لماذا دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني عملية معقدة

تعد توقيتات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية أحد أبرز الخلافات الحالية داخل المكون العسكري، وقادت إلى إرجاء التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي، وهو ما طرح تساؤلات عديدة حول أسباب استعجال الدمج وعدم التأني، في ظل تجارب متعثرة في عمليات دمج جيوش سابقة.

ونشرت وسائل إعلام سودانية معلومات السبت حول وصول اللجنة الفنية العسكرية المشتركة بين الجيش والدعم السريع إلى توافق حول المدة الزمنية المطلوبة للدمج، وتم الاستناد فيه إلى بروتوكول “أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري” الموقع عليه بين الطرفين في مارس الماضي، وحدد المدة بعشر سنوات.

وتمسّكت قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أن تكون فترة الدمج عشر سنوات، بينما طالب قادة الجيش أن تتم في غضون عامين، تزامنًا مع انتهاء الفترة الانتقالية، وقاد ذلك إلى خلاف لم ينته بعد، مع المساعي الحثيثة لقادة الجيش لأن تتبع قوات الدعم السريع القائد العام للقوات المسلحة من دون أن تتبع رئيس الدولة وتقع تحت إشرافه المباشر.

وتخشى دوائر عسكرية أن يقود الدمج وفقًا لرؤى جنرالات في الجيش، لدى بعضهم ولاءات للحركة الإسلامية وفلول النظام السابق، إلى تفتيت القوات النظامية وتحويلها إلى كيانات عرقية في شكل هيئة عسكرية واحدة، ما يتنافى مع أهداف الوصول إلى جيش قومي موحد في السودان، والذي يتطلب إجراءات دقيقة ومعقدة.

وقد يصبح السودان أمام أزمة زيادة التداخل العرقي بين أبناء القوات المسلحة، ما يتطلب مراجعات عديدة تضمن أن يكون الولاء للدولة بعيداً عن الصيغة العشائرية التي تسيطر كثيرا على انتماءات قادة الحركات المسلحة.

ويستدعي البعض تجربة التكوين العرقي للقوات المسلحة في دولة تشاد المجاورة للسودان، حيث تسيطر قبيلة الزغاوة، وهي المجموعة العرقية التي ينتمي لها الرئيس إدريس ديبي ومن بعده ابنه محمد رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد حاليا، على الجيش والمواقع العسكرية الرئيسية منذ عام 1990 عندما تم طرد قوات حسين حبري من السلطة، ما يؤدي إلى حدوث انشقاقات أو التلويح بها من حين إلى آخر داخل الجيش.

ولدى العديد من العسكريين قناعة بأن عملية دمج قوات الدعم السريع معقدة في ظل عدم وجود برامج أو تفاهمات تطرقت إلى الجداول الزمنية المحددة لعملية الدمج، وبدا الأمر كأنه عملية استثنائية مع التوقيع على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، وهو ما يفرض الحاجة إلى المزيد من الدراسة وورش العمل تتشارك فيها أيضا الحركات المسلحة للوصول إلى جيش موحد يراعي التنوع السوداني.

أمين إسماعيل مجذوب: دمج قوات الدعم السريع لا يتم في أقل من خمس سنوات

وقد يكون دمج قوات الحركات المسلحة أسهل، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها تنفيذ برتوكول الترتيبات الأمنية ضمن اتفاق جوبا للسلام الذي تم التوقيع عليه في أكتوبر 2020، وأن امتلاك قوات الدعم أسلحة ثقيلة إلى جانب كثرة انتشارها وسيطرتها على مناطق حيوية في دارفور، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ما يدفع لتكون عملية دمجها وفقًا لخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة للحفاظ على استقرار الجيش.

وتشير التجارب السودانية ذاتها في عملية الدمج إلى أن تسريع وتيرتها لم يؤد في النهاية إلى بناء جيش قومي موحد، وأن تجارب دمج قوات “الأنانيا1″ بموجب اتفاق أديس أبابا 1972، ودمج قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق وفق اتفاق نيفاشا 2005 خلال مدد زمنية تراوحت بين ثلاث إلى خمس سنوات لم تسهم في غلق ملف الإصلاح الأمني ودمج الجيوش.

وقال الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل مجذوب إن عملية دمج قوات الدعم السريع لا يمكن أن تتم في أقل من خمس سنوات وربما تحتاج مدة أطول، وسيكون الأمر أكثر تعقيداً من عملية دمج الحركات المسلحة التي هي ميليشيات ضد الدولة وكانت تصنف على أنها خارجة عن القانون، حسب القوانين السودانية، بينما الوضع مختلف بالنسبة إلى قوات الدعم السريع، فهي جزء من الحكومة السابقة والحالية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن قوات الدعم السريع لديها قانون خاص جرى إقراره من البرلمان في العام 2017 وله علاقات إقليمية ودولية مع دول الاتحاد الأوروبي لمكافحته الهجرة غير الشرعية، وعلاقات قوية مع دول مثل فرنسا وروسيا والسعودية، وقوات تنتشر على نطاق واسع في الدولة، ويصعب المضي قدماً في دمجها دون وجود ثقة متبادلة بين قائدي الجيش والدعم السريع تسهل المهمة.

وأشار إلى أن دمج القيادات العليا في القوات البرية والأسلحة الفنية في حاجة إلى فترة طويلة قد تمتد إلى عامين، كما أن الانغماس في السياسة يشكل عائقا لأن هناك حالة من الغموض حول الوضعية السياسية للحركات التي سوف تنضم إلى الجيش بعد إتمام هذه المهمة، في وقت لم تتحول فيه الفصائل المسلحة إلى جسم سياسي، فهناك وزراء لديهم جيوش، ولذلك فالشقّة بين الجيش والدعم السريع مازالت كبيرة.

ويؤكد عسكريون أن دمج الدعم السريع في حاجة إلى تشكيل لجان متعددة في مجالات حصر القوات والأسلحة، وقياس الرغبة لمن يريد الانضمام للجيش أو التسريح.

ومعلوم أن قوات الدعم السريع تكونت من قبائل وأفراد للقيام بمهمات محددة منذ عام 2013، وإجراء الدمج قد يستغرق سبعة أعوام، حسب حجم هذه القوات ومواردها الاقتصادية، علاوة على فترة أخرى لاستيعاب القوات وتدريبها على العقيدة القتالية للقوات المسلحة بالتوازي مع إصلاح باقي الأجهزة الأمنية.

وحسب دراسة للخبير في الشؤون السودانية صلاح خليل، نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية بالقاهرة مؤخراً، فإن بند التطوير والتدريب لرفع الكفاءة لقيادات المؤسسة العسكرية وتأهيلهم يحتاج فترة زمنية طويلة، وفقا للآليات والخطط التي يضعها الخبراء العسكريون، وميزانية تخصص لهذه العمليات ومراحل التنفيذ، باعتبار أن المؤسسة العسكرية السودانية راسخة وضاربة الجذور.

وتحتاج المؤسسة العسكرية السودانية إلى مواكبة تقنيات العلوم العسكرية الحديثة، ورفع قدرتها على التطوير والتسليح والتدريب على مختلف وسائل القتال، وأن تكون عملية الإصلاح مصحوبة بتشريعات كجزء من إصلاحات شاملة لجميع مؤسسات الدولة، الأمر الذي يتجاوز سنوات المرحلة الانتقالية، ويتطلب أن يتم في ظل حكومة مدنية لديها رغبة سياسية في إحداث الإصلاح الأمني الشامل.

ويقول متابعون إن إشكالية تمويل ميزانية القوات المسلحة النظامية من أبرز العقبات التي تحتّم مسألة جدولة عملية الدمج على فترات طويلة، خاصة أن دمج قوات جديدة يتطلب زيادة الميزانية المقدرة بـ4 مليارات دولار وفقاً لإحصائيات عام 2021.

وتفرض الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وتداعيات الانقلاب العسكري على السلطة في أكتوبر 2020 وتعليق بعض الدول مساعداتها الاقتصادية، ضرورة الانتظار لوصول التمويلات اللازمة، والسير وفقا لخارطة الاتفاق الإطاري ما يضمن الحصول على مساعدات ونجاح المسار السياسي، وهو الأمر الذي يجعل قوات الدعم السريع تريد التمهل في الدمج مع التقيد بثوابت تمكين السلطة المدنية من الحكم.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى