في ما مضي، كان الحصول على معلومة صغيرة وتوثيق مرجعها، لتضمينها بحثاً علمياً، أو مقالة أو نحوها، يتطلب التوجه نحو المكتبة، وقد تجد الكتاب، الذي يضم تلك المعلومة وقد لا تجده. وهو ما يعني التوجه نحو مكتبة أخرى، ثم بعد أن تجد الكتاب المطلوب، قد لا تجد المعلومة التي تبحث عنها.
في عصرنا، الوضع تغير تماماً، حيث أصبحت المكتبات رقمية إلكترونية، حاضرة تضم بين جنبتاها آلاف العناوين من الكتب، بل ملايين.
ثم دخلنا في حقبة الذكاء الاصطناعي، الذي بات يبحث ويعطيك المعلومات، وفق ما ترغب فيه، ويعطي معها المصادر والمراجع الموثقة، فلم تعد تنقصنا المعرفة أياً كان نوعها ولا درجة صعوباتها.
والسؤال البديهي: هل قادتنا هذه الوفرة المعرفية إلى آفاق جديدة من الابتكار والإبداع؟ لأن هناك من يقول إن هذه التقنيات أدت إلى تراجع معرفي، بل جعلت من الجهد العقلي أقل تفاعلاً، وأكثر بطئاً.
من دون شك أنه لا يمكن رفض التقنيات الحديثة، بحجة أنها همشت العقل البشري، لأنها، كما هو واضح، أسهمت أيضاً في تحفيز وتطوير الابتكار، خاصة في مجالات العلوم والتقنية. أظهرت دراسة نشرتها مجلة: «Nature Human Behavior» عام 2022، «أن الباحثين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والربط بين الأفكار، كانوا أكثر إنتاجاً للأفكار الجديدة بنسبة 25% موازنة بمن لا يستخدمونها، خاصة في فرق العمل متعددة التخصصات».
لكن أيضاً هناك دَوَاعٍ إلى المزيد من القلق، وهذا نبهت إليه دراسة شاملة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2021 بعنوان: «The Cognitive Impacts of Digital Overload» وجدت «أن الاعتماد المفرط على الأدوات الرقمية للحصول على المعلومات قد يؤدي إلى ما يسميه الباحثون «تآكل الذاكرة العاملة»، وهو ضعف في قدرة الدماغ على معالجة وتخزين المعلومات بسبب الاعتماد المستمر على مصادر خارجية كالهواتف والذكاء الاصطناعي».
نحن نحتاج إلى هذه التقنيات من دون شك، لكننا نحتاج بموازاتها إلى التطور في التفكير النقدي، نحتاج إلى العقل المفكر، لأن المعرفة الحقيقية لا تقاس بسرعة الحصول عليها، بل بالقدرة على فهمها، وتحويلها إلى أدوات لصنع واقع أفضل.