في ظل استمرار الحرب الطاحنة، التي بدأت إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، تواجه موسكو تحدياً كبيراً لتوفير أعداد كافية من المعدات العسكرية، خصوصاً الدبابات وعربات نقل الجنود المدرعة.
لم يتردد الجيش الروسي في إرسال إحدى وحداته للحصول على دبابات كانت تستخدمها شركة “موس فيلم”، وهي إحدى أكبر مؤسسات الإنتاج السينمائية في روسيا.
الدبابات التي كانت مخزنة في مستودعات شركة الإنتاج السينمائي، يعود تاريخ صنع أغلبها إلى الحقبة السوفياتية، في خمسينيات القرن الماضي.
خلال لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قال مدير شركة “موس فيلم”، كارين شاخنازاروف، إنه سلم الجيش نحو 50 عربة قتالية، من ضمنها 28 دبابة من طراز تي-55 و 8 دبابات برمائية من طراز بي تي -76.
خلال اللقاء الذي جرى في مكتب بوتين بالكرملين، قال شاخنازاروف إنه “وجد حاجة لتلك المعدات”، فبادر إلى الاتصال بوزارة الدفاع الروسية.
شاخنازاروف قدم ذلك على أنه حصيلة عمل مؤسسته لدعم المجهود الحربي لبوتين في أوكرانيا، وأضاف قائلاً “تلك هي نتائجنا”.
دبابات تي – 55 التي يعود تاريخ صنعها إلى الخمسينيات من القرن الماضي، هي تطوير لنماذج الدبابات السوفياتية والألمانية التي استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية، وكان أول ظهور لها في ساحات المعارك خلال قمع الجيش الأحمر للثورة المجرية عام 1956.
الحاجة الملحة للعربات المدرعة تعود إلى معدل الخسائر المرتفع للجيش الروسي، خلال المعارك في أوكرانيا، في مواجهة أنظمة أسلحة غربية مضادة للدبابات، شديدة الفاعلية.
وتقدر خسائر الجيش الروسي إلى حد الآن بأكثر من 11 ألف عربة مدرعة، من بينها نحو 3600 دبابة، حسب تحقيق نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
رئيس مركز التحليلات الاستراتيجية والتكنولوجية في موسكو، رسلان بوخوف، الذي تحدث إلى الصحيفة الأميركية، أكد أن معدل الخسائر المر تفع في صفوف الوحدات المدرعة للجيش الروسي، يجعل تعويض المعدات المدمرة بطيئاً.
ويضيف بوخوف إن تلك الحاجة الماسة لتعويض الأعداد الكبيرة من الدبابات والمدرعات المعطلة، جعلت وزارة الدفاع الروسية تعطي الأولوية للحصول على أكبر عدد ممكن منها، بقطع النظر عن مدى صلاحيتها، ما جعل نوعية العربات الجديدة رديئة للغاية.
وزارة الدفاع البريطانية أكدت تلك الأرقام، وأضافت تفاصيل أكثر حول الخسائر الروسية في منشور على صفحتها الرسمية على “إكس”.
الوزارة قالت إن الجيش الروسي خسر نحو 8 آلاف عربة مدرعة، ما دفعه إلى البحث عن معدات بديلة وسط مخازن الأسلحة العائدة إلى حقبة السوفياتية.
صور الأقمار الاصطناعية أظهرت انخفاضاً كبيراً في أعداد الدبابات الموجودة في مراكز التخزين، مثل “أرسنييف”، “باي” و”أولان أودي”، ووصل الأمر إلى سحب دبابات كانت معروضة في المتاحف، قصد إرسالها إلى الجبهة.
النقص الحاد في العتاد الحربي، لا يشمل فقط الدبابات، لكنه يتضمن على وجه الخصوص المعدات الإلكترونية، والبصرية، التي اعتادت روسيا على استيرادها من الدول الغربية.
وإثر العقوبات المتصاعدة على مؤسساتها المنخرطة في الإنتاج العسكري، انتهجت موسكو سبلاً غير تقليدية للحصول على المعدات التي شملتها العقوبات الغربية، عبر مجموعة من الشركات الوهمية، التي تعمل عبر دول أخرى، وتنفذ صفقات توريد لصالح الجيش الروسي.
المؤسسات الصناعية الروسية المنخرطة في صنع الأسلحة، باشرت برنامجاً ضخماً لرفع إنتاج الدبابات، للوصول إلى معدل إنتاج 100 دبابة شهرياً، حسب مايكل غيرشتاد من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن.
الوحدات المدرعة الروسية قامت هي الأخرى بمحاولة تقليص الخسائر في دباباتها، عبر اعتماد دروع معدنية مرتفعة تغطي أعلى الدبابات، وهي إحدى نقاط الضعف الرئيسية التي استغلها الجنود الأوكرانيون الذين استخدموا الأسلحة الغربية، مثل الصاروخ المضاد للدروع “جافلين” الذي ذاع صيته عقب معركة كييف، عندما فشلت أرتال الدبابات الروسية في اقتحام العاصمة الأوكرانية.
قيادة الجيش الروسي قامت هي الأخرى بتغيير طريقة قتال وحداتها، عبر سحب الدبابات إلى الخلف، وجعلها تقوم بمهام إسناد المشاة.
هذا “التكتيك” الجديد خفض وتيرة إصابة الدبابات، لكنه جعل جنود المشاة الروس يدفعون الثمن، بعد أن تم دفعهم إلى الخطوط الأولى في مجموعات صغيرة.
إجبار المشاة على العمل كدروع بشرية للدبابات الروسية، أظهر ضعفها أمام الأسلحة الغربية، وزاد في وتيرة الخسائر البشرية التي تعاني منها روسيا.
تلك الخسائر دفعت روسيا إلى طلب المساعدة من حلفائها، مثل كوريا الشمالية، التي يعمل جنودها على جبهة كورسك، أين حققق الجيش الأوكراني اختراقاً لافتاً، مكنه من احتلال أراضٍ روسية لأول مرة منذ بداية الحرب.