بقلم/ شيماء المرزوقي
من ضمن متطلبات عصرنا، بل واحدة من أهم خصائصه التسارع، حتى سُمي عن جدارة بعصر السرعة. والسبب، كما هو واضح، التقنيات الحديثة التي اختصرت كل شيء، فالمهام التي كانت سابقاً يتطلب إنجازها بضعة أيام، الآن تنتهي في بضع دقائق، والأشغال التي كنت تسير لها وتعمل على إنجازها وتستهلك الوقت والجهد، باتت تنجز بضغطة زر صغير على هاتفك الذكي.
تبعاً لمثل هذه الحالة، تطورت آلية القراءة، وباتت لها وتيرة أسرع، وهذا بديهي بسبب الكم الهائل من المعلومات التي تصلنا بشكل كثيف على أجهزتنا المحمولة، ومعها ظهرت الحاجة للقراءة السريعة لحد عدم الفهم، وهذه الآلية تتنافى مع أسس القراءة نفسها التي تتطلب الحضور الذهني والتروي، والتمهل. ومن هنا يظهر السؤال، هل ما زالت للقراءة العميقة مكانتها في حياتنا المعاصرة، أم الواقع أظهر تقنيات التصفح السريع للمحتوى، وقراءة المقتطفات؟
لا شك أن حياتنا الرقمية أظهرت لنا مفهوماً جديداً وهو القراءة الرقمية، التي لها إيقاع مختلف، تميل خلاله العين لكل ما هو مختصر، ومعها يتعود العقل على تلك المعلومات الخفيفة السريعة. المقالات الطويلة يتم تجاهلها، والكتب نبحث على مختصرات لها، وتتضح مثل هذه الحالة في مجال الروايات التي نرى أنها تلخص في مقاطع فيديو قصيرة.
وكما قال نيكولاس كار، مؤلف كتاب «السطحيون: ما الذي يفعله الإنترنت بعقولنا؟»: «العقل الهادئ، المركز، غير المشتت، بات يزاح جانب لمصلحة نوع جديد من العقول، يسعى ويحتاج إلى تلقي وتوزيع المعلومات في دفعات قصيرة، متقطعة، وغالباً متداخلة، وكلما كانت أسرع، كان ذلك أفضل».
دراسة أجراها مركز Microsoft Research عام 2015، خلصت إلى أن: «متوسط انتباه الإنسان انخفض من 12 ثانية في عام 2000 إلى 8 ثوانٍ فقط في 2013، أي أقل من فترة انتباه سمكة ذهبية!». ولكم تخيل الواقع الآن في عام 2025. (للاطلاع على الدراسة كاملة: https:// l. motamem. orgy microsoft- attention- spans- research- report pd).
في مثل هذه الحالة، لا يكمن الحل في رفض التطور ولا العصر الذي نعيشه ومتطلباته، بل يكمن في التوازن، وأن يدرك كل واحد منا أثر القراءة المتأنية في المعرفة المتحصلة، وفي مكانة العقل وقوته، ولعل هذا الجانب عند العناية به، يميزنا ويجعلنا في حالة ذهنية أقوى من الآخرين.
متابعات