في زمن تسارعت فيه وتيرة الحياة، وتقدمت فيه التكنولوجيا حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من يومياتنا، بات من المهم أن نتوقف قليلاً لنعيد التوازن إلى حياتنا، وننظر في أهمية صلة الرحم والتجمعات الأسرية، فهذه العلاقات ليست مجرد عادة قديمة، بل قيمة عظيمة تعزز التواصل، وتقوي الروابط، وتبني مجتمعاً متماسكاً.
صلة الرحم تعني الحفاظ على علاقة قوية بين أفراد الأسرة، كزيارة الأقارب، والسؤال عن أحوالهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ودعمهم وقت الحاجة، وهذا لا ينعكس على سعادة الفرد فقط، بل يخلق بيئة صحية ملأى بالحب والرحمة والاحترام. وصلة الرحم لا تقتصر على التواصل عبر الهاتف أو مواقع التواصل، بل تمتد إلى اللقاءات، وتبادل الزيارات.
ومن أهم العادات التي يجب أن نحافظ عليها التجمعات الأسرية، خاصة في عطلات نهاية الأسبوع، والأعياد، والمناسبات، فهذه التجمعات لا توفر لحظات جميلة وذكريات لا تنسى وحسب، بل تعلم الأجيال الجديدة الكثير من القيم، مثل الاحترام، والاهتمام بالآخرين. والطفل الذي يكبر وسط أسرة متحابة ومترابطة سيكون أكثر توازناً، وأقوى نفسياً، وأفضل في تعامله مع الناس.
ومن الجميل، كذلك، أن تكون هذه التجمعات فرصة لتعليم السنع الإماراتي، وهو مجموعة من القيم والسلوكيات الأصيلة التي تميز مجتمع الإمارات، مثل احترام الكبير، وحسن الاستقبال، والكرم، والالتزام بالعادات والتقاليد.. ويمكن أن يكون ذلك طبيعياً وعفوياً عبر الحوار، والمواقف اليومية، وملاحظة الأطفال لتصرفات الكبار.
هنا يأتي دور الآباء والأمهات في تعويد الأبناء على المشاركة في هذه الزيارات، فمن المهم أن يشجع الأب أبناءه على مرافقة الكبار في زيارات المجالس، والتعرف إلى عادات التواصل والضيافة، ومتى يتحدث ومتى يصمت، وكيف يكون حسن الاستماع.
كما يجب أن تشارك البنات في الزيارات الاجتماعية، سواء الأفراح أو التعازي أو التهاني، حتى يتعلمن كيف يتفاعلن مع الآخرين، ويقدمن الدعم الاجتماعي، ويشعرن بقيمة الأسرة والمجتمع.
ولا ننسى هنا التحدي الأكبر في زمننا، وهو الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية، وأصبح الكثير من الشباب والأطفال يقضون ساعات طويلة على هواتفهم أو أجهزتهم اللوحية، ينعزلون عن الأسرة، ويبتعدون عن العالم الحقيقي، وهذا يخلق فجوة بينهم وبين أقرب الناس إليهم.
لذا، من المهم أن نعلّم أبناءنا أن الحياة ليست شاشة صغيرة فقط، بل مشاعر، وعلاقات، وقصص حقيقية تبنى في المجالس والمناسبات والتواصل.
الحفاظ على صلة الرحم والعادات الأصيلة مسؤولية جماعية، تبدأ من الأسرة وتصل إلى المجتمع، لنحافظ على هذه القيم، ولنعلم أبناءنا أن الجلوس مع الجدّ والجدّة لا يقل أهمية عن أي تطبيق أو لعبة، والكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة لا يمكن أن نستبدل بها أي رسالة نصية.