أسباب آلام الظهر الخفية وفق تجربة طبيب جرّاح
“ألم الظهر نصفه قهر” هكذا استهل جرّاح الأعصاب الدكتور نبيل عقيص كلمته التي ألقاها أثناء مؤتمر جمع عدداً من الأطباء والعاملين في مجال الصحة والإعلاميين، بالتعاون مع Abdelli Terrace، للتحدث حول أهمية الرفاهية للفرد والسعادة والتناغم الداخلي، في الوقاية وعلاج العديد من الأمراض.
“سيّدتي” التقت الدكتور عقيص على هامش المؤتمر، وكان معه الحوار الآتي:
1- لقد أشرت في المؤتمر إلى أن “ألم الظهر نصفه قهر”، ماذا تخبرنا عن تجربتك مع هذا الألم، وما علاجه برأيك؟
يجب أن يتم التنّبه لبعض الأعراض من قبل المريض، ومن قبل الطبيب على حد سواء، هنا نتحدث عن الأعراض الناتجة عن التشنجات، التي تكون عادة داخلية أكثر منها خارجية، فإذا كان الشخص لديه مشكلة أو همّ خارجي (مثل امتحان، فحص طبي، مشاكل مادية..)، فهذا الشخص من النادر أن يعاني من أعراض جسدية ناتجة عن التشنج؛ إذ غالباً ما سوف يعالجها في دماغه.
لكن الشخص الذي يعاني من القلق الباطني الذي يكون ناتجاً عن أمور لاشعورية، ويشعر بالحزن غالباً في فترات الليل؛ فإن أعضاء جسمه سوف تتعرّض للأذى.
وفي مثال على ذلك، عندما تزداد إفرازات المعدة، ترتفع نسبة الحموضة ويتعرّض الشخص للقرحة.
وإذا كان يعاني من صرير الأسنان الليلي بسبب حالته، فقد تتعرّض أسنانه للتلف.
فضلاً على أن عضلات الظهر والرقبة قد تتعرض للضغط أيضاً بسبب التشنجات التي يعاني منها الفرد؛ فيتسبب الأمر بآلام في الظهر يليها تضرر الأقراص (الديسك).
فالعوامل الداخلية التي تشكل السبب الأساسي للتشنجات المسببة للأمراض الجسدية، تدل على عدم وجود تناغم بين مكونات الإنسان، ونقصد بها أحلامه، جيناته، تربيته، حالته في أسرته وعمله، ومادياته… جميع هذه المكونات يجب أن تكون متناغمة على نحو معين، على سبيل المثال إذا كان الشخص يقوم بعمل معين، فيجب أن يتجانس هذا العمل مع ما كان يحلم به منذ صغره، وبدأ هدفه يتحقق.
كما يجب أن تكون أعماله مناسبة لمبادئه، وما تربى عليه الفرد، ومع ما يحوط به.
إذا كانت جميع هذه التجانسات موجودة، فيعني انتفاء التشنج، لكن هذا نادراً ما يحصل؛ إذ إن العوامل الخارجية تفرض علينا القيام بأمور تكسر التناغم الداخلي، فيحصل التشنج، والذي غالباً ما يتم في فترات الليل عندما يهدأ الدماغ؛ لأنَ الشخص خلال فترة النهار يكون في حالة انشغال بأمور أخرى وواجبات عليه القيام بها سواء في العمل أو في الأسرة أو الحياة الاجتماعية؛ وهذا يعني أن التشنجات تكون مقموعة خلال تنفيذ الواجبات.
2- إن سبب معظم الأمراض هو الإجهاد (السترس)، لا سيما في العصر الحالي، في حين يذهب الأطباء إلى علاج الأعراض مع تجاهل السبب الرئيسي، فكيف يجب التعامل مع الأمر برأيك؟
لكي نجد التناغم في حياتنا يجب أن نستمع إلى ذاتنا، أي إلى الصوت الداخلي، وهذا الصوت قد يعلو في دواخلنا ربما بسبب كثرة الواجبات والانشغالات اليومية المرهقة، وبسبب الأمور الملحة والمطلوب إنجازها يومياً، كذلك من خلال الانجراف نحو الضوضاء الاجتماعية (هاتف يرن بشكل متواصل، رسائل هاتفية يجب الرد عليها، تصفح مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة)؛ مما يجعل الوقت غير متاح لدينا للعودة إلى ذواتنا.
وهذا ما وجدته بالفعل لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص في التناغم النفسي، حيث إنهم لا يجدون الوقت الكافي للهدوء والجلوس مع أنفسهم.
وقد وجدت شخصياً أن أفضل طريقة للجلوس مع النفس، تكمن في العودة إلى الطبيعة.
وبما أنه كان من الصعب عليّ كطبيب أن أقوم بإدارة الإجهاد داخل المستشفى، فقد قررت إقامة مكان خاص بي وسط الطبيعة الجبلية الخام، وسرعان ما تحول إلى مكان يمكن لأي شخص يبحث عن الاستقرار والهدوء أن يستمتع به، بعيداً عن الملوثات اليومية للعقل والجسم؛ فيمتّع نظره بجمال الطبيعة ويجدد طاقته وسط هدوئها؛ بعد أن يشاهد النباتات التي تحيا ضمنها من دون قلق وبتناغم تام، فتتحسن صحته النفسية التي تعتبر أساسية للحفاظ على أداء عمل أعضاء الجسم أيضاً، والوقاية من الأمراض؛ لأنه عند فقدان التناغم بين أعضاء الجسم، تبدأ بالتضرر واحدة تلو الأخرى.
3- ذكرتم أهمية الرفاهية والاعتناء بالنفس للتعافي، فكيف يجب أن نعتني بأنفسنا؟
الاعتناء بالنفس مطلوب، وفقاً لما تمَّ ذكره آنفاً، ومن هنا يجب على الأطباء اليوم تقديم النصح للمريض بضرورة علاج التشنجات التي يعاني منها ليُصار إلى استعادة التناغم في حياته، ولكي يعود إلى طبيعته، لكن كيف ذلك؟ بالطبع، بأن يخصص الشخص يوماً أو يومين كل 2 أو 3 أو ربما 6 أشهر للتحرر من الضغوط والالتزامات والتزوّد بالطاقة من جديد.
كما ويمكن له أن يقوم بإقفال الهاتف الخاص، والتوقف عن العمل على الكمبيوتر والشاشات الأخرى لمدة نصف ساعة يومياً للاختلاء بذاته، والمشي في الطبيعة أو على شاطئ البحر؛ وهو أمر مهم للغاية من أجل الصحة النفسية والجسدية على حد سواء.
4- ما هي نصائحك كطبيب وجد في الطبيعة صحته؟
صرت كطبيب أركز على عامل مهم بعد تجربتي الطويلة في مجال الطب، وهو أن الكثيرين لا يدركون حالة الإجهاد الموجودة لديهم، ولديهم جهل حول أنفسهم وكيفية التعامل معها، وهذا ما ركّز عليه فلاسفة اليونان والهند وسواهم، حيث كانوا يرون أنه يجب على كل فرد أن يعلم ما هو عليه، ويحدد مركزه في هذا الكون، وماهية علاقته مع الكل؛ إنها بالطبع أمور فلسفية، لكن على كل شخص أن يكون على علم بها، لكي لا يعيش في الضباب، ولكي يعرف التمييز بين الخطأ والصواب.
لذلك، قلّلت كطبيب، من دوام العمل في الطب، لكي أتمكن من التركيز على دراسة الفلسفة، التي مع الطبيعة، جعلتني أقترح على مرضاي الذين لم أتمكن من علاجهم، علاجاً جديداً يكمن في المعرفة والطبيعة والاختلاء بالذات والعودة إلى التناغم للتعافي.
*ملاحظة قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.