للآباء: أسباب عزلة المراهق ومتى يجب التدخل؟

في زحام الحياة الرقمية، وبين ضغوط الدراسة وتغيّرات الجسد والنفس، ينسحب بعض المراهقين تدريجياً من دوائر الضوء إلى زوايا مظلمة من العزلة والانطواء. ولأنهم لا يرفعون صوتهم، ولا يطلبون النجدة؛ فإن إشارات الخطر تمُر أمام أعيننا معتقدين أنها اضطراب مزاج أو مجرد حاجة للهدوء، بينما الحقيقة أن الانطواء والعزلة في حياة المراهق، قد تكون استغاثة صامتة، أو جرس إنذار مبكر لاضطرابات نفسية أكثر خطورة، إذا لم تُفهم مبكراً.
في هذا التقرير التحذيري، نُبحر فيما وراء تلك العزلة، مع الدكتور وائل السعدني أستاذ الطب النفسي، الذي يفسر سلوك المراهق، ويقدّم للأهل والمعلمين دليلاً لفهم هذه الإشارات الصامتة قبل أن تتزايد.
العزلة الطبيعية والعزلة الخطرة

كل إنسان يحتاج في أوقات معيّنة إلى بعض الخصوصية والانفصال المؤقت عن الضجيج، وهذا له أهميته للمراهق تحديداً، إذن العزلة ليست دائماً أمراً سلبياً.
وكثيراً ما تحدث للمراهق، بسبب التقلبات الهرمونية والتغيّرات النفسية، أن يجلس بمفرده للاستماع للموسيقى، أو الانغماس في أفكاره، وهذا يبدو سلوكاً طبيعياً.
العزلة الخطرة تكون: حين تطول المدة، أو تختفي الابتسامة، ويصبح الانطواء هو القاعدة، لا الاستثناء، والعزلة تكون خطرة كذلك حين يبتعد المراهق عن: أصدقائه، أسرته، وهواياته المفضلة.
وحالةَ كلامه عن عدم جدوى الحياة، أو حين يرفض التواصل نهائياً، وهنا لا تكون العزلة وقتاً مقتطعاً للراحة؛ بل تكون علامة تحذيرية على معاناة داخلية للمراهق، قد تصل لحد الاكتئاب أو اضطرابات القلق.
أسباب عزلة وانطواء المراهق

الأسباب كثيرة، وتختلف من مراهق لآخر، لكنها تتلخص في:
-
الخوف من الرفض أو السخرية: قد يكون المراهق حساساً للنقد أو التنمر؛ خاصة إذا كان قد تعرّض من قبلُ للسخرية من مظهره، صوته، أو نوعية اهتماماته.
-
مشاكل أسرية: أجواء البيت المشحونة، غياب الحوار، أو الانفصال بين الوالدين، قد تدفع المراهق إلى الانغلاق كوسيلة دفاع.
-
الفشل أو الضغط الدراسي: شعور المراهق بأنه لا يحقق التوقعات، أو استمرار مقارنة الأهل بينه وبين أقرانه؛ مما يضعه تحت ضغط يدفعه للانسحاب.
-
التعلق المفرط بالعالم الرقمي: السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية تعزل المراهق عن التفاعل الواقعي، وتخلق عوالم بديلة قد يفضّلها عن الواقع.
-
اكتئاب أو اضطراب نفسي ناشئ: قد تكون العزلة عَرَضاً لمرض نفسي في بداياته، كالاكتئاب أو القلق الاجتماعي أو حتى بداية اضطراب الشخصية.
إشارات الإنذار المبكرة

من المهم أن يكون الأهل والمربون واعين للإشارات التالية:
-
تغيّر مفاجئ في السلوك، من طفل اجتماعي إلى مراهق صامت.
-
فقدان الشغف، بمعنى العزوف عن الأنشطة المفضلة سابقاً.
-
النوم المفرط أو الأرق، التهرب من المناسبات الاجتماعية أو المدرسة.
-
كلام سلبي عن الذات أو الحياة، أو الانعزال في الغرفة لساعات طويلة من دون تفاعُل.
كل واحدة من هذه العلامات قد تكون طبيعية إن حدثت لمرة أو اثنتين، لكن تكرارها أو ترافقها مع تغيّرات مزاجية حادة؛ فهي تُعتبر مؤشرَ خطرٍ.
احتياجات المراهق المنعزل
في الغالب لا يحتاج إلى نصائح جاهزة أو لومٍ؛ بل إلى:
-
الاحتواء من دون إلحاح: لا تجبريه على الكلام، لكن افتحي باب الحديث من دون حكم.
-
الإنصات بصدق: استمعي إلى ما خلف الكلمات، وافهمي مشاعره لا فقط كلماته.
-
الاحترام: احترمي رغبته في المساحة الخاصة، لكن لا تتركيه يغرق فيها.
-
تعزيز الثقة بالنفس: وتشجيعه على الاهتمام بشيء يحبّه، ولو صغيراً.
العزلة والانطواء بسبب الشاشات الإلكترونية
