تنظيم العلاقة بين الذاكرة والآلة

بقلم/شيماء المرزوقي

دون شك أن دخول الذكاء الاصطناعي، وتمكنه في مدة وجيزة من التأثير البالغ في حياة الناس، كانا واضحين وملموسين، ويتوقع أن يمتد مثل هذا التأثير ويتوسع أكثر. وكما هو معروف، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستؤثر في الكثير من المنتجات وطرق العمل، والمهارات، والمعارف. وإذا توقف عند المعرفة، تحديداً، فإن التأثير سيكون في إنتاجها وتداولها ودقتها وموضوعاتها وفائدتها، والكثير من الجوانب المتعلقة بها، ولكن أهم تأثير يتعلق بسرعة الوصول للمعلومات، ومعها يتوقع أن تكون هناك إعادة لتشكيل مفهوم الإبداع، أو ما يعرف بالثقافة، سواء في التراث أو في الحاضر أو في المستقبل.
الذكاء الاصطناعي أوجد أدوات تحليلية متطورة، مكنت الباحثين وصنّاع القرار من فهم الثقافة وتوجهها، ومسيرتها، ونموها، وتأثيرها. مساهمة الذكاء الاصطناعي اتضحت في قدرته على استخدام الخوارزميات لتحليل النصوص والبيانات الضخمة، وهذه الخاصية، تحديداً، فتحت آفاقاً واسعة جداً لفهم ظواهر اجتماعية وثقافية غير مسبوقة. على الجانب الآخر، وفي ما يتعلق بالتراث الثقافي، أو التراث بصفة عامة، تمكن الذكاء الاصطناعي، في مدة وجيزة، من رقمنة المخطوطات والوثائق التاريخية، وهذا أدى لإتاحة الفرصة للحفاظ عليها ونشرها للجمهور العالمي.
ومع الفوائد العظيمة لتقنية الذكاء الاصطناعي، التي تتطور باستمرار، وبشكل كبير، تبقى تساؤلات حول اللمسة الإنسانية في الإنتاج الثقافي، وهل سيصبح الإنتاج الإبداعي نتيجة لخوارزميات تعتمد على بيانات سابقة دون حضور للعمق العاطفي أو التفكير النقدي، والمشاعر والأحاسيس، وهي الجوانب التي تميز الفنان أو المثقف؟

ولا ننسى الجوانب التي تتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، أو حماية الخصوصية، التي سهّل الذكاء الاصطناعي عمليات انتهاكها بالتقليد، سواء في الفن التشكيلي والنحت، أو في إنتاج الأفلام، وإنتاج المقاطع الموسيقية، وغيرها الكثير.

دون شك أن هناك تحدياً كبيراً يواجهنا في موضوع حماية الهوية الثقافية، لأن الخوارزميات، رغم ذكائها، هي تصمم ويتم بناؤها على بيانات مبرمجة، وهو ما يعني أنها قد تنتج تحيزات ثقافية، أو تقوم بتهميش الهويات الصغيرة. ومع أن هناك من يعتبر أن مستقبل الثقافة في ظل الذكاء الاصطناعي ليس مهدداً، إلا أنه مجال مفتوح وميدان خصب لإعادة التفكير في العلاقة بين الإنسان والإبداع، وبين الذاكرة والآلة، وبين الهوية والتطور والتحديث.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى