تظهر مقاربة السعودية الدبلوماسية تجاه الحرب في السودان الراهنة نهجا جديدا يتبناه ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان مقارنة بـ”سياسات عدوانية” سابقة بينها الانخراط في حرب إقليمية باليمن، ومقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، بحسب تقرير لسامر الأطرش في مجلة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية ترجمه “الخليج الجديد”.
الأطرش تابع أنه “مع انزلاق السودان إلى الحرب (بين الجيش وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية) منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، أرسلت السعودية سفنا حربية لإجلاء آلاف الرعايا (من جنسيات عديدة)، وعندما عادت إحدى السفن إلى المملكة، تم تصوير مجندة سعودية تحمل طفلة جرى إنقاذه، وحولتها الصورة إلى شخصية مشهورة”.
وأردف أن “الإشادات تدفقت من الولايات المتحدة ودول أخرى على جهود السعودية في الإجلاء، كما قاد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الجهود لتأمين وقف إطلاق النار في السودان، بينما كانت المملكة قد اكتسبت في السنوات الأخيرة سمعة كمثير للمشاكل في المنطقة”.
واستطرد: “تبنت السعودية نهجا عضليا منذ 2015 في عهد وزير الدفاع آنذاك، ولاحقا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ مما أدى إلى سلسلة من التحركات العدوانية، بينها التدخل العسكري في اليمن (الجار الجنوبي للمملكة) ضد المتمردين الحوثيين (المدعومين من إيران)، وفرض حظر إقليمي على قطر واحتجاز رئيس وزراء لبنان آنذاك (سعد الحريري) لفترة وجيزة”.
مقتل خاشقجي
“لكن الرياض اضطرت إلى التركيز على الداخل بعد مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي (داخل قنصلية بلاده في إسطنبول) عام 2018 على يد عملاء للمملكة؛ مما أدى إلى تحويل بن سلمان إلى شخص غير مرغوب فيه في العواصم الغربية. كما ألقى هجوم من الحوثيين على منشآت نفطية سعودية الضوء على المخاطر الكبيرة للاستراتيجية السعودية”، بحسب الأطرش.
وأردف: “الآن تغير المملكة مسارها، مدعومة بفائض من دولارات البترول واقتصاد سريع النمو وثقة متجددة، وهذا المرة خففت حدة التوترات مع خصومها بينما تمضي قدما في مشاريع (تنموية) ضخمة باهظة في الداخل”.
وزاد بأن “المملكة فاجأت الكثيرين بإعلانها في مارس/ آذار الماضي أنها وافقت على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ثم زار مسؤولون سعوديون اليمن ضمن جهود لإنهاء الحرب”.
وتوسطت الصين في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران؛ ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين دولتين يقول مراقبون إنهما تتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول بينها اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
وأضاف الأطرش أنه “بعد أن كانت السعودية تدعو (منذ 2011) إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد (حليف إيران)، قادت الرياض حملة ناجحة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية”.
والأحد، وافق وزراء الخارجية العرب على استئناف مشاركة حكومة النظام السوري في اجتماعات الجامعة العربية، بعد أن جمدت الأخيرة مقعد سوريا عام 2011، رفضا لقمع نظام بشار الأسد احتجاجات شعبية طالبت بتداول سلمي للسلطة؛ مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.
أولوية اقتصادية
معلقا على تلك التغييرات، قال مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل الحكيم، إن الأمير محمد “يستمتع بلحظته: لقد انتعش الاقتصاد، وهو يعيد ضبط سياسته الخارجية لإعطاء الأولوية لأجنداته الاقتصادية والتحول والازدهار”.
وتتبنى السعودية رؤية 2030 التنموية، ومن أبرز أهدافها تنويع مصادر الاقتصاد إلى جانب النفط عبر مشاريع ضخمة في مجالات عديدة.
وربط مسؤول سعودي كبير موجة النشاط الدبلوماسي الأخيرة ببرنامج الرياض التنموي الطموح، وقال إن “المنطقة ساءت وهناك المزيد من التعقيدات من حولنا، ونجاحنا المحلي مرتبط بالاستقرار في المنطقة”.
ووفقا للأطرش، جاءت نقطة التحول السعودية، “بعيدا عن السياسة الخارجية الأكثر عدوانية في 14 سبتمبر/ أيلول 2019، عندما تهرب سرب من الصواريخ والطائرات بدون طيار (أطلقه الحوثيون) من الدفاعات الجوية الأمريكية الصنع وضرب منشآت نفطية حيوية داخل المملكة، وأوقف نصف إنتاجها النفطي مؤقتا.
وشدد علي الشهابي، وهو معلق سعودي مقرب من الديوان الملكي، على أنه “بعد الهجوم أدركت السعودية أنه في حين أنها لا تستطيع أن تحل محل أمريكا، فإنه يمكنها أن تكمل علاقاتها مع الولايات المتحدة بعلاقة استراتيجية قوية مع الصين التي لديها نفوذ هائل على إيران”.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان، إنه “على الرغم من تعهد (الرئيس الأمريكي جو) بايدن بالحفاظ على مكانة واشنطن في المنطقة، إلا أن التصور السائد في عواصم الخليج منذ فترة طويلة هو أن واشنطن تنفصل (عن المنطقة) وتحول انتباهها إلى آسيا (لمواجهة نفوذ الصين المتصاعد) وروسيا (التي تشن حربا في أوكرانيا منذ أكثر من عام)”.
متابعات