموعة من الجنود الإماراتيين علقوا في كمين نصبه لهم عناصر من جماعة الحوثي بمنطقة جبلية. وهنا يصف بن حيدر تجربته في العمل بـ “الاستثنائية” قائلا إن الفيلم “تجربة لا تتكرر بسهولة”.
عبدالله سعيد بن حيدر أحد أبطال فيلم “الكمين” الإماراتي
الممثل الشاب، محمد أحمد الحمادي، الذي شارك في “الكمين” أيضا، يعتقد من جهته، أن هذا العمل “ارتبط” بعاطفة المجتمع، لا سيما أنه يحكي قصة واقعية. وقال إن “الميزانية المخصصة (للفيلم) ساهمت في توفير أفضل المعدات والتأثيرات لتقديم منتج نهائي عالي الجودة”.
ويطالب الحمادي بتمويل أكبر للمشاريع السينمائية الإماراتية، لا سيما أن أغلب الأعمال تأتي بدعم ذاتي.
وقال إن “المواهب التي تشارك في صناعة أي فيلم تستحق أن يتم دعمهم ماليا”، موضحا أن “التمويل الشخصي لأفلامك ليس الطريقة الصحية والمستدامة” في الصناعة.
وقال إن “الهدف يتمثل في الوصول إلى صناعة تدير الربح، من وراء أي فيلم”.
وفي هذا السياق، يرى عبدالله بن حيدر أن هناك كوادر إماراتية ذات جودة عالية في التمثيل، لكنها تحتاج إلى “وضعها في بيئة مناسبة، إضافة إلى الإنفاق المالي بسخاء”.
ويقارن بن حيدر الصناعة في بلاده مع جيرانهم السعوديين الذين يشهدون مؤخرا “حراكا جميلا” بسبب قرار سيادي من الدولة، وهو ما تحتاجه الإمارات، حسب قوله.
وقال إن السعوديين “يؤسسون لصناعة ترفيه شاملة وحقيقة، بما فيها السينما والمسرح والدراما”، مردفا أن “الكوادر السعودية تعمل مع أهم المخرجين والشركات المنفذة.. أعتقد أنه بعد 10 سنوات ستنتج السعودية أعمالها بكوادر محلية 100 بالمئة في كل العمليات الفنية”.
وشدد بن حيدر على أهمية وجود قرار إماراتي على مستوى الدولة بإنشاء كيان اتحادي واحد يحتضن صناعة السينما في الدولة. لكن الحليان يقول إن كل إمارة لديها كيان مهتم بصناعة السينما، وأن العمل على حدا سيكون أفضل لبناء التنافسية.
وقال إن “هذه الهيئات تقوم بمقام الهيئة الواحدة، وهذا يأتي في صالح مستقبل صناعة الفيلم السينمائي الإماراتي، لأن التنافس بينها هو الذي يوفر فرصا متنوعة للمواهب السينمائية”.
لغة فن وجمال
وتملك أبوظبي لجنة أفلام تأسست عام 2009 بهدف “تطوير صناعة السينما والتلفزيون والترويج لإمارة أبوظبي كموقع إنتاج على الصعيدين الإقليمي والدولي”، وفقا لموقعها الإلكتروني.
كما توفر هذه اللجنة خصم استرداد نقدي بنسبة 30 بالمئة على الإنفاق الإنتاجي للأعمال التي تصور داخل الإمارة، مما يمكن أن يساعد على الارتقاء بالكوادر الإماراتية حال مشاركتها في تلك الأفلام.
وتعد العاصمة مقرا لأكثر من شركة إنتاج سينمائية كبيرة، فيما تضم دبي مدينة خاصة بالأستوديوهات تعمل على دعم الأعمال الإماراتية.
كما أن الشارقة لديها “مؤسسة شمس (مدينة الشارقة للإعلام) التي بدأت منذ أربع سنوات في إقامة ورش التدريب على كتابة السيناريو والتصوير السينمائي وفنياته الأخرى، وهي تستقطب الشباب من الجنسين وتوفر للمنتسبين الخبرات المناسبة”، حسبما قال الحليان.
ومضى بقوله: “هناك إقبال من المنتجين المحليين وتسهيلات من قبل ملاك دور العرض لدعم الفيلم الإماراتي”، موضحا أن الصناعة مواكبة للتطور، والجمهور يقبل على الأعمال المحلية.
وقال الحليان إن “السينما ليست عيادة صحية .. إنها لغة فن وجمال، وطالما تنوع هذه الأفلام يحقق هذه الغاية عند الناس فهذا يكفي؛ لأننا لن نحاكمها كما نحاكم مسؤول الخدمات المجتمعية”.
ومع ذلك، يرى عبدالله بن حيدر أن السينما تعد “قوة ناعمة” تساهم في إبراز مظاهر الحضارة في الدولة. وقال إن الإمارات تشهد “نهضة في جميع المجالات لم تأت من فراغ، وأن قصة النجاح هذه بحاجة إلى أن تصل لأبعد مدى عبر السينما”.
وختم بن حيدر بقوله إن “السينما أفضل وسيلة لنقل قصص نجاح الإمارات العالمية وتصدير ثقافة المجتمع الذي تقوم على التحضر والسلام والتسامح”.