ما هي الفوبيا من القيادة وكيف يمكن علاجها؟

ماذا لو أخبرتك أن هناك قادة يخشون القيادة؟ ليس لأنهم يفتقرون للمهارات، بل لأن فكرة اتخاذ القرار، مواجهة التحديات، وتحمل المسؤولية تثير فيهم قلقاً يشبه الوقوف على حافة هاوية! قد تبدو القيادة للبعض قوة وسلطة، لكنها لآخرين اختبار مستمر للخوف من الفشل، من المواجهة، من أن يكونوا محط الأنظار. فهل يمكن أن تكون فوبيا القيادة هي العدو الخفي الذي يمنعك من التألق؟ وهل يولد القادة بالفطرة، أم أن القيادة مهارة تُكتسب وتُروَّض كما يُروَّض الخوف نفسه؟ حان الوقت لنفكك هذا اللغز ونعيد تعريف مفهوم القيادة بعيداً عن الصورة النمطية، ونكتشف كيف تتحول من متردد يهرب من الأضواء إلى قائد يصنع الفرق من دون أن يطارد شبح الفشل، وفقاً لما تقدمه الدكتورة نهال عقيل، أستاذة الأدب والنقد من جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل – الدمام.
تعريف الفوبيا من القيادة وأسبابها الرئيسية
-
ما هي فوبيا القيادة؟ ولماذا تصيب حتى أكثر الأشخاص كفاءة؟
القيادة.. مسؤولية أم محاكمة؟
عندما تصبح قراراتك هي التي تحدد مصير الفريق، قد تشعر وكأنك في قاعة محكمة لا اجتماع عمل. القائد ليس مجرد شخص يوجّه الآخرين، بل هو من يضع توقيعه على كل قرار، مما يجعله عرضة للمساءلة والمحاسبة. وهذا هو جوهر الفوبيا من القيادة، فالشعور بأن أي خطوة خاطئة ليست مجرد خطأ، بل حكم بالإدانة. لهذا، نجد أن بعض الأشخاص يهربون من القيادة حتى لو كانوا مؤهلين لها، فقط لأنهم يخشون وضع أنفسهم تحت المجهر، حيث تصبح كل كلمة، كل خيار، وكل لحظة تحت التدقيق المستمر.
متلازمة “ماذا لو؟” التي لا ترحم
في عالم القيادة، الأسئلة لا تتوقف، لكنها ليست بالضرورة أسئلة بنّاءة. العقل يمتلئ بمتاهة من الافتراضات السلبية التي تزداد تعقيداً كلما اقترب الشخص من اتخاذ قرار. ماذا لو كان هذا القرار خاطئاً وانهار المشروع؟ ماذا لو فقد الفريق ثقته بي؟ ماذا لو اكتشف الجميع أنني لا أستحق هذا المنصب؟ هذه الأسئلة ليست مجرّد وساوس عابرة، بل هي المحرك الأساسي لفوبيا القيادة، حيث يصبح العقل أشبه بمختبر لسيناريوهات الفشل المحتملة، مما يشلّ القدرة على اتخاذ خطوات واثقة. والمفارقة العجيبة هنا أن التردد خوفاً من الخطأ، هو في حد ذاته أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه القائد.
الخوف من المواجهة.. القيادة ليست للجميع؟
هناك فرق شاسع بين أن تكون محبوباً وبين أن تكون قائداً. البعض يفضّل أن يكون محبوباً أكثر من أن يكون قائداً، لأن القيادة تعني اتخاذ قرارات قد لا تعجب الجميع، وتعني أحياناً أن تكون الشخص الذي يقول “لا” عندما يتوقع الآخرون “نعم”. فالقائد الحقيقي يعرف أن المواجهة جزء من دوره، لكن من يعاني من فوبيا القيادة يرى فيها معركة استنزاف، حيث يكون الصدام مع الآخرين أكبر مخاوفه، والخوف من خسارة القبول الاجتماعي يفوق رغبته في اتخاذ القرار الصحيح. لهذا، تجده يختبئ وراء التأجيل، ويفوّض سلطته لمن حوله، ظناً منه أن تجنب المواجهة يحميه، لكنه في الحقيقة يحرمه من أبسط مقومات القيادة “القدرة على التأثير واتخاذ القرارات الجريئة”.
عندما يصبح الكمال عدواً خفياً
أغرب ما في فوبيا القيادة أنها تصيب الأشخاص الأكثر كفاءة، ليس لأنهم غير قادرين، بل لأنهم يريدون أن يكونوا قادة مثاليين، بقرارات لا تشوبها شائبة، وخطط لا تحتمل الخطأ. هؤلاء يعتقدون أن أي خلل في قراراتهم يعني أنهم ليسوا جيدين بما يكفي، لذلك يظلون عالقين في مرحلة التحليل، يبحثون عن القرار المثالي، التوقيت المثالي، والخطوة المثالية، والتي قد لا تأتي أبداً. المشكلة هنا أن المثالية في القيادة ليست ميزة، بل فخاً يجعل صاحبه متردداً وغير قادر على التقدّم. القائد الحقيقي لا يبحث عن القرار المثالي، بل يعرف كيف يتعامل مع النتائج غير المتوقعة، وكيف يتعلم من الأخطاء بدلاً من أن يخشاها.
كيف تؤثر فوبيا القيادة على الحياة المهنية والشخصية؟
الفرص تضيع قبل أن تبدأ
الشخص الذي يعاني من فوبيا القيادة غالباً ما يتردد في قبول الترقيات، أو يخشى تحمل مسؤوليات أكبر، مما يجعله عالقاً في نفس الموقع الوظيفي لسنوات. قد تكون لديه المهارات والمعرفة، لكنه يفضل البقاء في الظل بدلاً من مواجهة تحديات القيادة. ونتيجة لذلك، تتراجع فرصه في التقدم، بينما يشق الآخرون طريقهم نحو القمة بثقة.
تراجع الثقة بالنفس وتأثير الدائرة المغلقة
الخوف من القيادة لا يبقى محصوراً في بيئة العمل، بل يمتد إلى الحياة الشخصية، حيث يترسخ شعور بالعجز والتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة، سواء في العلاقات الاجتماعية أو الأمور الحياتية اليومية. هذا التردد يخلق دائرة مغلقة: كلما تهرّب الشخص من المسؤولية، زادت قناعته بأنه غير قادر على القيادة، مما يجعله أكثر انسحاباً وضعفاً أمام التحديات.
فقدان القدرة على التأثير وصناعة الفرق
القيادة لا تعني فقط التحكم بالفريق، بل هي القدرة على إلهام الآخرين وترك بصمة واضحة في أي مجال. الأشخاص الذين يعانون من فوبيا القيادة قد يكونون أصحاب أفكار رائعة، لكن خوفهم من تحمل زمام الأمور يجعلهم مجرد متابعين، لا صناع تغيير. ومع مرور الوقت، يشعرون أنهم بلا تأثير حقيقي، مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الشغف تجاه العمل والحياة.
التقنيات النفسية للتغلب على الخوف من القيادة





