لماذا تتخوف إيران من تطبيق ثريدز؟

بعد يوم واحد فقط من إطلاقه، تم حظر تطبيق “ثريدز” في إيران، ومُنع المواطنون من الوصول إليه، بينما تم فتح حساب رسمي للرئيس، إبراهيم رئيسي، على المنصة.

أُطلق التطبيق، الأربعاء، وبعد ظهر الخميس، كان لدى الرئيس الإيراني، حساب تحت اسم “raisi.ir”، وبحلول ظهر الجمعة، كان رئيسي قد حصل على 27 ألف متابع.

ولم ينشر رئيسي أي مشاركة بعد، لأن موظفي المكتب الرئاسي يديرون حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يبدو أنهم مخولون لنشر أي شيء دون موافقته، وفق موقع إذاعة “فويس أو أميركا”.

ومع إنشاء حساب رئيسي على “ثريدز” انتقد متابعون، ازدواجية سياسة النظام الإيراني تجاه مواقع التواصل الاجتماعي، فبينما يحظرها على الشعب، يحاول استخدامها لتجميل صورته أمام العالم.

وقال الصحفي، إحسان بوداغي، على تويتر: “خلال الانتخابات، تحدث رئيسي عن أهمية الإنترنت.. يبلغ عدد متابعيه مليوني شخص على إنستغرام، لكنه بعد عام حظر المنصات الاجتماعية”.

ثم تابع “والآن، وبسرعة، وخلال الساعات الأولى لإطلاق ثريدز الذي حظرته حكومته، أصبح لديه حساب عليه”.

وغرد صحفي آخر، وهو جواد داليري، على تويتر، قائلا: “تسابق رئيسي و(رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر) قاليباف للانضمام إلى الشبكة الاجتماعية الجديدة  ثريدز”.

ثم تابع “كمواطن، لدي سؤال: هل يمكن لأحد إصدار أوامر حظر ويكون من بين الأوائل لكسر الحظر؟”، وأضاف موجها سؤاله لرئيسي “بالمناسبة، هل الانضمام إلى هذه الشبكة غير المعروفة، هو أولويتك حقا؟”

يشار أيضا إلى أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يحافظ على حضور نشط على تويتر.

في غضون ذلك، يحاول الإيرانيون المتعطشون للوصول إلى الشبكات الاجتماعية الافتراضية، تجاوز الحظر الحكومي لمواقع التواصل باستخدام آليات الالتفاف مثل ما يعرف بالشبكات الافتراضية الخاصة “VPN” وهي وسائل، وإن كانت تساعد البعض على تخطي الحجب الذي تفرضه الحكومة، إلا أنها لا تتيح لهم دائما التواصل عبر المنصات الاجتماعية حيث أن ربط الإنترنت ثقيل جدا في إيران بفعل التعقيدات اللوجستية التي وضعتها الحكومة للرقابة.

رغم ذلك، كشفت مجموعة “ميتا”، الشركة الأم لتطبيق إنستغرام، في فبراير الماضي، أن ملايين الإيرانيين لا يزالون يستخدمون شبكة التواصل الاجتماعي هذه في إيران رغم القيود الصارمة المفروضة على الإنترنت.

وأكد نيك كليغ، مسؤول الشؤون الدولية في “ميتا” خلال مؤتمر صحفي “رغم المحاولات لتعطيل إنستغرام لا يزال عشرات ملايين الأشخاص يجدون السبل للوصول إليها عبر شبكات افتراضية خاصة (في بي إن) ووسائل أخرى”

وأوضح أن الإيرانيين يستخدمون خصوصا نسخة التطبيق المعروفة بـ”إنستغرام لايت”، وهي نسخة أبسط وأقل حجما تستهلك 2 ميغابايت فقط من ذاكرة الأجهزة بدل 30 ميغابايت، ما يسمح باتصال أكثر استقرارا بالشبكة حتى عند الحد من نطاق التردد العريض.

وتفرض إيران منذ بدء الاحتجاجات، في سبتمبر من عام 2022، قيودا على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي عامة ولا سيما شبكتي إنستغرام وواتساب الأكثر استخداما في البلاد.

الخوف من بث الوعي

تعليقا على هذا الوضع، قال المختص في الشأن الإيراني، عبد الرحمن الحيدري، إن النظام الإيراني يخشى من بث الوعي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح ربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض.

وفي اتصال مع موقع “الحرة”، لفت الحيدري إلى أن النظام الإيراني حظر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وخص بالذكر تويتر وفيسبوك وواتساب وإنستغرام، مشيرا إلى أن ذلك أصبح من سمات السياسية الإيرانية تجاه أي عامل انفتاح.

يذكر أنه خلال الانتفاضة العارمة، التي دامت عدة شهور واجتاحت معظم المحافظات الإيرانية، إثر مقتل الشابة، مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، في 16 سبتمبر عام 2022، بزعم عدم احترامها لقواعد اللباس الإسلامي، قطعت السلطات الإنترنت وقررت حجب مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت الطريقة الوحيدة لترويج المعارضين لأفكارهم ومواقفهم تجاه واقعهم.

وقتها، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن النظام الإيراني كثف الرقابة على الإنترنت من خلال تعطيل الشبكات الافتراضية الخاصة، وعرقلة التشفير على تطبيقات المراسلة وتقييد عمليات البحث في غوغل.

ردا على ذلك، حاولت الإدارة الأميركية تقديم يد المساعدة للإيرانيين للالتفاف حول القيود التي يفرضها النظام على شبكات التواصل وذلك من خلال إصدار الترخيص العام “D-2″، في 23 سبتمبر، الذي يوسع ويوضح نطاق البرامج والخدمات المعتمدة وبعض الأجهزة المتاحة للأشخاص في إيران.

وكان رئيس شركة “سبيس إكس”، إيلون ماسك، أعلن، في نهاية ديسمبر الماضي، أنّ ما يقرب من 100 محطة استقبال أرضية لخدمات الإنترنت المؤمّنة عبر شبكة “ستارلينك” للأقمار الاصطناعية تعمل في إيران حاليا.

ولدى ستارلينك أكثر من ألفي قمر اصطناعي صغير تدور حول الأرض في مدار منخفض، أي على ارتفاع بضع مئات من الكيلومترات، لإتاحة الوصول إلى الإنترنت لسكّان المناطق الواقعة أسفلها.

وللتمكن من الاتصال بهذه الأقمار الاصطناعية يتعين تواجد محطات استقبال أرضية توزع كل منها الخدمة للمستخدمين بواسطة أجهزة توجيه “راوتر”.

ولمعرفة المزيد عن أسباب حظر مواقع التواصل الاجتماعي في إيران على الشعب، بينما لدى الرئيس والمرشد، وعدد من المسؤولين حسابات عليها، اتصل موقع “الحرة” بوزارة الخارجية الإيرانية، لكن لم يتلق ردا بالخصوص.

من جانبه، قال الحيدري إن رؤية النظام الإيراني لهذه الوسائل يتلخص في نقطتين، الأولى تتعلق بأنها تسمح بالتقاء الشعب فيما بينه، ولو افتراضيا، وهو ما يشكل خطرا على بقائه، والثانية تنطوي على إيصال صوت الناس وكشف ما يحدث داخل إيران.

على هذا الأساس، يحاول النظام الإيراني، حجب هذه المواقع على الشعب حتى لا يتمكن من التواصل فيما بينه، لكنه يستخدمها لصالحه، وذلك لتزيين صورته أمام العالم.

الحيدري ذكّر بأن مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة، سمحت خلال المظاهرات بتسجيل ونشر مقاطع فيديو تصور حقيقة ما كان يجري، وكيف واجهت السلطات بعنف طلبات الانفتاح واحترام حقوق الإنسان والحريات التي رفعها الإيرانيون.

لذلك، خلص الحيدري للقول إنه لا يستغرب قرار حجب ثريدز، في إيران، لأنه يدخل ضمن نفس الآليات التي تسمح بانفتاح الشعب على الخارج واطّلاع العالم على ما يجري بالداخل.

وقال: “ثريدز جزء من شركة ميتا، التي تملك فيسبوك وإنستغرام وواتساب، الممنوعين في إيران” ثم مضى مؤكدا أن كل مسؤولي النظام الإيراني يمتلكون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما سبق وأن ندد به الصحفيان الإيرانيان عبر تغريدتيهما.

ازدواجية.. واستباق

في الأول من فبراير الماضي، أعلن رئيسي أن إيران ستبقي على القيود المفروضة على الوصول إلى إنستغرام وواتساب، المحظورتين “بسبب حركة الاحتجاج”.

وقال في مقابلة تلفزيونية: “واجهت المنصات الأجنبية، التي خلقت زعزعة الأمن في البلاد، قيودا، قبل أعمال الشغب، كانت المنصات الأجنبية متاحة للجميع، نعتقد أنه مثلما تخضع هذه المنصات للمساءلة في الدول الأوروبية، يجب أن تخضع للمساءلة في بلدنا أيضا، وحتى يتم مساءلتها أمام القضايا القانونية لبلدنا، لن يتم إزالة التقييد”، وفق فرانس برس التي نقلت الحديث عن وكالة “إرنا”.

وكان إنستغرام وواتساب أكثر التطبيقات استخداما منذ حظر منصات يوتيوب وفيسبوك وتلغرام وتويتر وتيك توك في السنوات الأخيرة.

يذكر أن كثيرا من الإيرانيين، يستخدمون هذه التطبيقات خلال عملهم، وقد أثر الحظر على نشاطهم.

وفي نهاية يناير، قال الناطق السابق باسم الحكومة، علي ربيعي، إن نشاطات “قرابة ثلاثة ملايين شركة ووظائف 12 مليون شخص” مرتبطة بالإنترنت في إيران، وفق وكالة فرانس برس.

الحيدري وصف ذلك بالقول إن هناك ازدواجية في الخطاب والسياسة الإيرانية، فرغم علمها بالحاجة للإنترنت وتطبيقات التواصل والمراسلة، تمنعها على الشعب وتتيحها فقط للمسؤولين.

وقال: “هذا الأمر يدل على أنهم يتخوفون من الشعب ومن عامة الناس، الذين يتوقون لإيصال صوتهم إلى العالم”، مضيفا “لكن هذا الأمر لن يستمر كثيرا” منوها إلى التقنيات التي تتيح الالتفاف على الحجب.

الاحتجاجات عادت إلى العديد من المدن الإيرانية

من احتجاجات إيران بعد مقتل مهسا أميني

أما عن سرعة حجب تطبيق ثريدز، فيرى الحيدري بأن النظام الإيراني، انتبه للانتشار السريع للتطبيق عبر تضاعف عدد المشتركين به يوما بعد يوم، منذ إطلاقه الأربعاء، فأراد استباق الأحداث مخافة أن ينتشر بسرعة في إيران.

واختتم حديثه بالقول: “هذه هي طبيعة الأنظمة الديكتاتورية، التي تخشى من تواصل الشعوب مع بعضها”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى