يحسدونك على الغربة و كأنما التشرد مكسب وعليك أن تدفع ضريبته نقدا وحقدا
يحسدونك على الغربة و كأنما التشرد مكسب وعليك أن تدفع ضريبته نقدا وحقدا
الغربة … ما لها وما عليها
بقلم : الكاتبة الأردنية ختام الربضى
هل هى غربة الروح أم غربة الجسد ، ام كليهما معا!!، نعم انها الغربة التي واجهها كل انسان من بداية خروجه خارج حدود وطنه، وتركه لأهله، وذكرياته، وبيته، واصحابه، ومحيطه …. الوطن وما ادراك ما الوطن، هو انتماء، و ليس كما يعرفه البعض بأنه تراب أو سماء أو هواء، فكل هذه الأمور أشياء مادية محسوسه والوطن أعظم من ذلك بكثير، أعظم من هذه الماديات والمحسوسات.
من منا لم يكتو بنار حرقة بعده عن أهله وعن وطنه، من منا لم يذرف الدموع ، علها تخمد ببرودتها حرقة الاشتياق حينما يشتدان بأروقة القلب، أو تذيب بحرارتها صقيع الوحشة الموحشة وسط حشد كبير من الذكريات لملامح الوجوه وروائح الأمكنة.
سيواجه المغترب ومنذ اليوم الأول تجربة وامتحان قاسي، مشاعر لا تترجم الا عن طريق دموع تنهمر بسخاء، سيفاجأ بثمة كلمات تختنق بسماعه صوتا يشبه أصوات أحبته، أو يرى ملامح تشبه هيئتهم أو وجوههم، فالمشاعر واحدة عند المغنربين في أي مكان وقلائل جدا من المغتربين اختاروا غربتهم بمحض ارادتهم، بل هي فرضت عليهم، فالانسان كتله من لحم ودم ، مشاعر وأحاسيس وعواطف يتأثر سلبا وايجابا بمجريات حياته
انها تجربة الغربه المريرة وما لها من انعكاسات وتأثيرات عميقه على الروح والجسد والفكر في نفسية الفرد، فالذين يسافرون يتغيرون، تتغير نظرتهم للحياة، وتتغير فكرتهم عن الرفاهيه وعن معنى الراحة.
يمكننا ايضا التنويه الى تأثيرات الاغتراب الروحية والفكرية والاجتماعية على الفرد، والتى تتمثل فى حرمان الوطن من طاقات ماهره وأيدي عاملة، وخبرات علمية مؤهلة، وعقول نيرة متعلمة ومثقفة من علماء وباحثين، وكثير من الاختصاصات المهمة التي تهاجر الى الخارج ولا يستفيد منها الوطن، مما يؤدي الى افراغ الوطن من هذه الامكانيات التي لها عظيم الأثر في تقدمه وتطوره ونهضته، ولا ننسى الأجيال الجديدة البعيدة عن جذورها وقضاياها، وهذا أمر مهم يختلف من فرد الى فرد ومن مجموعة الى أخرى حسب تماسكها في الخارج.
أما الجوانب الايجابية للاغتراب ففي مقدمتها التعرف على ثقافات ومجتمعات جديدة، وعادات وتقاليد ولغات مختلفة لما لهم الأثر في التعرف على المجتمع الجديد والتواصل مع أبناءه، فالقيم السامية التي يتعلمها الفرد من احترام الانسان وحرية الدين ، عدم الخوف من الحاكم، الشعور بالأمان والثقه، حرية التعبير، “التي يفتقدها الفرد أصلا في بلد المنشأ”، احترام المسنين وذوي الاحتياجات الخاصه دون تمييز بين ذكر أو أنثى، حرية الرأي والرأي الآخر ،توفير الرعاية الصحية والحياة السعيدة للأطفال ، القوانين التي تصدر لتسهيل عملية الاندماج مع المجتمعات، سهوالة التنقل داخل وخارج المدن ، ولا ننسى الفضل الكبير للغربة والألم، لما لهما من تنشيط وتحفيز الفرد قي تفجير الطاقات الابداعية من بحث وكتابة وكذلك الحث على النجاح والابداع لاثبات ذاته في غربته.
على الحكومات والمسؤولين أن يتنبهوا الى موضوع هجرة العقول والكفاءات واستنزاف الطاقات البشريه الهامة، الذين لا يبالون لهجرتهم بل غالبا ما يكونون هم المسبب الرئيسي لهذه الهجرة، من ملاحقات سياسية وفكرية، بلادنا لا تنهض الا بسواعد أبناءها المتعلمين الذين يختارون الهجرة بسبب مايواجهونه من انعدام الفرص وتفضيل غيرهم من اصحاب المحسوبيات والواسطة “أحيانا ما يكونون من حاملي الشهادات المدفوعة سلفا” نظرا لشعورهم ظلم وعدم المساواة، فيرفضون البقاء ويفضلون الهجرة بكل مرارتها والسير الى المجهول وان كان فيه بصيص أمل ضعيف لنيل حقهم وغالبا ما يتوفر هذا في بلاد الغربة بعد كد وعناء شديدين وصبر على ظروف صعبة في بداية مشوارهم بغرض تحسين حياتهم، والشعور أن هناك فرص لهم بالتقدم والترفيع كل حسب اجتهاده وجهده .
العمل ثم العلم والاجتهاد هم أساس نجاح المغترب، ولكن ما ينقصنا دائما في الغربة هو هذا الوطن الذي يسكننا ويسكن تفاصيلنا اليومية، هو الحنين والاشتياق الى تفاصيل جميلة بسيطة لن ننساها وتعودنا عليها في صغرنا ، فالجمال يكمن في البساطة .
جذورنا، أصالتنا وحضارتنا لا غنى لنا عنها، حتى لو اعتقدنا بأننا نعيش فى رفاهية، ومهما تقدمت بنا السنين، فهي السند القوي الذي يعطينا الثبات والثقة والذي يقوينا دائما في مواجهة الصعاب، فالعودة الى الوطن هي مطافنا الآخير.
الناس تحسدك دائما على شئ لا يستحق الحسد، لأن متاعهم هو سقوط متاعك، حتى على الغربة يحسدونك، كأنما التشرد مكسب وعليك أن تدفع ضريبته نقدا وحقدا ( احلام مستغانمي من رواية عابر سبيل ) .
متابعات