*تتصدر مدينة صنعاء قائمة تواجد وانتشار العصابات المتخصصة في ابتزاز النساء تليها عدن وإب
*تمكن فريق مبادرة شبابية من التعرف على أكثر من 2000 شخص يمارسون الابتزاز الإلكتروني
*تجاوز عدد حالات الابتزاز التي طلبت المساعدة 15 ألف حالة خلال أقل من ثلاث سنوات
*أكثر الفئات عرضة للابتزاز المراهقات ويسهل استدراجهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي
*تجريم المجتمع والأسرة للضحية شجّع العصابات والأشخاص على التمادي في ممارسة الابتزاز
***
لن يصدق الكثيرون أنه يمكن لشخص عثر على صورة (4*6) لفتاة استخدمتها لاستخراج بطاقة هوية من الأحوال المدنية، أن يستغلها ويبتزها، طالبا منها إرسال صور ومقاطع مصورة أخرى وهي متبرجة وعارية ويهددها بنشر صورتها، والتي بدورها استجابت لطلبه خوفا من معرفة أسرتها ليصل بها الأمر إلى محاولة الانتحار، لولا أنها حظيت بمساعدة من أشخاص بادروا بأشكال مختلفة للتصدي لعصابات ابتزاز النساء ومساعدة الضحايا.
وصلت التأثيرات السلبية للحرب الدائرة في اليمن إلى كل المستويات من الدولة حتى الأسرة. وأصابت طريقة التفكير لدى كثير من الأشخاص بمقتل. كما سلبت ضمير العديد من الناس الذين وصل بهم الحال من أجل إشباع رغباتهم المرضية أو الحصول على المال، إلى ابتزاز النساء والفتيات، بما ذلك زوجاتهم وقريباتهم والتهديد بنشر الصور والبيانات في الانترنت.
ويصنف الابتزاز، بأنه “التهديد بكشف معلومات معينة عن شخص، أو فعل شيء لتدمير الشخص المهدد، إن لم يقم الشخص المهدد بالاستجابة إلى بعض الطلبات”. وفقا لموسوعة ويكيبيديا. كما يعرف معجم اللغة العربية المعاصرة الابتزاز: بأنه “الحصول على المال أو المنافع من شخص تحت التَّهديد بفضح بعض أسراره أو غير ذلك”.
وزادت جرائم أو ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للنساء والفتيات في اليمن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا مع سهولة الوصول إلى المعلومات في ظل التطور التكنولوجي. حيث تمارس العديد من العصابات المنظمة أو الأشخاص بشكل منفرد، عمليات الابتزاز عبر استغلال صور الفتيات التي استطاعوا الوصول إليها من خلال الولوج إلى حساباتهن الشخصية أو عبر اختراق هواتفهن وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهن وغيرها من أساليب وطرق تمكنوا عبرها من الحصول على صور ومقاطع مصورة لحفلات نسائية جرى تبادلها بين الفتيات مع قريباتهن أو صديقاتهن.
بالتزامن مع ذلك، زادت وتيرة حملات التشويه والإساءة للنساء في السوشيال ميديا، من قبل البعض في محاولة لثنيهن عن النشاط العام.
وفي حين يجرم القانون اليمني أي أفعال كانت من شأنها إلحاق الضرر بالآخرين من قبيل التهديد والتشهير والسب وإساءة السمعة. إلا أن الأجهزة الأمنية في الغالب لا تتعامل مع قضايا ابتزاز النساء عبر الانترنت من هذا المنظور بسبب النظرة القاصرة المترسخة في أذهان المجتمع. الذي يلقي باللوم عادة على الضحية. باعتبار أن تواجد المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي عيبا.
ومع تزايد ظاهرة ابتزاز النساء عبر الإنترنت. ظهرت مبادرات فردية وأخرى جماعية من النشطاء الذين يملكون مهارات فنية وقدرات تقنية لتتبع حسابات الأشخاص والعصابات التي تمارس الابتزاز بالتطوع لمساعدة الضحايا في البداية عبر تنظيم حملات للإبلاغ عن المبتزين من أجل إغلاق حساباتهم وحذف الصور التي ينشروها في مواقع التواصل المختلفة.
مبادرات في مواجهة عصابات ابتزاز النساء
تتبعت “الشارع”، مسيرة إحدى تلك المبادرات التي بدأها مختار عبد المعز ورفاقه في مارس من العام 2020. المتخصص في حماية وأمن المعلومات، الذي صار يعمل حاليا مع وفريق كبير على فضح عصابات الابتزاز الإلكتروني ومساعدة الضحايا.
بدأ عبد المعز، العمل في هذا الجانب، في إطار ضيق لمساعدة المقربين والأصدقاء. ليتوسع منذ مطلع العام 2020، نشاطه في تقديم المساعدة لكثير من الفتيات والنساء اليمنيات في مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما ساهم في إيقاف عديد من الأشخاص والعصابات التي تمتهن ابتزاز واستغلال النساء.
انحصرت أعمال مختار في البداية، بإغلاق حسابات وصفحات الأشخاص الذين يمارسون عملية الابتزاز للنساء، عبر حملة منظمة للإبلاغ عن تلك الحسابات. لاقت استحسانا وتفاعلا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن العصابات المنظمة أيضا والأشخاص وسعوا أعمالهم وزادت حالات الابتزاز بشكل مضطرد بسبب ضعف المعرفة حول سبل تأمين الحسابات التي تمكنت العصابات من اختراقها. بالإضافة إلى زيادة عدد المنضمين لهذه الممارسات التي تحولت لظاهرة بارزة في الآونة الأخيرة.
وبالرغم من صعوبة حصر عدد قضايا الابتزاز التي تستغل النساء والفتيات في اليمن لعدم وجود مرصد يوثق ذلك. يقول الشاب عبد المعز لـ “الشارع”، إن “عدد قضايا الابتزاز التي طلبت منه وفريقه المساعدة تجاوزت 15 ألف حالة ابتزاز تقريبا، خلال أقل من ثلاث سنوات”. أي بمعدل 535 حالة ابتزاز شهريا.
هذا العدد هو نموذج مصغر، يصل لفريق واحد من العاملين في مساعدة النساء والفتيات اللاتي يتعرضن للاستغلال والابتزاز. وكم هي الحالات التي لم تتمكن من الحصول على المساعدة. لأن معظم الفتيات في الغالب يرفضن الإبلاغ عن تعرضهن للابتزاز، لعدد من الأسباب بينها الخوف من الفضيحة والنظرة السلبية من المجتمع تجاه مثل هذه القضايا المتعلقة بالمرأة. بالإضافة إلى عدم وجود إدارة أمنية حكومية متخصصة بمكافحة هذه الظاهرة أو جرائم الابتزاز. وعدم ثقة النساء والمجتمع بالأجهزة الأمنية والقضائية القائمة.
ويضيف عبد المعز، “في الفترة الأخيرة تصل لنا يوميا في حدود 25 إلى 30 حالة من قضايا الابتزاز”. وهو ما يعني (750 إلى 900 حالة شهريا).
ورغم التهديدات والمضايقات التي تعرض ويتعرض لها مختار وفريقه من قبل العصابات وبعض الأشخاص المبتزين للنساء. التي بلغت حد التلويح بإمكانية “القتل والتصفية” مرورا بمحاولات اختراق حساباتهم. إلا أن الفريق استمر في مساعدة الضحايا.
300 متطوع في مواجهة مع العصابات
ويعمل حاليا، مع عبد المعز، فريق منظم ومتكامل من المتخصصين في السوشيال ميديا وأطباء نفسيين لتقديم الدعم لضحايا الابتزاز ومحامين وفنيين وتقنيين بالإضافة إلى ضباط وأفراد أمن متعاونين. ويتكون الفريق من حوالي 300 إلى 400 شخص تقريبا جميعهم متطوعون في هذا العمل.
ويقول عبد المعز، إن عدد الضحايا اللاتي تواصلن معه وفريقه منذ التدشين، كبير جدا. ولا يستطيع حصره بسبب عدم العمل على أرشفة ذلك. فيما يبدو خوفا من الوصول إلى بيانات الضحايا.
وقدّر عبد المعز، عدد الضحايا اللاتي استطاع الفريق مساعدتهن بأكثر من عشرة آلاف حالة من النساء فقط. من الـ 15 ألف حالة التي طلبت المساعدة.
أرجع عدم قدرة الفريق، على مساعدة البقية إلى عوامل عديدة. بينها الأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد بفعل الحرب وتأثيراتها السلبية على أجهزة الأمن في المحافظات المختلفة. بالإضافة إلى الانقسام بين السلطات.
وأضاف: “لم نتمكن من حل مشاكل الجميع لعدد من الأسباب والعوامل منها ما يمكن أن نسميه الشرخ الأمني الواقع بين الشمال والجنوب أولا. وما بين الشرعية وسلطة صنعاء الحوثيين ثانيا، التي مثلت أبرز العوائق لنا. والتي لم نتمكن بسببها من معالجة جميع قضايا الابتزاز التي وصلتنا”.
وتختلف نوعية المساعدة المقدمة للضحايا وفقا لطبيعة كل حالة ومدى تفهم الأسرة. حيث يتخذ الفريق الإجراءات ضد المبتزين بحسب القضية. تبدأ بإزالة حسابات الأشخاص الذين اخترقوا حسابات الضحايا أو نشروا صور ومقاطع لهن في الانترنت مع حذف الصور. أو بتقديم بلاغات عبر الأجهزة الأمنية وأخذ تعهدات من بعضهم. كما يلجأ الفريق إلى حل بعض القضايا قبليا عبر وجهاء وشخصيات اجتماعية وصولا إلى القضاء.
وعن عدد الأشخاص والعصابات التي تعمل في مجال ابتزاز الفتيات. قال عبد المعز، إن الفريق “تمكن من التعرف على أكثر من 2000 شخص”. كما نشر الفريق بعض صور الأشخاص المبتزين على مواقع التواصل الاجتماعي. ويطلبون من الناشطين التعرف عليهم في محاولة لردعهم عن هذه الممارسات.
صنعاء تتصدر قائمة العصابات وتعز أكثر تعاونا
وتعد مدينة عدن، وفقا لعبد المعز، أكثر المدن اليمنية التي حدثت فيها ضحايا الابتزاز للنساء والفتيات. تليها محافظة إب، ثم صنعاء، وتعز التي قال إنها كانت تفوق صنعاء في المرحلة السابقة.
أما بالنسبة لتواجد الأشخاص والعصابات المتخصصة في ابتزاز النساء. فتتصدر صنعاء القائمة، تليها عدن، وإب. فيما تتوزع نسبة قليلة من العصابات في بقية المحافظات. بحسب عبد المعز. وهذا يشير إلى أن مليشيا الحوثي تمثل حاضنة كبيرة لمثل تلك الظواهر السلبية والعصابات.
وعن تعاون الأجهزة الأمنية، مع الفريق، اعتبر عبد المعز، تعز نموذجا جيدا للتعاون في هذا الجانب. حيث انحسرت حالات استغلال الفتيات فيها مؤخرا. بعد أن كانت مرتفعة في الفترات الماضي. على حد قوله.
ويضيف: “بالنسبة لمدينة تعز تحظى قضايا الابتزاز بتعامل إيجابي من قبل أجهزة الأمن وتعاملهم معنا سلس جدا. والبحث الجنائي لا يقصر مع بلاغاتنا أوفي تقديم التسهيلات للنساء اللاتي يتعرضن للابتزاز”.
ويشكو عبد المعز، من عدم تفاعل الأجهزة الأمنية في العاصمة عدن، مع قضايا وحالات الابتزاز. ويقول: “في عدن لا يتم التجاوب بشكل جيد مع بلاغاتنا، أو مع الضحايا”.
ويتابع: “في نساء متضررات يروحين (يذهبن) إلى أقسام الشرطة والبحث الجنائي للإبلاغ عن حالات ابتزاز. ونكون قد جمعنا الأدلة وكشفنا هوية الشخص وقدمنا الاثباتات، لكن لا يتم ضبطهم. وهذه واحدة من المشاكل التي نواجهها في مدينة عدن”.
ويوضح، “لا يتم التفاعل من قبل السلطات الأمنية في عدن مع هذه القضايا إلا اذا طلعت “ترند” (حظيت برواج كبير) في مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويشير، إلى أنه في الفترة الحالية، حظيت بلاغات الفريق حول قضايا الابتزاز في مدينة صنعاء بتعاون نسبي من قبل الأجهزة الأمنية. حيث ضُبط عدد من المبتزين.
أما في محافظة إب، فيقول عبد المعز، “رغم كثرة قضايا الابتزاز فيها. إلا أن الأجهزة الأمنية لا تضبط المبتزين ولا تتعامل مع البلاغات المقدمة إليها بشكل جيد. لذلك نحن في إب نعمل على حل هذه القضايا عادة بشكل قبلي بسبب تسيب الأجهزة الأمنية وعدم استقبالهم للبلاغات”.
المراهقات أكثر عرضة والمال هدف الابتزاز
وبالنسبة للفئات العمرية من النساء التي تتعرض للابتزاز من قبل العصابات. يكشف عن أن المراهقات أكثر الفئات المتضررة وعرضة للابتزاز. خصوصا اللائي تتوسط أعمارهن ما بين 12 إلى 17 سنة. وذلك لسهولة استدراجهن بقصص الحب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أو من خلال الروابط الوهمية التي لا تعي الفتيات حديثات السن بمخاطرها. ثم تأتي فئة الفتيات ما بين 18 إلى 30 عاما في المرتبة الثانية من الفئات المتضررة. وثالثا فئة النساء بين 30 و40 عاما.
وتبلغ نسبة الضحايا التي تمكنت العصابات من إغوائهن من خلال الارتباط بعلاقات عاطفية، 65 بالمئة، من القضايا التي وصلت لفريق عبد المعز. فيما تبلغ نسبة اختراق حسابات الضحايا، إلى 35 بالمئة. بيد أنه يشير إلى أن قضايا اختراق الحسابات انخفضت مؤخرا. بسبب فعالية حملة التوعية حول طرق تأمين الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول، إن “غالبية قضايا الارتباط العاطفي تعود غالبا لأوقات سابقة. إذ أن بعض الاشخاص المبتزين، كانوا مرتبطين بعلاقات عاطفية مع فتيات وقطعت منذ فترة طويلة تصل إلى عشرة أعوام في بعض الحالات. غير أنه في ظل الحرب التي نعيشها وما خلفته، يتذكر بعض الأشخاص تلك العلاقات فيبحثون عن ضحاياهم من النساء. ليكتشفوا مثلا أنها متزوجة ولديها أطفال وهو ما يزال محتفظ بصورتها فيحاول ابتزازها”.
وتتمثل أبرز مطالب المبتزين الرئيسية للفتيات والنساء، عند التواصل مع الضحايا أولا بطلب المال. حيث تعتبر عصابات الابتزاز أو الأشخاص المحترفين لهذه المهنة، بعد عمليات إغواء الفتيات أو اختراق حساباتهن واقتناء صورهن وبعض البيانات والمعلومات الخاصة، بأنهم قد نالوا صيدا ثمينا وتمكنوا من الحصول على مصدر للرزق. وأنه لا مناص للضحايا إلا تلبية طلباتهم المالية المتكررة.
وتأتي في الدرجة الثانية من مطالب العصابات، تلبية الرغبات المريضة، سواءً جنسية أو غيرها. والضحايا اللاتي لا يمتلكن أموالا يكن أكثر عرضة لهذا النوع من الابتزاز. وفي حال رفض تلبية رغباتهم، تهدد الضحية بنشر صورها التي تمكنوا من الوصول إليها.
ويسرد عبد المعز، بعضا مما تصلهم من الحالات بالقول: “هناك أشخاص لديهم شذوذ وهوس جنسي فيطلبوا من الفتيات مقابل عدم نشر صورهن تصوير أهاليهن وصديقاتهن. أو يطلبوا منهن تصوير أنفسهن وهن عاريات. وبعضهم لديهم طلبات غريبة مثل أن يطلب منها الذهاب إلى منازل ومحلات الأعراس أو صالات الزفاف لكي يصورن الفتيات والبنات ويرسلن لهم بصورهن. وبعض الفتيات لكي تستر نفسها تبدي استعداها لعمل أي شيء حتى لو تفضح كل بنات اليمن. وهي تكون تحت الضغط من قبل الأشخاص والعصابات”.
ويستطرد: “هناك حالات وقضايا وصلتنا حيث إن الفتاة لا تعرف من الذي صورها. تكون جالسة في صالة أفراح أو في حفلة مع صديقاتها وفجأة تشوف صورها عبر الانترنت ولا تدري من قام بتصويرها. لتكتشف بعد ذلك أن من قامت بتصويرها إحدى زميلاتها التي تعمل مع العصابات أو طُلب منها تصوير صديقاتها. أو تكون إحدى الفتيات ممن تعرضن للابتزاز وأجبرت على العمل مع العصابة”.
تحويل الضحايا إلى جزء من عصابات الابتزاز للنساء
ولا تقف عصابات الابتزاز عند حد معين من هذه الممارسات الدنيئة. حيث توظف هذه العصابات بعض الفتيات اللاتي لا يستطعن دفع مبالغ مالية، بالعمل في مهام أخرى منها استلام الحوالات مالية المرسلة من الضحايا.
وحتى لا يمكن تعقب الأشخاص المبتزين أو العصابات عبر الحوالات المالية تطلب العصابات من الفتيات إرسال الأموال بأسماء نساء أجبرن على العمل العصابات. وبعد استلام الحوالة تعيد تحويلها باسم أحد أفراد العصابة.
ويقول عبد المعز، “بذلك يكونوا قد ورطوا البنات بهذه القضايا حتى لا يظهر اسمهم في الحوالة المرسلة من الضحية كي لا تقوم بالإبلاغ عنهم. وهذا جزء من أساليب عصابات الابتزاز”.
تحميل الضحايا المسؤولية
ويعزو، كثير من قضايا تجنيد الفتيات مع عصابات الابتزاز، إلى “عدم تفهم المجتمع والأسر لبناتهم، وهي ثغرة يستخدمها المبتزون للإيقاع بهن، لأنهم مدركين أن المجتمع والأسرة تحمل الضحية المسؤولية ولا تتعاطى بمسؤولية مع هذه القضايا. وهو ما يجعل كثير من الفتيات يخضعن للعصابات ويلبين ما يطلب منهن، خوفا من معرفة الأسرة والأهل بالأمر، لذلك يعمل الفريق على مساعدة كثير من الضحايا دون معرفة الأهل”.
غير أن هناك مشكلة تواجه الفريق، في مساعدة الضحايا خصوصا إذا تطلب ذلك اللجوء للأجهزة الأمنية التي تشترط في الغالب حضور أهالي الضحية عند تسجيل البلاغ. وفي هذا الخصوص يوضح عبد المعز، أن “غالبية أسر الضحايا للأسف غير متفهمة لموضوع الابتزاز، خصوصا وأننا في مجتمع يمكن القول عنه أنه ظالم كثيرا بما يتعلق بمسائل وقضايا النساء والشرف. أحيانا يقتلوا بنت بريئة وعندنا نحن في الفريق هناك ضحية قتلت”.
كما يحكي جزء من تفاصيل حالة وصلت الفريق، حيث يقول: “في إب حصل أن شخصا ابتز فتاة بصورة عادية حق البطاقة الشخصية بخلفية بيضاء لكن لأن أهلها متشددين، ويركزوا على اللثام والحجاب وهذه الأمور، فرفضت الفتاة الحديث عن الموضوع مع أسرتها وأجبرها المبتز تشلح حاجة- حاجة (تخلع ملابسها) وتصور نفسها في كل مرة لترسل له صورها وهي عارية وفي كل مرة يطلب أن تكون الصورة أكثر عريا من التي قبلها ويهددها بأنه إذا لم ترسل ما يطلب سينشر صورها حتى وصل بها الأمر أن تتصور وهي عارية وفي الأخير كانت ستنتحر”.
ويُبيّن، أن “هذا التعامل من قبل الأسرة والمجتمع مع قضايا ابتزاز الفتيات، يمثل دعما كبيرا للعصابات والأشخاص المبتزين”.
ويضيف، أن “المجتمع هو الداعم الأول لهذه العصابات والبيئة الخصبة لقضايا الابتزاز، لأنه إذا نشرت صورة بنت قالوا تستاهل من قال لها تتصور، حتى لو كانت الصورة عادية وغير فاضحة، فإن المجتمع يقوم بتجريم الضحية وهذا الشيء يشجع العصابات كثيرا”.
وبحسب عبد المعز، فإنه في ظل تجريم المجتمع لضحايا الابتزاز، وعدم ضبط الجهات الأمنية للمبتزين، جعل التعامل مع هذه القضايا أصعب مما ينبغي. حيث أن بعض المحافظات ترفض الأجهزة الأمنية استلام البلاغات المتعلقة بقضايا الابتزاز وتعتبر هذه الأجهزة، الفتاة مخطئة وعليها أن تتحمل النتيجة.
ابتزها لتقدم استقالتها من العمل
وتروي لـ للشارع واحدة من الضحايا، تجربتها مع الابتزاز الإلكتروني، الذي مارسه عليها زميلا لها في العمل، وكيف كان أثره على حياتها. سيتم نشر قصتها كاملة لاحقا.
وتقول سارة، (اسم مستعار)، إن “زميلها بدأ بممارسة الابتزاز بكتابة منشور على صفحة باسم وهمي على فيسبوك، وشاركه مع عدد من زملائي وأصدقائي. ووصفني بأوصاف مسيئة، قبل أن يلجأ إلى التواصل معي عبر الماسنجر، ليهددني بأن في حوزته صورا وتسجيلات خاصة بي، طالبا مني مبلغا ماليا وتقديم استقالتي من العمل”.
وتضيف، إنها “في البداية أصيبت بالانهيار عندما قرأت المنشور، قبل أن يتصل بي الكثير من زملائي لتقديم الدعم النفسي ويطمئنوني بالوقوف معي في وجه أي محاولات ابتزاز”.
وتوضح، أنها “استشارت أحد الأشخاص الذين تثق بهم كثيرا للتعامل مع المشكلة، وبدوره قدم لها مساعدة مهمة للوصول إلى الشخص الذي حاول ابتزازها حتى تمكنت من اكتشافه وفضحه في مكان العمل”.
وتذكر، أنه بالرغم من ذلك، لم تلق الإنصاف من الجهة التي تعمل لديها وهو ما أصابها بالإحباط وتسبب لها بندبة، حسب تعبيرها.
وتشير، إلى دخولها في حالة نفسية عصيبة، نتيجة لذلك، توقفت على إثرها عن الذهاب للعمل، وما زالت تحاول التعافي من الابتزاز الذي تعرضت له.
الابتزاز في نظر القانون
تقول المحامية والناشطة ياسمين الصبري، إن “المشرع اليمني اعتبر أي انتهاك لخصوصية المواطن بشكل عام، جريمة يعاقب عليها القانون، وأدرجها ضمن الجرائم التي لا تسقط بالتقادم. وهو ما يعني أن للضحية التي تتعرض لهذا الانتهاك الحق في مقاضاة المنتهك أو المتسبب بالانتهاك. وملاحقته جنائيا في أي وقت، ولا تخضع للمدد القانونية المحددة لرفع الدعوى”.
وتوضح، أن “الحياة الخاصة للإنسان كحق إنساني حُفت بالحماية القانونية”.
وتضيف: أن “قانون الجرائم والعقوبات اليمني، تطرق لهذا النوع من الجرائم بصورته العامة. حيث تقر المادة (254) على المعاقبة بالحبس لا تزيد على سنة لكل من هدّد غيره بأي وسيلة سواء أكان التهديد بارتكاب جريمة أو بالقيام بفعل ضار يقع على المجني عليه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، وكان من شأن هذا التهديد أن يحدث فزعاً وخوفا لدى الضحية”.
وتتابع: “أي اعتداءات تنتهك حرمة الحياة الخاصة تكون عقوبتها الحبس بما لا يزيد عن العام أو بالغرامة. ويتمثل هذا الانتهاك، بأفعال استراق السمع أو التسجيل أو النقل بأي نوع من أنواع الأجهزة محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف أو صورة شخص في مكان خاص بدون رضا المجني عليه”.
كما، أن قانون العقوبات اليمني، وفقا للمحامية الصبري، “فرق بين ما يقع من هذه الأفعال، وهي إثارة الخوف والفزع لدى الضحية، فإذا كان الهدف من إحداث هذا الخوف والفزع المساس بجسد الضحية سواء بارتكاب جريمة أو إجباره على ارتكابها أو التحريض على أفعال الفجور، وغيرها من الجرائم فهنا يُعد من قبيل الإكراه والتهديد. وتكون هنا العقوبة السجن ما بين السنة إلى 15 سنة تختلف تشديدا باختلاف طبيعة وظروف المجني عليه وعمره وكذا الجاني وقربه من المجني عليه”.
وتقول: “إذا كان الهدف من هذا التهديد هو حمل الضحية أو المجني عليه على دفع مبالغ مالية، أو سندات قانونية أو التوقيع والإمضاء على أوراق لتحويلها لسندات قانونية، فهذا ما يعرفه القانون بالابتزاز. وتصل عقوبته لما لا يزيد عن خمس سنوات سجن أو غرامة”.
كما تشير الصبري، إلى عدم وجود تناسب بين الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة في القانون اليمني.
وتضيف: “نجد أن الجريمة في أغلب أحوالها غير جسيمة وتتراوح العقوبة بالسجن المقررة بين السنة وثلاث سنوات أو المعاقبة بدفع غرامة مالية. إلا أن هذه الجرائم ولا سيما في مجتمع كمجتمعنا اليمني يحمل الفتاة المسئولية الكاملة من منطلق العيب الاجتماعي خصوصا في ظل تكريس الخوف وعدم الثقة بالمرأة في داخل الأسرة نفسها. بالتالي فإن حياة الضحية تصبح في خطر حقيقي، هذا إن نجت من اتهامها بارتكاب جريمة الفعل الفاضح الذي يمثل عصا الانتهاك القانوني المسلط على رقاب النساء”.
وترى، أنه من أجل التخفيف من وطأة النتائج الكارثية على النساء التي قد تنتج من جرائم التهديد بإذاعة الأسرار الخاصة وجرائم الابتزاز، فإنه “ينبغي العمل على تعزيز بناء الثقة بين الأسر وبناتها أولا، وحمايتهن من تلك الانتهاكات وخلق شعور الأمان لديهن. بعدها يأتي وضع قوانين تشدد من العقوبة على جرائم ابتزاز النساء في كل المستويات والمجالات”.
متابعات