لقاء السيسي ومحمد بن سلمان.. تحديات مشتركة تدفع بـ”عودة المياه إلى مجاريها”

جاء اللقاء المفاجئ بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بمدينة جدة السعودية، ليثير التساؤلات حول الأسباب غير المعلنة لزيارة “الساعات المعدودة” ومدلولاتها، بينما يكشف خبراء لموقع “الحرة” عن تغييرات استراتيجية دفعت المياه المصرية السعودية للعودة إلى مجاريها.

لقاء الساعات المعدودة

الأحد، استقبل ولي العهد السعودي، الرئيس المصري واستعرضا العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين، وآفاق التعاون وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات، وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفقا لوكالة الأنباء السعودية “واس”.

 

والتقي محمد بن سلمان مع السيسي بمدينة جدة على البحر الأحمر، بحضور مستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري، اللواء عباس كامل.

وقال الرئيس المصري عبر حسابه بموقع “فيسبوك”، “سعدت بلقاء شقيقي سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، وإنني إذ أعبر عن امتناني وتقديري لحُسن الاستقبال والضيافة”.

وأكد السيسي “عمق ومتانة” العلاقات الثنائية بين مصر السعودية، معربا عن “تطلعه لتنميتها وتعزيزها في كافة المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وتطلعات شعبيهما”.

عودة المياه إلى مجاريها؟

يشير المحلل السياسي السعودي، مبارك ال عاتي، إلى عدة أهداف للزيارة وعلى رأسها التباحث حول العلاقات الثنائية و”إعادة التأكيد” على الروابط الأخوية بين البلدين، وكذلك أهمية دفع ودعم روابط التعاون بين البلدين وبحث “سبل تذليل العقبات والصعبات التي قد تعترض علاقات الرياض والقاهرة”.

ويتحدث لموقع “الحرة”، عن “علامات ود واضحة” بين السيسي ومحمد بن سلمان خلال اللقاء، مشيرا إلى التخلي عن الرسمية في الاستقبال والملابس.

ويتحدث المحلل السياسي المصري، فادي عيد، عن نفس الطرح، ويرصد في حديثه لموقع “الحرة”، “ملامح ود “خلال الزيارة القصيرة السريعة.

وظهرت الزيارة بصورة طبيعية بسيطة دون أي تكلف في شكلها أو حتى ملابس ولغة الجسد كلا من الرئيس المصري وولي العهد السعودي، وهو ما يحمل مؤشرات على “عودة المياه المصرية السعودية” لمجاريها، وفقا لحديث عيد.

ويشير إلى أن “ترميم العلاقات” بين القاهرة والرياض جاء مدفوعا بتطورات داخلية في كلا البلدين وأخرى إقليمية بمنطقة الشرق الأوسط وثالثة على المستوى الدولي.

شيكات على بياض؟

اتسمت العلاقات السعودية المصرية خلال معظم العقد الماضي، بالدعم المالي بمليارات من جانب الرياض، باعتبار القاهرة حليفة إقليمية واستراتيجية مهمة، حتى وصلت الأمور، في الآونة الأخيرة، إلى رفض صامت من جانب المسؤولين السعوديين لتقديم مزيد من “الشيكات على بياض” رغم مرور مصر بأزمة اقتصادية عميقة، وفقا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في يناير، في دافوس بسويسرا، في اجتماع سنوي للنخبة السياسية والاقتصادية في العالم: “اعتدنا تقديم منح وودائع مباشرة دون قيود. ونحن نغير ذلك. نحن نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات على أرض الواقع”.

ولطالما دأبت السعودية على دعم مصر ماليا، لكنها أشارت في الآونة الأخيرة إلى أنها لن تقدم مثل هذا الدعم “دون قيود”، وهو ما يعتقد مراقبون أنه ربما أثار صداما إعلاميا نادرا بين البلدين، وفقا لـ”رويترز”.

واعتادت بلدان الخليج وعلى رأسها السعودية على تقديم يد العون إلى مصر في أوقات الأزمات عبر منح نقدية أو ودائع لدى البنك المركزي المصري لدعم احتياطي النقد الأجنبي.

ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج، لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار، وفقا لـ”فرانس برس”.

ومؤخرا، قدمت المملكة وديعة بقيمة 3 مليارات دولار للبنك المركزي المصري، إضافة إلى تمديد الودائع السابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار، وفقا لتقرير لصحيفة “عكاظ” السعودية.

وتسهم السعودية في تعزيز جهود مصر التنموية من خلال الدعم الذي تقدمه عبر الصندوق السعودي للتنمية، إذ بلغت قيمة مساهمات الصندوق 8846.61 مليون ريال لـ32 مشروعا في قطاعات حيوية لتطويرها وتمويلها، حسب “عكاظ”.

لكن هذه الاستثمارات شهدت تباطؤا، مما زاد من الضغوط على الجنيه في الأسابيع القليلة الماضية رغم أنه فقد ما يقرب من نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس آذار 2022، وفقا لـ”رويترز”.

ووقعت مصر خطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر استهدفت جذب استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 9.7 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي في يونيو المقبل.

جاءت الزيارة في وقت تواصل فيه القاهرة سعيها للحصول على تدفقات مالية لتخفيف الضغط على الجنيه ودعم الاقتصاد المتعثر.

يقول آل عاتي إن السعودية ومصر معنيتان بتنمية ما يجمعهما اقتصاديا و”معالجة وجهات النظر المتبادلة” حيال الاستثمارات والتطورات الاقتصادية الثنائية.

وهناك تعاون اقتصادي كبير بين البلدين من خلال “الدعم السعودي المباشر للاقتصاد المصري، والاستثمارات السعودية في الداخل المصري، واستثمارات مصر في المملكة”، وفقا لحديثه.

ويؤكد المحلل السياسي السعودي، أن التعاون الاقتصادي بين البلدين قائم وسيتم “مراجعته ودعمه بما يخدم صالح الشعبين، في ظل امتلاك الدولتين ممرات مائية مهمة وثروات اقتصادية هائلة”.

من جانبه يرى عيد، أن كلا من السعودية ومصر  يحتاج الأخر على المستوى الاقتصادي، في ظل التغييرات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة العالمية وتدفع القاهرة والرياض نحو ما يشبه “التكامل الاقتصادي”.

وتسعى السعودية لتدشين حقبة اقتصادية جديدة “لا تعتمد فقط على النفط”، بينما تسعي مصر لجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة في ظل طفرة تنموية تشهدها البلاد، وبذلك تفيد العلاقات الاقتصادية كلا من البلدين، حسب المحلل السياسي المصري.

سر التوقيت؟

تأتي الزيارة وسط إعادة ترتيب كبير للعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة، مع تحركات من السعودية ومصر لتخفيف حدة التوتر مع سوريا وإيران وتركيا.

يقول آل عاتي إن الزيارة تعد القمة الأولى بين القاهرة والرياض بعد الاتفاق السعودي الإيراني، ولذلك فقد جاءت في وقت مهم تشهد خلاله المنطقة “زخم مصالحات”.

وفي 10 مارس أعلنت إيران والسعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 خلال شهرين، إثر مفاوضات استضافتها الصين.

وحدد الاتفاق مهلة شهرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية رسميا بعد سبع سنوات من القطيعة، وتضمن تعهدا من كل جانب باحترام سيادة الطرف الآخر وعدم التدخل في “الشؤون الداخلية”، ومن المقرر إعادة فتح السفارات بحلول الأسبوع الثاني من مايو.

والسعودية ومصر الدولتان الأكبر في العالم العربي وهما معنيتان بـ”باستمرار المصالحات والاستفادة منها”، وفقا للمحلل السياسي السعودي.

من جانبه يتحدث عيد عن ملامح كون مصر والسعودية على مشارف الانتقال لتوجه سياسي مختلف جذريا عن العقود السابقة.

ويقول إن “القاهرة والرياض في تطبيع متسارع مع طهران وأنقرة”.

وعلى مصر التحرك نحو إيران حسب مسطرة الرياض، وعلى السعودية التحرك نحو تركيا حسب مسطرة القاهرة، وفقا للباحث السياسي المصري.

ترتيبات عودة سوريا؟

يقول آل عاتي إن الزيارة تتزامن مع “ظرف مهم آخر”، وهو الاستعداد للقمة العربية التي سوف تنعقد في الرياض الشهر المقبل.

ويشير إلى سعي القاهرة والرياض إلى “إعادة ترميم ومد جسور التواصل بين الدول العربية”.

وجاء اللقاء لترتيب بدء مشاورات صلح بين عدد من الدول وخاصة سوريا وإعادتها لـ”محيطها العربي” طبقا لرؤية عربية شاملة تأخذ في الاعتبار مصلحة الشعب السوري ووحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، وفقا للمحلل السياسي السعودي.

وحسب آل عاتي فلدى مصر والسعودية “رؤية متوافقة” حول الملف السوري.

وتجري السعودية وسوريا مباحثات تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، بعد قطيعة مستمرة منذ سنوات نتيجة إغلاق الرياض سفارتها في دمشق على خلفية موقفها المناهض للنظام.

وكانت المملكة أغلقت سفارتها في دمشق وسحبت كل الدبلوماسيين والعاملين فيها في مارس 2012، بعد نحو عام من اندلاع النزاع في سوريا حيث دعمت الرياض الجماعات المعارضة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، وفقا لـ”فرانس برس”.

والأحد، قالت ثلاثة مصادر مطلعة إن السعودية تعتزم دعوة الأسد، لحضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في مايو، وهي خطوة من شأنها إنهاء عزلة سوريا الإقليمية رسميا، وفقا لـ”رويترز”.

وقال مصدران إن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 مايو.

من جانبه يؤكد عيد أن اللقاء شهد مباحثات حول كيفية إعادة سوريا للحاضنة العربية، وذلك في ظل التطور السريع بين طهران والرياض من جانب، وكذلك التواصل القوي بين دمشق والقاهرة.

ويستشهد المحلل السياسي المصري بـ” الاتصال الذي جمع بين وزيري خارجية السعودية وإيران بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السوري للقاهرة مؤخرا”، متحدثا عن “زيارة مرتقبة للأسد إلى القاهرة بعد عيد الفطر”.

والسبت، أجرى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، محادثات مع نظيره السوري، فيصل المقداد، الذي وصل القاهرة في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري على هذا المستوى منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي 27 فبراير قام شكري بزيارة إلى دمشق، كانت الأولى منذ عقد، وجاءت بعد أيام من الزلزال الذي أودى بعشرات الآلاف في تركيا وسوريا.

واعقبت تلك الزيارة اتصالا أجراه السيسي مع الأسد إثر الزلزال، كان الأول بين الرجلين منذ تولي السيسي السلطة في مصر عام 2014.

وبخلاف دول عربية عدة، أبقت مصر سفارتها مفتوحة في دمشق طيلة سنوات النزاع، لكنها خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي وعدد أفراد بعثتها، وفقا لـ”فرانس برس”.

وستكون عودة سوريا إلى الجامعة التي تضم في عضويتها 22 دولة بمثابة خطوة رمزية إلى حد كبير، لكنها تعكس تغييرا في النهج الإقليمي تجاه الصراع السوري.

ملفات عربية “عاجلة”

يرى آل عاتي أن المناقشات بين الرئيس المصري وولي العهد السعودي شملت عدة قضايا عربية وعلى رأسها الملف اليمني.

وتقود السعودية تحالفا عسكريا يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في حين تدعم إيران المتمردين الحوثيين الذين استولوا على العاصمة في 2014، وفقا لـ”فرانس برس”.

ولا يزال اليمن منقسما بشكل عميق على أسس إقليمية ومذهبية وسياسية، مع وجود فصائل مسلحة متنافسة بما فيها تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية.

وأحيا الإعلان عن اتفاق تقارب بين السعودية وإيران، التفاؤل بإمكانية الوصول إلى “حل للأزمة اليمنية”.

من جانبه يتحدث عيد عن مناقشات بين الزعيمين بهدف التنسيق المشترك تجاه “ملفات عاجلة” أخرى، ومنها أزمة لبنان ووضعه الاقتصادي الصعب والسياسي الأصعب.

ويشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا يُعتبر الأسوأ في تاريخ البلاد، ويتزامن مع شلل سياسي وفراغ في سدّة الرئاسة جرّاء انقسامات سياسية تمنع انتخاب رئيس للجمهورية منذ نحو خمسة أشهر.

ويرى عيد أن الملف العاجل الثاني هو كيفية دعم السلطة الفلسطينية في ظل التحديات المشتركة التي تواجه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن، حاليا سواء من إسرائيل أو مزايدة بعض الفصائل بغزة عليه.

موقف عربي مشترك؟

ناقش اللقاء كذلك طبيعة العلاقات العربية مع دول الإقليم مثل إسرائيل وإيران وتركيا، وكذلك “الكتل الكبرى” كروسيا والصين والولايات المتحدة، وفقا لحديث آل عاتي.

ويقول المحلل السياسي السعودي إن “مصر والسعودية يقودان المنطقة لتشكيل موقف عربي موحد ومشترك تجاه القضايا الإقليمية والدولية”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى