الفائزون والخاسرون من هروب أعوان البشير

في ظل استمرار المعارك في الخرطوم وخارجها للأسبوع الثاني على التوالي، استيقظ السودانيون على نبأ صادم هو أن مسؤولين في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير فروا من السجن، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي لتداعيات “خطيرة” على الوضع الأمني في البلاد وفقا لمراقبين.

على الفور تبادلت قوات الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن إطلاق سراح السجناء.

وقالت الشرطة إن مسلحين شبه عسكريين اقتحموا خمسة سجون في مطلع الأسبوع وقتلوا عدة حراس وفتحوا البوابات. وأكدت أن قوات الدعم السريع أطلقت سراح جميع النزلاء، بينهم أحمد هارون، أحد مساعدي البشير.

بالمقابل، ألقت قوات الدعم السريع باللوم على السلطات في السماح لهارون وآخرين بالخروج من سجن كوبر في العاصمة الخرطوم، حيث كان يجري احتجاز الرئيس السابق، عمر البشير، ومسؤولين كبار آخرين.

الجيش السوداني أعلن فيما بعد أن البشير نُقل إلى مستشفى عسكري قبل اندلاع القتال العنيف في 15 أبريل الماضي مع خمسة على الأقل من الأعضاء السابقين في نظامه.

وفي تسجيل نشر مساء الثلاثاء، قال هارون إن سجن كوبر خلا من كل نزلائه من سجناء وحراس الأحد 23 أبريل، باستثناء “قلة لا تتجاوز العشرة” كان هو بينهم.

وأضاف “بناء على طلب القوة المتبقية من قوة السجون، تحركنا لموقع آخر خارج السجن، تحت حراسة محدودة لا تتعدى الثلاثة من تلك القوة”.

وتابع هارون إنه ورفاقه تلقوا وعودا بالإفراج عنهم في اليوم نفسه. لكن ذلك لم يحصل. وبسبب الخطر وتواصل الاشتباكات، “اتخذنا قرارنا الخاص بنا بأن نتحمل مسؤوليتنا بحماية أنفسنا بأنفسنا”.

من المستفيد؟

يقول الكاتب والسياسي السوداني شوقي عبد العظيم إن “الجيش هو المتضرر الأكبر من هذه الخطوة، ومن خطاب أحمد هارون، لأن الشارع بدأ ينظر للقوات العسكرية وكأنها تشن الحرب لصالح النظام البائد”.

ويضيف عبد العظيم لموقع “الحرة” أن “الدعم السريع هو المستفيد الأبرز، لأن خروجهم سوف يؤكد روايتهم التي تشير إلى أن الحرب يقف خلفها النظام البائد”.

ويبين عبد العظيم أن كلا الطرفين يحاول “التملص من المسؤولية”، مشيرا إلى أن “قوات الدعم السريع لديها موقف واضح بالضد من أعضاء النظام البائد”.

ويؤكد عبد العظيم أن هارون أعلن صراحة أنه سيعمل مع الجيش ويدعمه في حربه الجارية حاليا.

“هارون قال إنه ستكون هناك مبادرات لدعم الجيش. لا أحد يعرف ماهية هذه المبادرات، هل ستكون عبر المشاركة المباشرة في القتال؟ أم استدعاء كتائب المجاهدين كما فعلوا سابقا؟” يتابع عبد العظيم.

ويرى عبد العظيم أن “هذا الإعلان والدعم مضر جدا للجيش، لإنه سيصوره وكأنه يقاتل من أجل الإسلاميين، كما أنه مفيد جدا في نفس الوقت لقائد قوات الدعم السريح محمد حمدان دقلو (حميدتي) وفرضيته القائلة بوقوف النظام البائد خلف المواجهات الحالية.

من جهته يرجح المحامي والمحلل السياسي محمد ودابوك استفادة عدة أطراف من هروب أعوان نظام حكم البشير.

ويقول ودابوك أن “القوى السياسية التي ظلت تردد أن كل ما يجري في البلاد من اضطرابات سببه قيادات النظام البائد، هي المستفيد الأول”.

ويضيف أن قوات الدعم السريع ستكون أيضا مستفيدة لأنها وجهت اتهامات صريحة مفادها بأن ما يجري داخل المؤسسة العسكرية والتأثيرات عليها تقف خلفها قيادات في النظام البائد”.

ويشدد ودابوك أن “الجيش مطالب بإثبات براءته من تهمة هروبهم وكذلك بعدم وجود ارتباطات مع النظام البائد، وأن ما جرى كان فعلا نتيجة الانفلات الأمني”.

واحتجز آلاف المجرمين المدانين، ومن بينهم بعض المحكوم عليهم بالإعدام، في سجن كوبر إلى جانب مسؤولين كبار وصغار من نظام البشير بمن فيهم الرئيس المخلوع نفسه الذي أطيح به قبل أربع سنوات.

وأدى إطلاق سراح المجرمين المدانين إلى زيادة الشعور بغياب القانون في الخرطوم حيث أبلغ السكان عن زيادة انعدام الأمن وأعمال النهب وانتشار العصابات في الشوارع.

مشهد معقد

واندلع الصراع الحالي بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي لأسباب من بينها الخلافات بشأن مدى سرعة دمج قوات الدعم السريع في الجيش في ظل الانتقال المقرر إلى الحكم المدني.

وقالت قوى الحرية والتغيير إن “هذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار”. وهذه القوى هي جماعة سياسية تقود خطة مدعومة دوليا لانتقال السودان إلى الحكم المدني لكن اندلاع القتال أدى إلى تقويض الخطة.

وأضافت في بيان أن تصريحات أحمد هارون تؤكد أن “النظام المباد وحزبه المحلول ومن خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة والقوات النظامية هم من يقفون خلف الحرب الدائرة الآن.. بهدف عودة الطغمة الفاسدة المستبدة للحكم مجددا بأي شكل من الأشكال”.

ويقلل عبد العظيم من أهمية هروب السجناء من أعضاء نظام البشير على الوضع السياسي في البلاد، لكنه يعتقد أن خروجهم ستكون له تأثيرات قوية على الوضع العسكري.

يقول عبد العظيم إن “كثيرا من رموز النظام البائد لن يكونوا مؤثرين في العملية السياسية، حتى في المستقبل، لأن ورقتهم احترقت”.

ويضيف أن “تأثيرهم الحقيقي سيكون على المعارك الجارية حاليا، لأن لديهم ثقل حقيقي في المؤسسة العسكرية”.

ويتابع أن “الخطوة ستعقد مشهد الحرب في السودان بشكل كبير وستعرقل بالتأكيد محاولات الوصول لتفاوض، وربما سيتمسك بعض عناصر الجيش بمواصلة الحرب وكسر شوكة الدعم السريع، نتيجة لخروج قادتهم السابقين من السجن”.

ويبين أنه “لا يمكن لأحد الجزم من هي الجهة التي تقف خلف خروجهم، هناك بيانات واتهامات متبادلة ينفيها كلا الطرفين”.

بالتالي يعتقد عبد العظيم أن الهاربين لن “يجدوا حاضنة علنية، ولكنهم سيعملون بالخفاء وراء لافتة الجيش أو لافتة أخرى”.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية، طالبت في يونيو 2021 السلطات السودانية بتسليم أحمد هارون إلى القضاء الدولي، كي يحاكم مع مسؤول آخر في النظام السابق بتهم ارتكاب فظائع في إقليم دارفور الواقع غربي البلاد.

وهارون، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية منذ أكثر من عقد بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال نزاع دارفور الذي أودى منذ 2003 بحياة مئات الآلاف، شغل العديد من المناصب الحكومية في عهد الرئيس السابق، عمر البشير.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، في 2007، بعدما وُجهت إليه 42 تهمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والاضطهاد والنهب.

والبشير نفسه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور، لكن الخرطوم لم توافق حتى اليوم على تسليمه للقضاء الدولي.
متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى