يشهد “حزب الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة في تركيا “رياحا تحمل نسمات تغيير” وتحركت خلال الأيام الماضية من جانب اسمين اثنين، الأول هو عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو والثاني رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان.
وهذان الاسمان ينتميان للحزب المذكور، ورغم أنهما أبديا الدعم اللامتناهي لزعيمه كمال كليتشدار أوغلو في انتخابات الرئاسة والبرلمان، إلا أن خسارة الأخير أمام رجب طيب إردوغان دفعتهما لإطلاق دعوات وتنظيم مسيرة، لم يسبق وأن شهدتها ضفة المعارضة على هذا النحو.
وكان إمام أوغلو أول من دعا إلى “ضرورة إجراء تغيير في الحزب” في مطلع يونيو. وفي حين كرر هذا المطلب بعد خسارة كليتشدار أوغلو لمرتين أقدم، يوم الثلاثاء، على خطوة تمثلت بإطلاق موقع إلكتروني عنونه بعبارة: “دعوة للتغيير: في حزب الشعب الجمهوري وفي تركيا”.
كما جاء في العبارة التي نشرها عبر “تويتر”: “أدعوكم للمشاركة في تقديم الآراء والمقترحات في التغيير من أجل الحكم”.
ويورد في النص المتاح عند الدخول على رابط الموقع: “نحن معرضون لخطر استمرار هذا الوضع الذي تتحمل الحكومة الحالية مسؤوليته وتعميق الاستقطاب الاجتماعي، ومن ناحية أخرى، نواجه بنية معارضة فشلت في أن تصبح بديلا فعالا للسلطة”.
وأضاف أن “المجتمع يتوقع التغيير من المعارضة”، متابعا: “في هذه المرحلة، هناك حاجة إلى نهج عقلاني لمستقبل تركيا. أساس التغيير هو بلا شك المطلب الاجتماعي، ومن الممكن تماما أن يحدث التغيير بموقف صبور وواع، ولكن حازم”.
وتزامن ما سبق مع تنظيم رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان مسيرة راجلة حملت شعار “التغيير والعدالة”، وقال لوسائل إعلام تركية بعد قطعه مسافة 45 كيلومترا إنه يهدف الوصول لمبنى مقر “الشعب الجمهوري” في أنقرة لدعوة كليتشدار أوغلو إلى ترك منصب رئيس الحزب.
وأشار لموقع “خبر تورك” إلى أنه سيتصل بأعضاء الحزب ويطلب منهم التجمع في المقر حال وصوله إلى أنقرة، وأن “بعض رؤساء البلديات لديهم وجهات نظر مماثلة معه، لكنهم لم يوافقوا على أسلوبه”.
هل ما يحدث صراع؟
وكان إردوغان قد كسب في الجولة الأولى من سباق الانتخابات الأغلبية في البرلمان، وتمكن في الجولة الثانية من الحفاظ على كرسي الرئاسة لخمس سنوات مقبلة.
ومن المقرر أن تكون الأحزاب المعارضة أو الحاكم “العدالة والتنمية” على موعد يتعلق بتنظيم مؤتمراتها العامة، وموعد آخر يرتبط بانتخابات البلديات في مارس 2024.
وترسم الأحزاب في هذه المؤتمرات استراتيجية عملها، والهيكل الخاص بها للمرحلة المقبلة، فيما تحظى انتخابات البلدية بأهمية بالغة، وهو ما تطرق إليه إردوغان من إسطنبول، مركزا على نية حزبه الفوز مجددا بهذه المدينة.
من جانب كليتشدار أوغلو وبعد خسارته في الانتخابات كان قد عمل على استبدال أعضاء اللجنة المركزية لحزبه بأسماء جديدة بعد استقالة أسلافهم.
وفي المقابل رد على دعوات “التغيير” بأنه “قبطان” سفينة، وعليه إيصالها إلى بر الأمان، دون أن يعطي إشارة ما حول وجود نية لديه للاستقالة.
وحول ترشحه مجددا لرئاسة الحزب في المؤتمر العام القادم، قال كليتشدار أوغلو، في يونيو الماضي إنه لم يخرج ويعلن ترشحه، ولكن إذا تم ترشيحه فالأمر مختلف.
