خطوة صغيرة خارج القفص المفتوح

بقلم/شيماء المرزوقي

من المفارقات النفسية اللافتة أننا نشتكي من الملل والروتين، ونعلن رغبتنا في التغيير، لكننا في اللحظة ذاتها، نتمسك بنمط حياتنا المعتاد ونتردد أمام أي خطوة جديدة. لماذا نميل إلى البقاء داخل «منطقة الراحة»، حتى عندما لا نشعر بالسعادة فيها فعلياً؟ أحد التفسيرات النفسية لهذا السلوك هو ما يعرف بانحياز الوضع القائم، وهو ميل الإنسان الطبيعي إلى تفضيل الحالة الراهنة وتجنب التغيير، حتى في الحالات التي تكون فيها البدائل موضوعياً أفضل.
في دراسة نُشرت عام 1988 في مجلة Journal of Risk and Uncertainty، أجرى الباحثان ويليام صامويلسون، وريتشارد زيكهاوزر، سلسلة من التجارب أظهرت أن المشاركين كانوا أكثر ميلاً لاختيار الخيارات التي تبقي الأمور على حالها، على حساب فرص أفضل، ولكنها تنطوي على تغيير. وقد فسّرت الدراسة ذلك بأن الدماغ البشري يتعامل مع التغيير كنوع من «الخطر الغامض»، ويفضّل تجنبه حفاظاً على التوازن العاطفي.
لكن هذه النزعة ليست فقط بدافع الخوف، فالروتين يمنح الإنسان شعوراً بالاستقرار والهوية. نعرف من نكون حين نعرف ماذا نفعل كل يوم. وكأن كسر العادة يُربك هذا الإحساس ويُثير أسئلة ثقيلة: ماذا لو فشلنا؟ ماذا لو كان الجديد أسوأ من الحالي؟ ومن هنا يصبح الروتين أشبه بقفص مفتوح لا أحد يُجبرك على البقاء فيه، لكنك أيضاً لا تجرؤ بسهولة على مغادرته. قد تشتكي من ضيق المساحة، لكنك في الوقت ذاته تخشى المجهول خارج الأسوار.
ومع ذلك، ليس الروتين عدواً بالضرورة. يمكن أن يكون حليفاً إذا تعاملنا معه بوعي. الفارق الجوهري بين «العادة المفيدة» و«القيد الخانق» هو أن نعرف لماذا نكرر ما نفعله، وهل ما زال يخدمنا أم أصبح مجرد مألوف.
التغيير لا يحتاج دائماً إلى قرارات جذرية. أحياناً، لمسة صغيرة تكفي لتجديد الإيقاع: تعديل وقت الاستيقاظ، تغيير ترتيب المكتب، أو المشي في طريق مختلف. هذه التفاصيل البسيطة تُرسل إشارات إلى العقل بالتجديد، دون تهديد شعوره بالأمان.
في النهاية، الروتين يصبح مشكلة فقط عندما يتحول من وسيلة للراحة إلى حائط يمنعنا من النمو. وإذا كنا نبحث عن حياة أكثر اتساعاً، فقد يكون أول مفتاح هو الخروج، ولو بخطوة صغيرة، من ذلك القفص المفتوح.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى