قبل ثمانية أعوام دفعت بها الأوضاع الصعبة في قطاع غزة إلى الهجرة برفقة عائلتها إلى السويد، لتبدأ رحلة حياة جديدة شقت خلالها تمام ابو حميدان طريقها بجهد ومثابرة، لتكمل دراسة اللغة السويدية في وقت قياسي وتنخرط في سوق العمل وتتسلق المناصب والرتب الوظيفية. ولاعتبار السياسة جزءا من حياة أي فلسطيني سواء في الداخل أو الشتات والمهجر، فقد انخرطت تمام في العمل السياسة من خلال انضمامها إلى صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أكبر الأحزاب السويدية والحزب الحاكم لحد الآن، فتدرجت باجتهادها في صفوف الحزب حتى رشحت لعضوية المجلس البلدي في مدينة أولفستروم التي تعيش فيها جنوب السويد ثم الفوز بالمنصب، بل انتخبت لرئاسة المجلس، لتعتلي اليوم منصب رئيسة المجلس البلدي ومرشحة كذلك في أعلى قائمة حزبها لعضوية البرلمان السويدي.
وفي ما يأتي نص الحوار.
○ ماذا يعني وصول امرأة من أصول فلسطينية إلى منصب رئيسة بلدية في السويد ومرشحة للبرلمان أيضا على رأس قائمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم؟
• بالنسبة لوجود أي إنسان سواء كان فلسطينيا أو عربيا، امرأة أو رجلا في مركز صنع القرار، في بلدية أو مقاطعة مهم جدا، كعامل معنوي أولا، حيث وعلى سبيل المثال ان هذه البلدية أولفستروم، التي أعمل فيها فإن ثاني أكبر حزب فيها هو حزب «ديمقراطيو السويد» المعروف بعدائه للمهاجرين، وان البلدية المجاورة لنا سلفسبوري، هي منبع هذا الحزب، وفي الوضع الذي نحن فيه فإن المناخ يتجه نحو اليمين في ظل الصورة النمطية للمهاجرين المرتبطة اليوم في السويد بالكثير من الأمور السلبية، فأن وجود مهاجرين في مراكز صنع القرار هو أمر إيجابي يمكن من دحض هذه الصورة.
○ كيف تقيمين حال المهاجرين أو المواطنين من أصول مهاجرة في السويد اليوم؟
• لا أرى صورة سوداء لحال المهاجرين في بلد مؤسسات وقانون يحمي الجميع مثل السويد، بل على العكس فهناك العديد من النقاط الإيجابية التي لا نركز عليها، مثلا ان عملية دخول المهاجرين الجدد إلى سوق العمل هي أسرع اليوم مما كانت عليه سابقا مع المهاجرين القدامى، ومجرد ان نعرف ان بحدود 35 في المئة من الأطباء في البلاد هم من أصول مهاجرة وتحديدا من الشرق الأوسط، وان هناك أعدادا كبيرة أخرى تعمل في مجال رعاية المسنين، وحتى في مجال الصناعات، سنرى أهمية وجود الأصول المهاجرة، وهذا أمر إيجابي ومهم للغاية لتسريع عملية الاندماج داخل المجتمع وعدم خلق مجتمعات صغيرة داخل المجتمع الأم. ولكن السلبي في الموضوع هو ان حزبا كبيرا اليوم يعد ثالث أكبر الأحزاب «ديمقراطيو السويد» يرى في أجنداته ان المهاجرين قد جلبوا الكثير من السلبيات معهم إلى هذا البلد، والمشكلة ان هذه الصورة تعمم كثيرا، بالإضافة إلى اننا لا ننكر بان نسبة كبيرة من المهاجرين دخلوا السويد خلال السنوات الأخيرة وان عملية الاندماج بالمجتمع السويدي كانت له تحديات كبيرة ونستطيع ان نقول انها لم تكن ناجحة، لان هناك أماكن تسمى المناطق الضعيفة أي فيها نسبة كبيرة من اللاجئين نسبة البطالة فيها مرتفعة جدا وان من بينهم أناس ولدوا في السويد غير انهم إلى الآن لا يتقنون لغة البلد، لذا نقول نعم هناك تحديات لكن الصورة غير قاتمة.
○ لماذا نرى ونسمع نبرة اليمين المتطرف تعلو يوما بعد آخر في السويد، وبطبيعة الحال هذه النبرة لا تصب في مصلحة المهاجرين؟
• نعم ان اليمين المتطرف يكسب شعبية داخل المجتمع السويدي وان حزبه «ديمقراطيو السويد» أصبح كبيرا وهو موجود من سنوات عدة، ولذلك أسباب يجب ان نعترف بها، مثلا مشكلة الأمن والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات التي تتركز في مناطق فيها نسبة أكبر للاجئين، وكذلك سبب آخر هو ان ترى أبناء الجيل الثاني من المهاجرين قد ولد وتربى في السويد لكن لم تتح له الفرصة ان يكون جزءا من هذا المجتمع بل أخذ طريقا آخر، وكذلك يجب ان نعترف أيضا ان الأجانب ومنهم اللاجئون لم يتم استقطابهم بشكل جيد للاندماج في المجتمع، كل هذه الأسباب خلقت حالة من عدم الرضى وفقدان الثقة من قبل المجتمع بسياسة الأحزاب الحاكمة منذ سنوات فيما يخص المهاجرين، وفي المقابل تصب هذه الحالة في مصلحة الحزب اليميني المتطرف «ديمقراطيو السويد» الذي يرى ان المهاجرين هم السبب في وجود تلك السلبيات.
ويجب ان نعلم بان حزب «ديمقراطيو السويد» عنصري ولكن ليس كل من ينتخبه ويعطيه صوته عنصري أيضا، ولكن يتم ذلك بسبب حالة من الاستياء من الأحزاب الكبيرة الأخرى. كما ان علينا العمل على إظهار الجانب المشرق من حياة المهاجرين من قصص نجاحهم وحالات الاندماج الإيجابية للكثير منهم.
○ ما حقيقة ان السويد قد تخلت عن الكثير من مبادئها الإنسانية المعروفة بها منذ سنوات طويلة، خاصة فيما يخص التعاطي مع المهاجرين إليها من أصول مسلمة؟
• لا أعتقد ان السويد قد تخلت عن مبادئها الإنسانية مقارنة ببلدان الجوار كالنرويج والدنمارك، حيث ان الأحزاب اليمينية حكمت بلادهم منذ سنوات، وفي السويد حتى الآن لم تتمكن الأحزاب اليمينية المتطرفة من الوصول إلى سدة الحكم. والسويد ما زالت تستقبل اللاجئين وإن بأعداد أقل من السابق، حيث على دول الاتحاد الأوروبي ان تتحمل جزءا منهم وليس فقط السويد وألمانيا على سبيل المثال كما هو حاصل، فأعباء اللاجئين تداعياتها كبيرة على المجتمع، وعليه فإنني أرى أن السويد لم تتخل عن مبادئها الإنسانية لكنها متأثرة بالمناخ اليميني الذي يجتاح عموم الدول في أوروبا.
○ هل هناك مخاوف حقيقية من صعود اليمين المتطرف في السويد إلى الحكم في الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل كما يشاع؟ وما تداعيات ذلك على الوضع العام للسويد وللمهاجرين بشكل خاص؟
• لا أعتقد ان هناك مخاوف من صعود اليمين المتطرف إلى الحكم في انتخابات أيلول/سبتمبر المقبل، والذي نراه اليوم ان هناك دعما لرئيسة الوزراء ماجدلينا اندرشون، وان هناك دعما كبيرا اليوم للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم.
ولو افترضنا جدلا ان في الطرف الآخر احتمالية تشكيل حكومة يمينية بقيادة حزب المحافظين فإن ذلك غير ممكن لأنهم لا يملكون النصاب القانوني أو الأغلبية لتشكيل الحكومة، وسيكون عليهم الحصول على دعم حزب «ديمقراطيو السويد» وهذا أراه أمرا خطيرا، ولا أتمناه.
○ ما مدى حظوظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم الذي تنتمين إليه في الفوز مرة أخرى بالانتخابات المقبلة؟ وإذا افترضنا فوزه، فما مكاسب بقائه في الحكم بالنسبة للسويد وكذلك للمهاجرين؟
• حظوظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم كبيرة بالفوز في الانتخابات المقبلة، وحظ ماجدلينا اندرشون كبير في تشكيل الحكومة المقبلة أيضا، أما بشأن ما ينتظر المهاجرين من نتائج هذه الانتخابات، فنعم هناك تحديات ومشاكل وعلينا ان نواجهها سوية، وأقصد مع بعض كشعب واحد وليس كأقلية مهاجرة مع مواطنين أصليين للبلد، وانما من منطلق ان الجميع هم مواطنون بلا تفرقة وهذا من مبادئ الحزب الذي أنتمي إليه وهو الحاكم اليوم.
○ انشغل الرأي العام المحلي وحتى العالمي مؤخرا بمسألة انضمام السويد إلى حلف الناتو وفعلا تم الطلب رسميا وتم القبول أيضا، غير ان تركيا وقفت ضد الانضمام بشروطها التي وافقت عليها السويد في اتفاقية مدريد، السؤال بشقين الأول هل لا تزال المخاوف سارية من أي خطر روسي على السويد؟ الشق الثاني هل ستفي السويد بشروط تركيا وأهمها تسليمها قائمة من المطلوبين لأنقرة؟ وما تداعيات ذلك؟
• هذا الموضوع معقد وشائك، والحزب الاشتراكي الديمقراطي كان اتخذ قرارا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، لكن بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتغير الوضع في المنطقة فإن السويد اضطرت إلى طلب الانضمام للناتو لأسباب منها، ان دول الجوار مثل النرويج والدنمارك هي ضمن الحلف، وان للسويد مع فنلندا اتفاقيات تعاون مشتركة أيضا، ففي حال انضمام فنلندا للحلف ذلك يعني بقاء السويد لوحدها ضمن دول الشمال الأوروبي خارج الناتو ما يضعف موقفها، والسويد كدولة صغيرة يصعب عليها حماية حدودها، لذا كانت مضطرة لطلب الانضمام للناتو، وفي الوقت نفسه فلا أعتقد ان هناك خطرا روسيا حقيقيا يهدد السويد، أما فيما يخص اتفاقية السويد مع تركيا فإن الموضوع شائك وليس لدي أي تعليق عليه.
○ ما حقيقة وجود لوبي إسرائيلي قوي في السويد يؤثر بشكل واضح على الرأي العام المحلي وعلى نهج الأحزاب الموجودة باتجاه تأييد إسرائيل؟ وما موقفكم في الحزب الحاكم من العدوان الإسرائيلي على غزة؟
• من الواضح جدا اليوم ان الأحزاب اليمينية في السويد تدعم إسرائيل، والأحزاب اليسارية تدعم الطرف الفلسطيني، وهذا يظهر جليا في جلسات البرلمان عند التصويت لقرار ما متعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو تخصيص دعم مالي للشعب الفلسطيني أو مناقشة أي عدوان على شعبنا الفلسطيني ان كان في غزة أو الضفة الغربية أو داخل الأراضي المحتلة.
○ ما يمكنك فعله من أجل فلسطين وانت اليوم ضمن أكبر وأعرق الأحزاب السويدية؟
• سواء كنت في البلدية أو البرلمان، سأحاول دائما إيصال صوت الشعب الفلسطيني ورفع الظلم عنه، لأنني اؤمن بعدالة قضيته وحقه في إقامة دولته المستقلة.
○ شهدنا قبل عدة أشهر أزمة العوائل المهاجرة وخاصة العربية والمسلمة في السويد مع دائرة الرعاية الاجتماعية السوسيال، حول مسألة سحب الأطفال منها من قبل السوسيال، انتم في الحزب الحاكم كيف تنظرون إلى هذه القضية؟ وهل هي مستمرة إلى اليوم؟ وهل لديكم حلول حقيقية لهذه الأزمة سواء كرئيسة لبلدية أو الحكومة التي تمثلكم؟
• هذه المشكلة واضحة جدا، هناك شيء يسمى تصادم الثقافات، يعني ان هناك أناسا وفدوا إلى هذا المجتمع من مجتمعات وبيئات أخرى تماماً، وصعب عليهم ان يفهموا القوانين في السويد خلال فترة قليلة من عيشهم فيها، وان مخاوف هذه العوائل من السوسيال هي نتيجة لعدم المعرفة بتلك القوانين.
الحكومة بدورها ونتيجة لهذه الأزمة فتحت تحقيقا في الأخطاء التي وقعت فيها السوسيال وكذلك كيفية التعامل مع الأطفال المسحوبين من أهاليهم بشكل أفضل. ولكون دائرة الرعاية الاجتماعية أو السوسيال تابعة للبلدياتن لذا نرى ان الكثير من البلديات تعمل اليوم على هذا الموضوع بطرق وقائية، أي العمل على عدم الوصول إلى ما وصلنا إليه سابقا في هذا الأمر، وذلك عن طريق فتح دورات تثقيفية في مدارس تعليم اللغة السويدية للوافدين عن قوانين الرعاية الاجتماعية وكيفية التعامل مع الأبناءن وما هي المخالفات التي يقع فيها الأهالي بدون ادراك في أسلوب تربيتهم لأطفالهم وما هي الحالات التي تتدخل فيها السوسيال لسحب أطفالهم. في النهاية سحب الطفل من أهله لن يخدم أية جهة، وان أفضل مكان للطفل هو بين عائلته أولا، وثانيا ان عملية سحب أي طفل وإيداعه عند عائلة بديلة عملية مكلفة لنا في البلديات، ولكي نجنب المجتمع كل هذه التبعات فإن علينا ان نركز كثيرا على مسألة التعليم، كي يعرف الجميع حقوقه وواجباته وان يكون هناك حوار مفتوح ما بين دائرة السوسيال وبين العوائل لفهم بعضهم البعض، وهذا ما نقوم به نحن اليوم في بلديتنا.
○ في حال فوزكم في هذه الانتخابات هل سيشهد السويد تغيرات إيجابية على مجمل الأصعدة أم سيبقى الحال على ماهو عليه؟
• في حال فوزنا في هذه الانتخابات فأكيد سيكون هناك تغيرات إيجابية، وإذا تم تشكيل الحكومة من قبل حزبنا الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، فهذا يعني اننا سنعمل حسب الأفكار والمعتقدات التي نؤمن فيها. لكن خلال السنوات الأربع الماضية من حكم الحزب لم نستطع فعل ذلك لكون حكومتنا تشكلت بالائتلاف مع أحزاب اليسار الأخرى وكنا تحت تأثير هذه الأحزب بحكم الائتلاف، وبالتالي عندما يكون الحزب موقفه ضعيفا يضطر إلى التفاوض وتقديم التنازلات عن الكثير من السياسات التي يريد تنفيذها، وعليه إذا ما استطعنا الحصول على الأغلبية فإننا بالتأكيد سنقوم بما هو أفضل للسويد وبما ينسجم مع مبادئ حزبنا، ولكي نصل إلى هذا اليوم فإننا نحتاج إلى دعم الناخبين.
○ من تداعيات الحرب على أوكرانيا تغير الوضع الاقتصادي للسويد حيث نرى حالة غير مسبوقة من التضخم الاقتصادي أثرت كثيرا على السوق ورفع الأسعار خاصة الطاقة والمواد الغذائية، هل سيستمر هَذَا الوضع طويلا أم هناك حلول على الحكومة القيام بها؟
• لاشك ان حالة التضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار ليست السويد وحدها من تعاني منها وإنما أغلب الدول الأوروبية أيضا، كتداعيات للحرب الروسية على أوكرانيا، وعلى الجميع ان يدرك انه ليس للحكومات أي دخل فيها، وهي ستواجه أية حكومة مقبلة في السويد.
غير ان هناك تدابير لجأت إليها الحكومة كتعويض المتضررين كما صرحت بذلك رئيسة الوزراء ماجدلينا اندرشون قبل يومين انه سيتم تعويض المتضررين من غلاء أسعار الكهرباء المرتفعة، ونقول مرة أخرى لا تستطيع أية حكومة أو حزب ان يعد الناس بان يتم تعويضهم عن هذه الأزمة 100 في المئة. لذا فإن على الجميع ان يدرك ان هناك أزمة اقتصادية وحالة من التضخم وغلاء الاسعار متوقع لها المزيد إذا ما استمرت الأوضاع على ماهي عليها الآن، ولكن من واجب الحكومة أيضا ان تبحث عن حلول عاجلة لتخفيف أعباء هذه الأزمة عن كاهل المواطنين.
متابعات