مفارقة الاتصال والانفصال

إن مفهوم العزلة الاجتماعية لا يقتصر على الانقطاع الجسدي عن الناس، بل يشمل الانفصال النفسي والعاطفي، لذا، قد تجد أحدهم محاطاً بالناس لكنه يتواصل معهم عبر الشاشات في صورة حشود رقمية، ومعها يصبح التفاعل سطحياً بدلاً من العلاقات العميقة.

إن مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، التي صممت لتقرب المسافات، هي نفسها حاجز قاس وقوي أمام التفاعل الواقعي. من هنا، ظهرت حالات الإدمان على الأجهزة الذكية، والألعاب الإلكترونية، وهو ما يسبب السلوك الانعزالي، فالفرد منغمس تماماً في العالم الافتراضي، بدلاً من التفاعل مع محيطه الاجتماعي من الأهل والأصدقاء.

على مواقع التواصل الاجتماعي تسهل إقامة الصداقات، ولكن يسهل جداً تدميرها بضغطة زر الحظر، أو عدم الرد، وعند التعود على هذا السلوك، يعتقد البعض أنه يمكن نقله إلى العالم الواقعي، فتحدث حالة من التجاهل، وقطع أي وسيلة للتواصل مع الأقارب أو الصحب ونحوهم.

أظهرت دراسة علمية نشرت في دورية: American Journal of Preventive Medicine عام 2017 أن «الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة مشاعر العزلة الاجتماعية، لدى البالغين. وقد شملت الدراسة 1787 مشاركاً تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاماً، وخلصت إلى أن الأفراد الذين يقضون أكثر من ساعتين يومياً على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وإكس، كانوا مرتين إلى ثلاث مرات أكثر عرضة للشعور بالعزلة الاجتماعية موازنة بمن يستخدمونها لمدة أقل».

هذه العزلة قد تتحول إلى مشكلات صحية، مثل الاكتئاب، والقلق، أو الشعور بالفراغ، فضلاً عن ضعف المهارات الاجتماعية خاصة عند الأطفال واليافعين، وانخفاض مستوى التعاطف والتراحم، وهو ما يهدد التماسك الأسري.

صحيح أنه لا يمكن الابتعاد عن التكنولوجيا، لكن العلاقات الاجتماعية هي ما يمنح الحياة معناها، والتواصل الحقيقي هو ما يعيد التوازن النفسي والاجتماعي. يجب أن نوعي ونعلم أطفالنا ألا يكون حضورهم الرقمي على حساب علاقاتهم الحقيقية.

متابعات

إقرأ ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى