توريث المقاعد النيابية يثير جدلا سياسيا في مصر

تصعيد الأبناء إلى عضوية البرلمان ضد مبادئ ثورة قامت ضد التوريث.

اعتاد مصريون على توريث المناصب القيادية والوظائف الحكومية في كثير من القطاعات بصورة شبه رسمية، لسطوة العلاقات وغياب الرقابة على الجهاز الإداري، لكن بعضهم صُدموا قبل أيام مع اتساع التوريث ووصوله إلى مقاعد نيابية حيث من المفترض أن يكون الشعب وحده هو الذي يختار من ينوب عنه برلمانيا.

وكانت ظاهرة توريث مقاعد البرلمان معروفة في المناطق ذات البعد الجهوي والقبلي في مصر، وتوارثت بعض العائلات عضوية مجلسي النواب والشيوخ لفترات طويلة من الأب إلى الابن أو أولاد العمومة، لكن أن يتم التوريث تلقائيا وبطريقة سياسية منظمة معها غطاء قانوني من الأم إلى ابنتها، فهذا هو الجديد.

عمرو هاشم: التوريث في العمل النيابي مسألة سلبية تحتاج إلى تشريععمرو هاشم: التوريث في العمل النيابي مسألة سلبية تحتاج إلى تشريع

وتجدد الجدل السياسي في مصر عقب قيام النائبة رغدة عبدالسلام نجاتي بأداء اليمين الدستورية لتصبح عضوا في البرلمان خلفا لوالدتها النائبة الراحلة ابتسام أبورحاب عن دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد (جنوب مصر) ومقرها محافظة الجيزة المجاورة للقاهرة، وتم ذلك من خلال إخطار من الهيئة الوطنية للانتخابات بأن تكون نجاتي نائبة عن دائرة والدتها.

وكان رئيس مجلس النواب حنفي جبالي مضطرا لإعلان تسمية النائبة الشابة بحكم أن مقعد الأم أصبح خاليا بعد وفاتها، بناء على إخطار من وزارة الداخلية، وإشارة من الهيئة الوطنية للانتخابات بأن النائبة الأم اختارت ابنتها كمرشحة احتياطية لها، حال تعرضت لأزمة صحية تمنعها من استكمال عملها النيابي أو فارقت الحياة، وكان البرلمان مضطرا لتصعيد الابنة بموجب اختيار مسبق من الأم ووفقا للطريقة التي أجريت بها الانتخابات السابقة وجعلت لكل مرشح نائبا احتياطيا له.

ونجحت النائبة الراحلة (أبورحاب) عن قائمة انتخابية يرعاها حزب مستقبل وطن، الذي يتمتع بالأغلبية في البرلمان، والمعروف أنه الحزب السياسي للحكومة، وكانت الراحلة عضوا في لجنة الإسكان وورثت ابنتها المقعد والمنصب، ما أثار نقاشا سياسيا واسعا، على اعتبار أنه تم اختيار عضو بديل عن الراحلة بطريقة الأمر المباشر ومن دون إجراء انتخابات يترشح فيها من يجد في نفسه الكفاءة، ولم يتم اختيار المرشح أو المرشحة الأكثر عددا للأصوات.

ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي جرى فيها توريث المقعد البرلماني للابن أو الابنة، بعد وفاة الأب أو الأم، حيث سبق وتكرر الجدل المصاحب لواقعة “الأم والابنة” مع تعيين النائبة أسماء سعد مكان والدها الراحل اللواء سعد الجمال عضو مجلس النواب عن قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، واختيار النائبة آية فوزي عن دائرة أجا بمحافظة الدقهلية شمال القاهرة بعد وفاة والدها النائب فوزي فتي.

وأعاد توريث المقاعد النيابة في مصر الحديث عن شبهات الرشاوى المالية التي تم دفعها من جانب بعض المرشحين في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الأخيرة، وعقدت في نهاية عام 2020، نظير اختيارهم ضمن القوائم الانتخابية المضمون نجاحها، وتواترت آنذاك معلومات غير رسمية عن دفع ملايين من الجنيهات، على سبيل التبرع والدعم للحزب المرشح عنه لكي يصل العضو إلى مجلس النواب.

