مع اقتراب موسم الرياح الموسمية، تشهد باكستان بالفعل هذا العام أمطارا غزيرة ورياحا قوية أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين، وألحقت أضرارا بالطرق والمنازل والأراضي الزراعية، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”.
بينما تهدد الأمطار الجديدة نفس المناطق التي ضربتها فيضانات العام الماضي، تجد باكستان نفسها تحت وطأة ظاهرة التغير المناخي: هطول أمطار أكثر كثافة تؤدي لمزيد من الفيضانات الشديدة، مما يعيق جهود التعافي من الفيضانات السابقة.
منذ 10 أشهر فقط، تسببت الفيضانات الشديدة في باكستان في مقتل أكثر من 1700 شخص وتشريد 8 ملايين، وكلفت اقتصاد البلاد أكثر من 30 مليار دولار.
وتمثل باكستان نموذجا مألوفا لدى البلدان الثمانية الأخرى فيما يعرف بـ “القطب الثالث”، والذي يواجه تأثيرات الهواء الأكثر دفئا على كل من الرياح الموسمية وذوبان الجليد الجبلي.
وقد تفقد الأنهار الجليدية في منطقة هندو كوش الهيمالايا في آسيا 80 بالمئة من حجمها الحالي بحلول نهاية هذا القرن، وفقا لدراسة حديثة، مما يهدد سبل عيش ما يصل إلى ملياري شخص – ما يقرب من ربع سكان العالم – في اتجاه مجرى النهر.
وتسببت الفيضانات الناجمة عن الأنماط المتطرفة للطقس في نقص المحاصيل الزراعية، في وقت لا يزال الآلاف بلا مأوى منذ العام الماضي. وتكافح البلاد من أجل إعادة الإعمار، والإمدادات الغذائية، والرعاية الصحية، والديون.
في غضون ذلك، جفت مساعدات الإغاثة إلى حد كبير وسط حاجة البلاد لمليارات الدولارات للتعافي من كارثة العام الماضي.
ويقدّر البنك الدولي أن باكستان ستحتاج على الأقل 16.3 مليار دولار لإعادة الإعمار.
في الشهر الماضي، كشفت الحكومة الباكستانية التي تعاني من ضائقة مالية عن ميزانية قدرها 14,5 تريليون روبية (نحو 50,5 مليار دولار) خُصص أكثر من نصفها لخدمة ديون بقيمة 7,3 تريليون روبية.
“صورة رمزية” للتغير المناخي
وتعهد المانحون الدوليون بتقديم 10 مليارات دولار كمساعدات في مؤتمر للأمم المتحدة في يناير، لكن لا يزال من غير الواضح كيفية تخصيص هذه الأموال.
ومن بين 20 مليون باكستاني محتاج، تلقى 7.7 مليون شخص فقط نوعا من سبل الإغاثة من الكوارث، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وأدى نقص المحاصيل الناجم عن الفيضانات إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ثم رفعت الحكومة الضرائب وأسعار الطاقة في محاولة للوفاء بشروط صفقة قرض مع صندوق النقد الدولي.
وأدى ذلك إلى ارتفاع التضخم الذي بلغ 38 بالمئة في مايو مقارنة بالعام الذي سبقه. وبدأ الباكستانيون في تقليص الإنفاق وشحت فرص العمل.
في يونيو، حصلت البلاد على موافقة مبدئية من صندوق النقد الدولي لبرنامج قروض بقيمة 3 مليارات دولار، مما قلل من مخاطر التخلف عن السداد السيادي للديون مع زيادة الضغط للحفاظ على الانضباط المالي. وحذرت الأمم المتحدة في تقرير، الشهر الماضي، من أن “باكستان تواجه أزمة تغذية”.
ويمثل معدل سوء التغذية الحاد الوخيم في البلاد ضعف متوسط معدل دول جنوب آسيا وأربع مرات أعلى من المتوسط العالمي، وفقا للأمم المتحدة.
وفي سياق متصل، غذت مياه الفيضانات أسوأ تفشي للملاريا في البلاد منذ عام 1973، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. ولا يزال عدد قليل من العيادات الريفية تعمل لتقديم العلاج الطبي الذي تشتد الحاجة إليه.
ونظرا لأن تغير المناخ يجعل هطول الأمطار أكثر كثافة، يقول الخبراء إن تجربة باكستان سيتم تكرارها في أماكن أخرى.
ويقول ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، وهي مجموعة تقدم مساعدات إنسانية، “باكستان هي صورة رمزية لما يحدث عندما تكون البلدان في مواجهة الظروف الجوية المتغيرة”، مضيفا أنها “في الخطوط الأمامية لشيء ستتعرض له دول أخرى”.