أثار انتشار “المخدرات المصنّعة” (المخلّقة) في عدد من الدول العربية، خوف السلطات ودفعها إلى التشدد أكثر في مكافحة هذه الآفة وطرق تهريبها المختلفة، وخصوصا حبوب الكبتاغون والشبو، التي غزت عدة دول عربية وتغلغلت فيها، فما هي هذه “الأنواع المصنعة”، وما تأثيرها على صحة المدمنين والمجتمع؟
الكبتاغون
في الأصل، لم يكن الكبتاغون سوى إحدى التسميات لمادة الفينيثلين، أحد أنواع الأمفيتامينات المحفزة، وقد طرح في الأسواق للمرة الأولى من شركة شيميفرك هامبورغ في العام 1961، وفقا لـ”فرانس برس”.
ونال العقار براءة اختراع وبات يوصف لعلاج اضطراب نقص الحركة وفرط الانتباه، كما النوم القهري، وإلى حد ما أيضا لعلاج الاكتئاب.
ويستخدم “الأمفيتامين” كدواء لعلاج “اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والخدار، واضطراب النوم”، وفقا لـ”معاهد الصحة الوطنية الأميركية”.
صورة تعبيرية لشخص يعرض مخدر الكبتاغون
في العام 1981تم إدراجه من منظمة الصحة العالمية كإحدى المواد ذات المؤثرات العقلية، وذلك برغم محدودية استهلاكه لأغراض غير طبية في حينه.
في العام 1986، تم حظر استخدام الكبتاغون في غالبية الدول، وباتت حبوب الكبتاغون تصنع بشكل غير شرعي في البداية في ما كان يُعرف بيوغوسلافيا، كما في بلغاريا.
وخلال السنوات الماضية، انتشر مخدر الكبتاغون على نطاق واسع في الشرق الأوسط وباتت اليوم المخدر الأول على صعيد التصنيع والتهريب وحتى الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وفقا لـ”فرانس برس”.
الشبو
بلورات الميثامفيتامين
مخدر يتم تصنيعه من مادة “الميثافيتامين” والتي تعد من “المنبهات القوية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي”، وتزيد تلك المادة من كمية الدوبامين الكيميائي الطبيعي في الدماغ، وهو ما يؤدي في النهاية للإصابة بالإدمان، حسب “معاهد الصحة الوطنية الأميركية”.
وتؤدي مادة ” الميثافيتامين” إلى فقدان المتعاطي الارتباط بالواقع والانفصال عنه وتزيد من حدة العنف لديه، وتقوده للإصابة بأمراض “الفصام وجنون العظمة والارتياب الشديد بالآخرين والهلاوس السمعية والبصرية”، وفقا للمصدر ذاته.
وتعرف تلك المادة بعدة مسميات منها “الكريستال ميث والشبو والسابو والثلج والغلاس ميث”، وقد تأتي على شكل مسحوق أبيض أو حبوب وأقراص.
وتعد من المواد المخدرة المسببة للإدمان “من أول جرعة” وتقود متعاطيها إلى الموت أحيانا، وفقا لـ”هيئة مكافحة المخدرات السعودية”.
التأثير الصحي
يشير المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، الدكتور محمد علي عز العرب، إلى “تسبب المخدرين في زيادة نشاط الجهاز العصبي وتعزيز الشعور بالقوة الجسدية”
وفي تصريحات يتحدث عن التأثيرات الجسدية لتلك المخدرات مثل “فقدان الحركة والتركيز والتشنجات نوبات هياج غير مبررة لا يستطيع المتعاطي التحكم بها”، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتات الدماغية والوفاة أحيانا.
ويعد الشبو أكثر خطورة من الكبتاغون، ولديه القدرة على التسبب في الإدمان أكثر ثلاث مرات من الكوكايين، وفقا لحديث عز العرب.
تداعيات عقلية “كارثية”
يشير مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في مصر، الدكتور عمرو عثمان، إلى التداعيات العقلية لتلك المخدرات المصنعة على الإنسان.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يتطرق إلى انتشار تلك المخدرات وعلى رأسها “الشبو والكبتاغون” في العالم بأكمله بالتزامن مع جائحة كورونا، بسبب “توقف مسارات التهريب بالتزامن مع الإغلاق العام”.
ولجأ بعض المروجين إلى “التركيز على تصنيع هذه المخدرات”، ومن هنا ظهرت تلك المشكلة حول العالم وكانت مصر ودول الخليج من المتأثرين والمتضررين من ذلك وفقا لحديث عثمان.
ويتحدث عن الأضرار الوخيمة للشبو والذي يعد من المنشطات التي تزيد السلوك العدواني عند المتعاطي ويؤدي إلى ارتكاب الشخص للجريمة بـ”دم بارد” ويفتخر بها في بعض الأوقات.
ويشير إلى الصلة الوثيقة بين تعاطي “الشبو” وزيادة الإضرابات والأمراض النفسية.
وفي نوفمبر من العام الماضي، صدم الرأي العام المصري، بجريمة بشعة وثقتها “كاميرات المراقبة” في محافظة الإسماعيلية، عندما أقدم شخص على ذبح آخر، وقطع رأسه باستخدام الساطور وحملها وسار بها في الشارع، وفقا لـ”وسائل إعلام مصرية”.
وأشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن القاتل كان يتعاطى مخدر “الشبو”، الذي يعد واحدا من أخطر أنواع المخدرات المصنعة وأكثرها تأثيرا على الجهاز العصبي.
لماذا انتشرت الفترة الأخيرة؟
يربط أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، بين انتشار تلك الأنواع الجديدة من المخدرات في عدد من الدول العربية خلال الفترة الماضية، وظهور جرائم “مستحدثة” تهدد أمن وسلامة المجتمع.
ويتحدث عن أسباب متنوعة لانتشارها، قائلا: “هناك وسط عمالي يستخدمها ليتحمل العمل لساعات طويلة ويكسب أموالا أكثر، وهناك من يعتقد أنها ستحسن من آداءه الجنسي، وآخرين ينجذبون لها من باب التجربة والفضول ومجاراة الأصدقاء المدمنين”.
ويتم تهريب تلك المخدرات من دول منهارة اقتصادية ومنبوذة دوليا، وتقوم سلطات تلك الدول بـ”التغاضي عن عمليات تهريب تلك المخدرات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية” من منطلق “عليا وعلى أعدائي”، وفقا لحديث صادق.
وباتت سوريا المصنع الأساسي لحبوب الكبتاغون، يليها لبنان، ويجري تصنيع مئات ملايين الحبوب سنوياً في البلدين، وتقدّر قيمتها السنوية بمليارات الدولارات، وفقا لـ”فرانس برس”.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
يرصد الدكتور عثمان “انتشار الشبو بشكل خاص بين الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 25 عاما”، مشيرا إلى “تداعيات ذلك على المجتمع ككل”.
ويحذر الدكتور عز العرب من انتشار الكبتاغون بشكل خاص بين “فئة الشباب” الذين يستخدمونه كحبوب للاحتفال وزيادة الطاقة الجنسية.
ويشير صادق إلى “رخص ثمن تلك المخدرات”، ما يدفع المدمنين للاتجاه لها كبديل عن الأنواع التقليدية التى ارتفع سعرها، واصفا انتشارها بين الشباب والطبقة العاملة بـ”كارثة مجتمعية”.
وحسب صادق فأن تلك المخدرات المخلقة تحول المجتمع من “صحي منتج إلى مريض خامل لا يرجى منه أي فائدة”، على حد تعبيره.
تداعيات مستقبلية خطيرة
يتحدث عثمان عن “تداعيات مستقبلية خطيرة” لتلك المخدرات، بانتشار “الجرائم غير المبررة” وزيادة نسبة العنف داخل المجتمع.
ويشير عز العرب إلى “تأثيرات ضارة” لتلك المخدرات المصنعة على المتعاطي والمجتمع عامة في ظل “سهولة تصنيعها والحصول عليها”.
ويؤكد سعيد صادق أن تلك المخدرات “ترفع مستوى الجريمة وتوحشها داخل المجتمع”، لأن المدمن “يمكن أن يقتل الأبرياء كقربان لمزاجه الخاص”، على حد تعبيره.
ويشدد سعيد صادق على أهمية توعية وتحذير الشباب من تلك المخدرات حفاظا على حياتهم ومستقبلهم وحياة الآخرين، مطالبا بـ”توفير مراكز صحية للعلاج وتنشيط مكاتب التوعية الاجتماعية في المدارس والجامعات والمصانع”.
ويشير إلى ضرورة استهداف المهربين والمنتجين بعقوبات أشد ومصادرة جميع أموالهم، وتعزيز الدول لإجراءات تأمين حدودها.