من سيعوض المقاعد الشاغرةمن سيعوض المقاعد الشاغرة

وترى دوائر سياسية أن تصاعد الحديث عن تكرار وقائع التوريث في البرلمان يعمق الفجوة بين المجلس ككيان رقابي والشارع المفترض أنه انتخب الأعضاء وفوّضهم لمواجهة أي خروقات قانونية أو فساد مالي وإداري، وبالتالي لا يجب أن يكون المجلس راعيا للتوريث الذي كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الشارع للثورة ضد نظام الرئيس الراحل حسني مبارك وتمسك بإسقاط حكمه بعد ظهور بوادر لتوريث الحكم لابنه جمال.

ويبرر أعضاء البرلمان توريث المقاعد النيابية بأنه قانوني وبعيد عن المجاملة، لأن نص المادة الخامسة والعشرين من قانون مجلس النواب يقول “إذا خلا مكان أحد الأعضاء المنتخبين بنظام القوائم حل محله أحد المرشحين الاحتياطيين وفق ترتيب الأسماء الاحتياطية من ذات صفة من خلا مكانه ليكمل العدد المقرر”، أي أن النائب هو من يختار من يحل مكانه ويضعه في قائمة الاحتياط.

ويرى معارضون للتوريث النيابي أن التعامل مع عضوية مجلس النواب على اعتبار أنها إرث عائلي يمثل إساءة للسلطة التشريعية ويحيطها بشبهات عديدة، لأن ما يحدث سواء أكان قانونيا أم لا ينسف الأعراف البرلمانية ويعيد تكرار سيناريوهات قديمة إبان فترة حكم مبارك عندما أصر على تحدي الشارع والتهاون مع غضبه من مسألة التوريث، وكانت نهايته على يد انتفاضة شعبية أسقطت نظامه بالكامل.

وأثار التحدي البرلماني موجة من الغضب والسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي التي تمثل بالنسبة إلى صناع القرار إحدى أدوات الحكم على توجهات الرأي العام، حيث انتقد كثيرون نجاح مجلس النواب في تطبيق التوريث الذي لم يستطع نظام مبارك تطبيقه، وكان من الصعب على أي نائب أن يورث المقعد لابنه أو ابنته تلقائيا، بل كانت تُجرى انتخابات جديدة في نفس الدائرة قد ينجح فيها الابن أو الابنة.

توريث المقاعد النيابة في مصر أعاد الحديث عن شبهات الرشاوى المالية التي تم دفعها من جانب بعض المرشحين في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الأخيرة

وأكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية بالقاهرة عمرو هاشم ربيع  أنه لا بديل عن إعادة النظر في التشريعات المرتبطة بمباشرة الحياة السياسية للقضاء على توريث المقاعد النيابية، بحيث يتم تحديد آلية منضبطة لنظام القوائم الانتخابية، طالما أن الوضع الحالي يساعد على توريث المقاعد وتصعيد الأبناء مكان الآباء بعد الوفاة، وهذا ينسف مبدأ تكافؤ الفرص ويُقصي أصحاب الكفاءات عن الترشح.

ويرى مراقبون أن استمرار العمل بنظام القائمة المطلقة أحد أسباب انتشار ظاهرة توريث عضوية البرلمان، فمن خلال قادة الأحزاب المشاركة في القائمة ربما تتم مجاملة البعض بترشيح الابن والابنة والشقيق والأقارب، ولا بديل عن إدخال هذه الإشكالية السياسية ضمن تشريعات خاصة بالمحور السياسي في الحوار الوطني المنتظر انطلاقه عمليا، كي لا تتكرر الأزمة في الانتخابات المقبلة.

وأضاف هاشم أن التوريث في العمل النيابي مسألة سلبية تحتاج إلى تدخل تشريعي يمنع القوى السياسية التي تعد القوائم الانتخابية من وجود علاقات قرابة داخل القائمة الواحدة حتى الدرجة الرابعة لمنع وجود شبهات أو مجاملات أو تربيطات تفضي إلى إسناد مهمة التمثيل البرلماني إلى شخصيات غير جديرة ولا مؤهلة للمهمة، وتكون هناك فرصة أمام الكيان التشريعي لتجديد الدماء.

وتكمن المعضلة في وجود وقائع توريث لنواب وهم على قيد الحياة، وليس بعد وفاتهم فقط، فهناك عائلة أبوشقة حيث يشغل بهاء أبوشقة منصب وكيل مجلس الشيوخ بعدما تم ترشيحه على القائمة عندما كان يشغل منصب رئيس حزب الوفد، بينما كانت ابنته أميرة مرشحة على قائمة انتخابات مجلس النواب، فأصبح الأب بمجلس الشيوخ، والابنة في مجلس النواب.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى