سلط مركز “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الضوء على أزمة ندرة المياه المتصاعدة في العالم العربي، مشيرا إلى أن منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا أصبحت ضمن أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه حول العالم.
وذكر المركز، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد”، أن الطلب على المياه بالعالم العربي آخذ في الازدياد، مدفوعًا بالتزايد السريع في عدد السكان، والذي بلغ 400 مليون في عام 2016 ومن المتوقع أن يصل إلى 670 مليون بحلول عام 2050. في السطور القادمة نستعرض أهم ما ورد في هذا التقرير.
مشكلة بلا حل
تتغذى أزمات سياسية عديدة في المنطقة على النزاعات المائية التي لم تجد لها حلا، بما في ذلك النزاع حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، وتحويل إسرائيل لروافد نهر الأردن، وأزمات نهري دجلة والفرات بين تركيا وسوريا والعراق.
ورغم أن المنطقة العربية تشكل 10% من مساحة العالم، إلا أنها تحتوي على أقل من 1% من الجريان السطحي للمياه في العالم وحوالي 2% من إجمالي هطول الأمطار. ووفقًا للأمم المتحدة، تنخفض إمدادات المياه السنوية في المنطقة إلى أقل من 1000 متر مكعب للفرد.
ويبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه في 16 دولة عربية أقل من 500 متر مكعب، ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى مشكلة التصحر، إذ تواجه 30% من أراضي المنطقة الصالحة للزراعة هذا الخطر.
ويعتبر نقص المياه مقلقًا لمصر بشكل خاص، التي يعتمد عدد سكانها المتزايد، والذي سيتجاوز 175 مليونًا بحلول عام 2050، على نهر النيل لاحتياجاتهم المائية بشكل شبه كامل.
وتشعر مصر بالفعل بآثار سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي سيقلص حصتها من مياه النيل بما لا يقل عن 20 مليار متر مكعب سنويًا.
وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم الوضع، ما يؤدي إلى تبخر إمدادات المياه وتقليل هطول الأمطار على طول الساحل الشمالي لمصر.
كما أدت الصعوبات المتزايدة في إنتاج المواد الغذائية الأساسية (القمح وزيت الطهي والبقوليات واللحوم) إلى إجبار الدول العربية على الاعتماد بشكل أكبر على الواردات.
لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مدفوعًا باستخدام بعض الحبوب لإنتاج الوقود، يجعل هذه الواردات بعيدة عن متناول العديد من المستهلكين العرب.
ويعد التوسع الزراعي هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، لكن ذلك يضع عبئًا أكبر على إمدادات المياه.
وفي العديد من البلدان، يرتبط نقص المياه بأوجه النقص في الوقود. ففي لبنان مثلا يواجه أكثر من 4 ملايين شخص نقصًا حادًا في المياه بسبب أزمة الوقود المستمرة بالبلاد.
وتعاني سوريا المجاورة من آثار مماثلة من نقص الطاقة لديها. ومثل لبنان، تكمن مشكلة السودان، الغني بالمياه، في التوزيع، خاصة للاستخدام المنزلي، بسبب النقص الحاد في ديزل تشغيل محطات الضخ.
ومنذ 3 سنوات، تعاني الجزائر من جفاف اعترفت وزارة الموارد المائية بوجوده في عدة ولايات بالمناطق الوسطى والشمالية من البلاد.
ووضعت الحكومة الجزائرية خطة طوارئ لمعالجة الأزمة من خلال بناء محطات جديدة لتحلية مياه البحر وحفر الآبار.
وفي المغرب، حيث انخفضت إمدادات المياه السنوية إلى أقل من 600 متر مكعب للفرد، قررت الحكومة التوقف عن تقديم الدعم المالي لمزارعي البطيخ والأفوكادو والحمضيات، وهي محاصيل تستهلك الكثير من المياه.
وفي مواجهة أشد موجة جفاف منذ 4 عقود، تخطط الحكومة المغربية أيضًا لمعالجة إهدار المياه والاستغلال العشوائي.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تحل هذه الإجراءات المشكلة. وقد يتضمن الحل طويل الأمد إنشاء محطات لتحلية المياه، لكن البلاد تفتقر إلى الأموال.
ويعتبر الإفراط في الري من أهم أسباب إهدار المياه في المنطقة العربية، حيث يمثل القطاع الزراعي 84% من استهلاك المياه. فبسبب الهدر وسوء الإدارة، يتم استغلال 50% فقط من موارد المياه بالمنطقة، والتي تبلغ حوالي 340 مليار متر مكعب.
وبالتالي، فإن السياسات التي تعزز كفاءة استخدام المياه واستكشاف مصادر جديدة تصبح ذات أهمية متزايدة في حل مشكلة ندرة المياه في المنطقة.
الموارد العابرة للحدود
يأتي ثلث المياه المتاحة للدول العربية من أنهار خارج المنطقة، أبرزها نهر النيل الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا في أوغندا وبحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية.
ويقع سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل، وظل مصدر توتر لسنوات، إذ خفض حصة مصر من مياه نهر النيل من 55.5 مليار متر مكعب سنويا إلى أقل من 40 مليار متر مكعب.
وتصر إثيوبيا على أن اتفاقيات تقاسم مياه النيل لعامي 1929 و 1959 بحاجة إلى تحديث ولم تعد أساسًا للتفاوض، حيث تم التوقيع عليها خلال الحقبة الاستعمارية وفشلت في تخصيص حصة عادلة من الإمداد إلى دولة المنبع.
وهناك مصدران آخران ينبعان من خارج المنطقة العربية هما نهرا دجلة والفرات، ويتدفق كلا منهما عبر هضبة الأناضول، وأصبحا مصدرًا متزايدًا للخلاف بين تركيا وجاريها، سوريا والعراق، وكلاهما يتهمان أنقرة بتجاهل حقهما في الوصول للمياه.
تحتل الأنهار مكانة بارزة في مخطط التنمية الضخم في تركيا، المسمى مشروع جنوب شرق الأناضول، والذي يهدف إلى بناء 22 سدًا و19 محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية وري 1.7 مليون هكتار من الأراضي للاستخدام الزراعي.
وفي العراق، يزود نهرا دجلة والفرات معظم محطات المياه والإنتاج الزراعي في البلاد، لكن إمداداته تراجعت على مدى العقود الثلاثة الماضية بسبب نقص المياه وإغراق إيران السوق العراقية بالمنتجات الرخيصة.
انخفض تدفق المياه من تركيا عبر النهرين إلى العراق في عام 2021 بنسبة 50%، بينما حولت إيران روافد نهر دجلة لبناء السدود.
وأقرت أنقرة رسميًا بخفض تدفق مياه نهر الفرات إلى العراق وسوريا من 500 متر مكعب في الثانية إلى 200 متر مكعب في الثانية، فيما يقول المسؤولون بإدارة الحكم الذاتية في شمال وشرق سوريا إن الكمية الحقيقية هي 125 مترًا مكعبًا في الثانية.
وأدى هذا التخفيض الكبير إلى توقف التوربينات الكهرومائية عن العمل، ما تسبب في مشاكل بري المحاصيل.
إدارة المياه
والأردن أيضا من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم، حيث يواجه عجزًا سنويًا في المياه يبلغ حوالي 15 مليون متر مكعب.
وتخزن سدود الأردن حاليًا 80 مليون متر مكعب من المياه في احتياطيات أقل مما كانت عليه في عام 2020. ويعتبر نهر الأردن وحوض اليرموك من أهم مصادر المياه في البلاد، لكن تدفقاتها تتقلب بسبب آثار تغير المناخ.
وتشير التقديرات إلى أن نهر الأردن يفقد 85% من مياهه من خلال التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وفي عام 2021، شهد الأردن انخفاضًا بنسبة 60% في هطول الأمطار مقارنة بالعام السابق.
كما تعاني البلاد من انحسار مستويات المياه الجوفية والسطحية، فيما تلبي إمدادات الطاقة المتجددة نصف احتياجات المملكة فقط.
وفي عام 2013، وقع الأردن اتفاقية مبدئية مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لربط البحر الأحمر بالبحر الميت عبر قناة مائية وإنشاء مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية. وستعمل الأطراف الثلاثة الموقعة على تحلية مياه البحر الأحمر وتقاسمها.
والصفقة جزء من خطة الأردن لنقل 150 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من العقبة إلى عمان وزيادة الطاقة المائية لسدودها إلى 400 مليون متر مكعب.
ووافقت إسرائيل أيضًا على تزويد الأردن بـ 50 مليون متر مكعب إضافي من المياه من بحيرة طبريا، لكن دراسة الجدوى جارية، لذا فإن مستقبل هذا الجزء من الصفقة لا يزال غير واضح.
وتستخدم معظم الدول العربية المياه الجوفية لتخفيف النقص الحاد، لكنها لا يمكن أن تكون حلاً طويل المدى للمشكلة، باعتبارها موردا غير متجدد، بل يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في استراتيجية أوسع لتلبية الطلب المتزايد.
ويوجد في العالم العربي 3 أحواض للمياه الجوفية، بما في ذلك أكبر نظام للمياه الجوفية في العالم، وهو نظام الحجر الرملي النوبي، الذي يغطي مساحة كبيرة من الأراضي المصرية والسودانية والليبية.
ويحتوي هذا النظام على 150.000 كيلومتر مكعب من المياه. وتستخرج ليبيا منه 2.3 كيلومتر مكعب سنويًا عبر مشروع النهر الصناعي العظيم للشرب والري.
وهناك أيضًا نظام للمياه الجوفية في شمال الصحراء بالجزائر وجنوب تونس، والتي تعد المصدر الرئيسي لاستخدام المياه، بالإضافة إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية.
وتستغل المملكة العربية السعودية بنشاط حوض الديسي الجوفي، الممتد من شمال البلاد إلى جنوب الأردن، ما يجعلها مصدرًا محتملاً للصراع في المستقبل بين البلدين.
وتعتمد الدول العربية على مياه البحر المحلاة، والتي تمثل أكثر من 75% من استهلاكها من المياه.
حوالي 35% من محطات تحلية المياه في العالم موجودة في المنطقة العربية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية.
وفي العام الماضي، قامت السعودية وحدها بتحلية 2.2 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يمثل 20% من المياه المحلاة في العالم.
أما سلطنة عُمان، التي تعاني من نقص حاد في المياه، فتعالج 100% من مياه الصرف الصحي ويعاد استخدام 78 % منها.
وتعالج دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى حوالي 80% من مياه الصرف الصحي وتعيد استخدام حوالي 45% منها.
مستقبل غير مضمون
وبالنسبة للدول العربية غير المنتجة للنفط، فإن البحث عن حلول لندرة المياه يعيقه نقص الأموال.
وتعد دول مجلس التعاون الخليجي الست هي الدول العربية الوحيدة التي حققت الاكتفاء الذاتي من المياه من خلال بناء محطات تحلية على شواطئ الخليج العربي وبحر عمان، لكنها أيضًا تواجه مستقبلًا غير مضمون، حيث ينمو عدد سكانها وتتراجع قدرتها على الإنفاق.
ويمكن أن تكون المياه المتدفقة عبر الوديان العديدة في المنطقة جزءًا من الحل، لكن كمية المياه الموجودة في هذه الوديان غير واضحة، ولكن من المحتمل أن تصل إلى عشرات الملايين من الأمتار المكعبة، وذلك بفضل الأمطار الغزيرة التي غالبًا ما تمر عبر المنطقة.
ومع ذلك، فإن تكلفة بناء البنية التحتية اللازمة لتخزين المياه تتجاوز الموارد المالية للبلدان العربية، خاصة غير المنتجة للنفط منها.
وفي الوقت نفسه، سيظل سد النهضة مصدر قلق رئيسي لدول مصب نهر النيل، خاصة مصر. وحتى بدون السد، من المحتمل أن تشهد البلاد نقصًا حادًا في المياه، ويرجع ذلك أساسًا إلى الزيادة السكانية السريعة.
دول أخرى في المنطقة ستواجه نفس المصري، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي الثرية. لكن المشكلة، بالنسبة لمعظم الأنظمة العربية، أن البقاء في السلطة أهم من إيجاد حل لمشكلة كهذه!
متابعات