وأوضح أنه يمكن لإمام أوغلو الترشح للرئاسة، ولكنه في الوقت ذاته شدد على رفضه تسليم بلدية إسطنبول الكبرى إلى “العدالة والتنمية”، وأن “عملية التغيير لا تحدث بناء على إرادة شخص واحد”.
ومن غير الواضح ما إذا كان إمام أوغلو ودعوته إلى “التغيير” يسعى من خلالها الوصول إلى رئاسة “حزب الشعب الجمهوري”.
ومع ذلك يرى مراقبون أن الهدف الذي كرره لأكثر من مرة يشي بوجود “أزمة وصراع قد يخرج للعلن في الأيام المقبلة”.
وذكرت صحيفة “جمهورييت” المعارضة للحكومة، يوم الأربعاء نقلا عن مصادر من بلدية إسطنبول أنه “تم تشكيل فريق من علماء الاجتماع والأكاديميين من أجل تصفية الآراء التي سيتم تقديمها في الموقع الإلكتروني الذي نشره إمام أوغلو”.
وأضافت أنه “سيتم تقييم الاقتراحات والمقترحات، وفي نهاية العملية، يمكن مشاركتها في بيان معلن للجمهور”.
وأوضحت الكاتبة في منصة “ميديا سكوب”، غوكسال غوكسو أن إمام أوغلو وفريقه يريدون جمع فكرة “التغيير” تحت ثلاثة عناوين هي: التغيير داخل “حزب الشعب الجمهوري”، “التغيير في المعارضة”، “التغيير في الإرادة الاجتماعية”.
ولذلك يستهدف الموقع الإلكتروني “الحصول على آراء من يطلبون التغيير، ويمكن لأي شخص المساهمة في ذلك”.
وتحدثت الكاتبة عن “دراسة أجراها أكرم إمام أوغلو حول التغيير داخل الحزب، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عنها في النصف الأول من شهر يوليو”.
وأضافت: “في 15 يوليو الحالي سيتم شرح طلب التغيير المتوقع بالتفصيل من خلال التغييرات التي يجب إجراؤها، وخاصة هيكل المندوبين في حزب الشعب الجمهوري، وطريقة تحديد المرشحين لكل من النواب ورؤساء البلديات، والرئاسة العامة”.
“تنافس على قيادة الحزب”
وإمام أوغلو، البالغ من العمر 52 عاما، كان قد فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019، منهيا سيطرة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم على هذه المؤسسة منذ 2002.
وتعود جذور الحكم الصادر بحقه إلى الفترة التي شهدت وصوله إلى كرسي “العمدة”.
في تلك الفترة، أي قبل أربع سنوات، ألقى إمام أوغلو كلمة عقب قرار “اللجنة العليا للانتخابات” بإعادة إجراء الانتخابات المحلية في إسطنبول للمرة الثانية في 2019، قائلا إن الذين ألغوا الانتخابات (الأولى) هم “أغبياء” (حمقى).
وبناء على ذلك، أعدّت النيابة العامة دعوى بحقه بتهمة “توجيه إهانات لموظفي القطاع العام”، والمطالبة بسجنه أربع سنوات وشهر واحد، ومنعه من العمل السياسي، لتعقد الجلسة الأولى في يونيو من عام 2022.
وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لطالما تردد اسمه كمرشح رئاسي لمنافسة إردوغان، وهو ما لم يتم بسبب الدعوى القضائية المرفوعة ضده، وبسبب إصرار كليتشدار أوغلو على خوض السباق.
ويرى المحلل السياسي التركي، جواد غوك “منافسة تلوح في الأفق وواضحة للعيان بين إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو على قيادة حزب الشعب الجمهوري”.
واعتبر أن الحزب العلماني وهو أكبر أحزاب المعارضة “بات منقسما بين جهتين الأولى من العلويين والعلمانيين في شرقي تركيا والثانية من العلمانيين المتشددين في المدن الغربية للبلاد”.
ويقول غوك لموقع “الحرة”: “إمام أوغلو لديه حب للرئاسة وهو واضح جدا ولهذا السبب يريد أن يكون رئيسا بعد إجبار كليتشدار أوغلو على الاستقالة. ويدعمه بذلك تانجو أوزجان”.
وفي حين أن حظوظ كليتشدار أوغلو ما تزال أوفر لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، إلا أن المحلل السياسي يشير أن “الشعب الجمهوري وفي حال بقي على هذا الحال سيخسر السباق في انتخابات البلديات، وعلى رأسها إسطنبول”.
“انقسام بين ضفتين”
وأورد تقرير لموقع “خبر تورك”، الأربعاء، أن الصراع ربما يأخذ ذروته مع انتظار إعلان إمام أوغلو عن بيانه الذي ربما يستهدف فيه كليتشدار أوغلو، حيث سيؤدي ذلك إلى كسب إمام أوغلو المؤيدين من الحزب والمستائين من الزعيم الحالي للشعب الجمهوري”.
ونقل الموقع عن رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان قوله: “أنا أسير ضد الرئيس وفريقه الذي خسر هذه الانتخابات. لقد أنتجوا سياسات خاطئة. لا ينبغي لأحد الهروب من المسؤولية”.
وأضاف: “نحن نتهم حزب العدالة والتنمية بنظام الرجل الواحد. نحن نقول الحقيقة. إردوغان هو الرجل الوحيد في حزبه وفي البلاد والسيد كليتشدار أوغلو هو الرجل الوحيد في الحزب أيضا”.
وفي حين تبرز مواقف مؤيدة لإمام أوغلو داخل “الشعب الجمهوري” من أجل إحداث “التغيير” إلا أن أصواتا في مقابلها تنتقد ذلك، وهو ما يعتبر انقساما وفق مراقبين وصحفيين أتراك.
وكان رؤساء مقاطعات حزب الشعب الجمهوري الـ81 قد أصدروا بيانا، في يونيو الماضي، بعد اجتماع عقدوه مع كليتشدار أوغلو في مقر رئاسة الحزب.
ووصف البيان “التغيير” بأنها “كلمة سحرية ومغرية”، وشدد أن الأفكار والمبادئ وليس الأشخاص هي التي تحدثه دائما.
وأضاف البيان: “من الواضح أن مطالب التغيير الناشئة عن خطاب المنقذ القائم على شخص، التي لا تشمل أوجه القصور الهيكلية، لن تؤدي إلى نتيجة صحية”.
وتابع: “لا أحد منا في حزبنا، بما في ذلك رئيسنا (كليتشدار أوغلو) معفي من النقد، والنقد البناء. في اجتماعنا مع رئيس الحزب أعربنا بحرية عن أفكارنا وانتقاداتنا، ونرفض الأساليب الرامية إلى تشوية سمعته”.
ومن المقرر أن يلتقي إمام أوغلو بأسماء مهمة في “الشعب الجمهوري” في الأيام المقبلة، حسب ما ذكر الكاتب في صحيفة “سوزكو”، إسماعيل سايماز.
كما سيلتقي بأسماء كبيرة من الرياض والفن والأعمال، على أن تصبح “خريطة الطريق وبيانه واضحا” في النصف الثاني من يوليو الحالي.
وقال سايماز إن “إمام أوغلو أخبر دائرته المقربة أنه يعتقد أن الحوار مع كيليتشدار أوغلو لن يؤدي إلى نتائج”.
بدوره اعتبر الصحفي باريش ياركاداش في رده على إمام أوغلو عندما نشر الموقع الإلكتروني الخاص بحملة “التغيير” بالقول: “إذا كنت ستقود التغيير، فستثبت أولا ولائك لقاعدة حزب الشعب الجمهوري”.
وأضاف ياركاداش المنتمي لـ”الشعب الجمهوري”: “دعوة إمام أوغلو لم تسفر عن أي نتائج، لأن الرابطة العاطفية بين قاعدة الحزب وإمام أوغلو قد انهارت منذ فترة طويلة”، و”لا يزال إمام أوغلو وفريقه يعتبرون أنفسهم منقذين لأنهم لا يستطيعون رؤية هذه الحقيقة البسيطة”، حسب تعبيره.