يتّبع الخمسيني حمود عبده، وهو من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، استراتيجية صارمة منذ نحو ثلاث سنوات لإدارة معيشة أسرته المكونة من 6 أفراد تشمل تقنين الاستهلاك لكثير من السلع الغذائية التي لم تعد تتواجد، إلا فيما ندر على مائدة الطعام لهذه الأسرة ولنسبة كبيرة من السكان في اليمن.
يقول المواطن اليمني إن ما يتم الحصول عليه من دخل شحيح يتم تسخيره لأولويات ضرورية لتوفير الدواء حيث يعاني وبعض أفراد عائلته من أمراض مزمنة، وتسديد فواتير الكهرباء والمياه وإيجار المسكن، وما أمكن من الاحتياجات الغذائية اليومية والتي شهدت تقليصا كبيرا خلال الفترة القليلة الماضية، الأمر الذي دفعه مع أسر أخرى إلى اتباع خيارات صعبة لا تتوقف عند حدود اقتسام علب الفول والفاصوليا والبقوليات.
ووصل اليمن إلى مرحلة خطيرة من انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية مع استمرار ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية وسط انخفاض كبير للدخل وفرص العمل.
•تقليص الاستهلاك
دفع احتدام الأزمة الاقتصادية طوال العام الماضي 2022، كما ترصد “العربي الجديد”، عددا أكبر من الأسر مع تآكل سبل عيشهم والتي تشمل بيع الأصول الإنتاجية، إلى اعتماد استراتيجيات قاسية في تقليص استهلاك الغذاء والاعتماد بدرجة أساسية على المساعدات الإغاثية.
علاوة على ذلك، تعاني الأسر بشكل متزايد من دورة دين مفرغ مع ارتفاع مستويات الاقتراض كل شهر، إضافة إلى زيادة مستويات الائتمان لديهم لتغطية الاحتياجات الأساسية، الأمر الذي يعرض الكثير من الأسر لخطر الصدمات المفاجئة التي من شأنها أن تزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد إلى مستويات قصوى.
ويتوقع برنامج الغذاء العالمي أن يرتفع عدد الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في اليمن إلى نحو 19 مليون شخص بحلول نهاية العام 2023، لافتاً إلى أن معدل الجوع في البلاد حالياً لم يسبق له مثيل ويسبب معاناة شديدة لملايين الناس.
واستطلعت “العربي الجديد” في هذا السياق، وضعية عينة من اليمنيين بواقع 14 أسرة يزيد عددها عن 80 فردا في عدد من المدن والمناطق اليمنية تعاني من تدني مستوى الدخل، شمل صنعاء “شمال اليمن” (3 أسر)، عدن ولحج “جنوب” (3 أسر)، الحديدة وحجة “شمال غرب” (4 أسر) وأسرتان في كل من تعز وإب وسط وجنوب غرب البلاد.
•شهران بدون لحوم
وحسب الأسر التي تم استطلاع رأيها، وجدت “العربي الجديد”، تركز جزء كبير من المعاناة وتوسع الفجوات الغذائية في مناطق مثل الحديدة وحجة، إذ يمر ما بين 30 و60 يوماً على كثير من الأسر دون أن تتناول اللحوم أو الدواجن، بينما تقتسم أسر في هذه المناطق ومناطق تعز وإب وصنعاء علب البقوليات (الفول والفاصوليا والبازلاء). وتتبع بعض الأسر سياسة تقنين قاسية باستخدام علبة فول واحدة لأكثر من يومين بحيث يتم الإكثار من وضع الماء على جزء من محتوى العلبة والإبقاء عليها للاستخدام في يوم آخر، بينما يتبع سكان في محافظتي عدن ولحج، إضافة إلى تعز نفس هذا النظام مع اللحوم والدواجن والأسماك.
•فقدان مصادر الدخل
الباحث الاقتصادي جمال رواح، يشرح تفاصيل هذه الاستنتاجات بالقول إن مناطق شمال وشمال غربي اليمن إما أنها فقدت مصادر دخلها كما هو حال سكان الحديدة الذين يعتمد كثير منهم على الصيد كمصدر دخل رئيسي، أو فقدت العائل الوحيد بسبب التجنيد والتحشيد من قبل أطراف الصراع الدائر في اليمن وهو ما تعاني منه مناطق مثل حجة وعمران وذمار وإب وريمة، إضافة إلى انعدام فرص العمل وانخفاض العائد مما تبقى من الأعمال المتاحة.
ويشير إلى أن سكان مناطق مثل عدن ولحج ومدينة تعز وغيرها من المحافظات الواقعة تحت إدارة الحكومة المعترف بها دولياً تتركز معاناتهم في ارتفاع أسعار الغذاء والتضخم وانهيار العملة المحلية وعدم حصول أي زيادة في رواتب الموظفين المدنيين بالنظر إلى اعتماد نسبة كبيرة منهم على الراتب الوظيفي الذي انتظمت الحكومة اليمنية بصرفه منذ مطلع العام 2018 في المحافظات والمناطق الواقعة تحت إدارتها.
•سوء التغذية
يعد معدل سوء التغذية لدى الأطفال من أعلى المعدلات في العالم مع استمرار تدهور الوضع الغذائي، إذ أظهر مسح أجري مؤخراً من قبل برنامج الغذاء العالمي ومنظمات أممية وأهلية أن ثلث الأسر اليمنية تعاني من فجوات في نظمها الغذائية، وتكاد لا تستهلك أي أطعمة من البقوليات والخضراوات والفاكهة ومنتجات الألبان واللحوم. ووفقاً لآخر تحديث شهري لبرنامج الأغذية العالمي عن حالة الأمن الغذائي (سبتمبر/أيلول 2022)، ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة 65% في جنوب البلاد و31% في شمالها، وذلك في الفترة بين أغسطس/آب 2021 وأغسطس/آب 2022.
وفي السياق، يؤكد تاجر مواد غذائية في مدينة المحويت شمال العاصمة اليمنية صنعاء، حميد الطويل، لـ”العربي الجديد”، أن هناك تقلصا تدريجيا في القوة الشرائية للمواطنين في نطاق عمله الجغرافي الذي يقدره بشارعين، رئيسي وفرعي، إذ يشمل وفق حديثه لـ”العربي الجديد”، مختلف السلع الغذائية من البقوليات والبيض ومنتجات الألبان. من جانبه، يفيد بائع دواجن في مدينة البيضاء وسط اليمن، علي غالب، “العربي الجديد”، بأن عدد الأسر التي تشتري دواجن أو لحوما انخفض بشكل كبير خلال الفترة الماضي، في حين يعمل قلة من المواطنين على توفيرها كل يوم جمعة من الأسبوع.
•خلل الإمدادات
وتحذر الأمم المتحدة من أي خلل في الإمدادات الحيوية المهمة مثل الغذاء والوقود والأدوية بالنظر إلى الوضع الإنساني الهش في اليمن والذي قد يتسبب في تفاقم خطير في معاناة الملايين من الناس.
يؤكد تاجر مواد غذائية في مدينة المحويت شمال العاصمة اليمنية صنعاء، حميد الطويل، لـ”العربي الجديد”، أن هناك تقلصا تدريجيا في القوة الشرائية للمواطنين.
ويبين الخبير المختص في التغذية رياض سعيد، لـ”العربي الجديد”، أن تدهور الأمن الغذائي وانعكاسه على سوء التغذية وعدم قدرة الكثير من المواطنين على تلبية الحد الأدنى من متطلبات الغذاء يؤثر تأثيرا بالغا على مستوى العمل وفرص الحصول على فرصة عمل أو القدرة على شغلها في حال توفرها، إضافة إلى تراجع الإنتاجية للفئة الصامدة من العمال، فضلاً عن تأثر الأنشطة الاقتصادية التي يصيبها الإنهاك الذي يظهر على كوادرها العمالية.
وأعلن البنك الدولي مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن تقديم منحة إضافية بقيمة 150 مليون دولار للمرحلة الثانية من مشروع الاستجابة في مجال الأمن الغذائي والقدرة على الصمود في اليمن.
ويهدف التمويل الجديد إلى التصدي لمشكلة انعدام الأمن الغذائي وتدعيم قدرة البلاد على الصمود، بالإضافة إلى حماية سبل كسب العيش للسكان من خلال التركيز على الإنتاج الزراعي واستعادة الأصول المنتجة القادرة على تحمل تغيّر المناخ من أجل حماية سبل كسب العيش؛ والتوسع في إنتاج الغذاء على مستوى الأسرة اليمنية.
متابعات