تاريخ نسوي إيراني طويل في معارضة الحجاب
قبل قرن أو أكثر كان الحجاب الصارم يقتصر إلى حد كبير على الطبقات العليا في إيران.
تسلقت شابة سيارة في وسط مدينة مشهد الإيرانية المحافظة المعروفة بأضرحتها الإسلامية، وخلعت المرأة حجابها ورددت “الموت للدكتاتور!”، وعلت معها أصوات المتظاهرين وزمامير السيارات دعما.
وقالت فاطمة شمس التي نشأت في مشهد إنها صورة لم يكن من الممكن بالنسبة للعديد من النساء الإيرانيات تصورها قبل عقد.
وتابعت “عندما ترى مشهد نساء يخرجن إلى الشوارع ويحرقن حجابهن علنا، فهذا تغيير ثوري حقا. تضع المرأة الإيرانية اليوم حدا للحجاب الإجباري”.
وشهدت إيران اندلاع عدة احتجاجات على مدى السنوات الماضية، وأجج الغضب من الصعوبات الاقتصادية الكثير منها. لكن الموجة الجديدة تظهر الغضب تجاه عنصر في قلب هوية الدولة التي يقودها رجال الدين في إيران: الحجاب الإجباري.
الحكام في إيران يخشون أن يعرض الاستسلام لنزع الحجاب الجمهورية الإسلامية البالغة من العمر 44 عاما للخطر
ولطالما لعبت العديد من النساء الإيرانيات، وخاصة في المدن الكبرى، لعبة القط والفأر مع السلطات، حيث ترتدي الأجيال الشابة أوشحة وأزياء فضفاضة تتجاوز حدود اللباس المحافظ.
لكن هذه اللعبة يمكن أن تنتهي بمأساة، حيث ألقت شرطة الآداب القبض على مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما في العاصمة طهران وتوفيت في الحجز. وأثار موتها ما يقرب من أسبوعين من الاضطرابات التي امتدت إلى جميع أنحاء المحافظات الإيرانية، ودفعت بالطلاب والعمال من الطبقة الوسطى ورجال ونساء الطبقة العاملة إلى الشوارع.
وأشار التلفزيون الإيراني الرسمي إلى مقتل ما لا يقل عن 41 متظاهرا وشرطيا منذ بدء الاحتجاجات. وأفادت وكالة أسوشيتد برس بوقوع 13 قتيلا على الأقل مع اعتقال أكثر من 1400 متظاهر.
وقالت شابة في طهران، ذكرت أنها شاركت باستمرار في احتجاجات الأسبوع الماضي في العاصمة، إن الرد العنيف لقوات الأمن قلل من حجم التظاهرات إلى حد كبير.
وأضافت، شريطة عدم الكشف عن هويتها، “لا يزال الناس يأتون إلى الشوارع ليجدوا مترا واحدا من المساحة للتعبير عن غضبهم، لكنهم يتعرضون فورا للمطاردة والعنف والضرب والاعتقال. لذلك، فهم يحاولون التعبئة في مجموعات من أربعة إلى خمسة أشخاص ويتظاهرون بمجرد أن تسنح الفرصة”.
واعتبرت أن “أهم احتجاج للنساء الإيرانيات الآن هو خلع الحجاب وحرقه. هذه حركة نسائية أولا وقبل كل شيء، والرجال يدعمونها في الخط الخلفي”.
وشاركت الكاتبة والناشطة الحقوقية شمس منذ أيام دراستها في جامعة طهران في الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة سنة 2009، قبل أن تضطر إلى الفرار من إيران، لكنها قالت إن هذه المرة مختلفة.
وصرّحت شمس، التي تعيش الآن في الولايات المتحدة، بأن موجات القمع العنيف ضد الاحتجاجات في السنوات الـ13 الماضية “خيّبت أمل الطبقات التقليدية في المجتمع”، بعد أن كانت ذات يوم عمود البلاد الفقري.
وقالت إن حقيقة وجود احتجاجات في مدن محافظة مثل مشهد وقم، التي تعدّ المركز التاريخي لرجال الدين في إيران، كانت غير مسبوقة. وأضافت “أستيقظ كل صباح أتساءل، هل يحدث هذا بالفعل؟ هل أن النساء ينزعن الحجاب؟”.
كان التاريخ الإيراني الحديث مليئا بالتقلبات والمنعطفات غير المتوقعة.
لعبة القط والفأر مع السلطات منذ 1979
وتتذكر النساء الإيرانيات اللاتي نشأن قبل الإطاحة بالنظام الملكي في 1979 دولة كن يتمتعن فيها بحرية اختيار ملابسهن إلى حد كبير.
وشارك أبناء الشعب من جميع الأطياف، من اليساريين إلى المتشددين الدينيين، في الثورة التي أطاحت بالشاه. لكن روح الله الخميني وأتباعه هم الذين تمكنوا من الاستيلاء على السلطة وإقامة دولة إسلامية يقودها رجل دين شيعي في النهاية.
وأعلن الخميني في السابع من مارس 1979 أنه يجب على جميع النساء ارتداء الحجاب. وخرجت عشرات الآلاف من النساء غير المحجبات في مسيرة احتجاجية في اليوم التالي الذي صادف اليوم العالمي للمرأة.
وقالت سوزان ميبود، التي شاركت في تلك المسيرات وكانت تعمل مساعدة إخبارية في الصحافة الأجنبية، “لقد كانت بالفعل أول حركة معادية للثورة. لم يكن الأمر يتعلق بالحجاب فقط، لأننا كنا نعرف ما هو التالي، وهو سلب حقوق المرأة”. وأشارت إلى أنها لم تكن تمتلك حجابا في ذلك الوقت.
وتابعت “ليس ما ترونه اليوم شيئا حدث للتو. يوجد تاريخ طويل من احتجاج النساء وتحدي السلطة في إيران”.
ويعتبر المؤرخ الإيراني والأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية روهام ألفاندي الحجاب “جاذب صواعق المعارضة”، فهو “يجسّد قدرة السلطة على الوصول إلى الجوانب الأكثر خصوصية وحميمية في حياة الإيرانيين والسيطرة عليها”.
وقبل قرن أو أكثر، كان الحجاب الصارم يقتصر إلى حد كبير على الطبقات العليا في إيران. وقالت الناشطة الإيرانية إيشا مؤمني، وهي باحثة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، إن معظم النساء كن يعملن في المناطق الريفية، “ولم يكن الحجاب ممكنا تماما” بالنسبة لهن.
وارتدت العديد من النساء “الروساري” أو الحجاب غير الرسمي الذي كان “جزءا من الملابس التقليدية وليس له معنى ديني للغاية”.
إيران شهدت اندلاع عدة احتجاجات على مدى السنوات الماضية. لكن الموجة الجديدة تظهر الغضب تجاه عنصر في قلب هوية الدولة التي يقودها رجال الدين: الحجاب الإجباري