الحياة البشريّة ما هي إلا رحلة تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت، قد تطول هذه الرّحلة وقد تقصر، وما بين هاتين المرحلتين يمر الإنسان بالكثير من التّقلّبات، من فرح وحزن، سعادة وشقاء، سقم وشفاء، فكلّ حدث يأتي عليه هو قدر مكتوب قبل أن يوجد على هذه الأرض، وعند الاعتقاد التّام أن كل الأمور مكتوبة، وأن الدعاء لا يمنع ما هو محتوم، كالموت مثلاً ولكنّه يردّ القدر بأمور غير محتومة، سلّم أمره لله، وأيّ حدث يقع للإنسان وراءه حكمة لا يعلمها هو نفسه، لكنّ الله قدّرها له وفيها الخيرة، فلا يتذمّر المرء من حزن يملأ قلبه، أو مرض يصيبه أو فقر يعترضه، فجميعها تحمل في خفاياها حكمة بالغة وخيراً له، لأنّ الإنسان لا يعلم أين يكمن الخير وأين يكمن الشّر، فكم من شابّ سليم معافى بات صحيحاً وأصبح متوفياً، وكم من شيخٍ عجوزٍ كبيرٍ في السن، كان المرض يأكل بدنه، طريح الفراش منذ سنوات وما زال على قيد الحياة يعاني المرض ولكنّ الأجل لم يحن بعد، وكم نصادف في دوائر الدّولة وبنفس اللحظة أحدهم يسجل بيان ولادة وآخر بجانبه يسجل بيان وفاة، هذه هي الحياة القصيرة التي نعيشها، فلنمضِ متفائلين متوكّلين على ربّ رحيم بأنّ كلّ ما يحدث على هذه الأرض مكتوب ومحتّم، ولا نستطيع تغييره، فمن زيّن بالرّضى والقناعة حياته كانت السّعادة رفيقة دربه، قال تعالى: «ومن يتوكّل على الله فهو حسبه»، كما أنّ العقيدة السّليمة تؤدي لحياة سعيدة، لأنّ القدر ارتبط بالإيمان بالله تعالى لأنّه مبنيّ على معرفة الخالق ومدى الإيمان القويّ بقدرة الله وصفاته، فمن صدّق وآمن إيماناً جازماً بهذا القضاء وأنّ كلّ شيء بمشيئة الله مضى هانئ البال سليم القلب من أدران الشّيطان، نظيف الفكر من الحسد والحقد تجاه الآخرين، ذلك لأنّه يعلم يقيناً أنّ رزقه على الله، فلا يحسد غيره على ماله، أو ذريّته أو صحّته، ونراه يعلم يقيناً أنّ من حرمه الله نعمة ما عوضه أنعماً مضاعفة غيرها وذلك لحكمة يجهلها الإنسان.
نستنتج مما سبق أنّ أقدارنا مكتوبة قبل أن نوجد على سطح المعمورة، فكلّ شيء بقدر، ومن رضي بالقدر متوكلاً على الله وسادت حياته القناعة عاش سليم الفكر، سعيداً راضياً بما قسمه الله له، فالأقدار مكتوبة تجري كما قسمها الله تعالى، فاللهم هب لنا من الأقدار أجملها.