أكثر من طريق للمعرفة

بقلم/ باسمة يونس

رغم كل ما واجه الكتاب المسموع من انتقادات وتنبؤات بعدم قدرته على نيل رضا القراء، بات اليوم من أبرز الظواهر الثقافية الحديثة بإعادته تعريف علاقة الكثيرين بالقراءة وإتاحة فرص جديدة للوصول إلى المعرفة والتسلية بأبسط الطرق. ويمكن القول إن الكتاب المسموع الذي كان معروفاً منذ ثلاثينات القرن العشرين ضمن نطاق التعليم فقط، بات اليوم عنصراً أساسياً في المشهد الثقافي المعاصر بتوفيره تجربة جديدة للقراءة تناسب الإيقاع السريع للحياة الحديثة.

والأهم من كل ذلك أنه لا يلغي الكتاب الورقي أو الإلكتروني، بل يكملهما ويضيف إليهما بعداً جديداً يتيح المعرفة بطرق متنوعة تناسب احتياجات الجميع، ومن المتوقع أن يزداد انتشاره ليصبح جزءاً لا يتجزأ من مستقبل القراءة ووسيلة من أهم وسائل ترغيب وتقريب الأفراد من فعل القراءة اليومية.

ويعرف الكتاب المسموع بأنه حلقة الوصل بين العادات القديمة للقراءة والتقنيات الحديثة التي باتت تشكل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية لسهولة الوصول إليه والاستفادة من الوقت المهدور عادة في قيادة السيارة أو العمل المنزلي، أو حتى أثناء ممارسة رياضة المشي أو غيرها من الرياضات، وخياراً مثالياً للأشخاص المضطرين للتنقل من مكان لآخر، فهو يحوّل هذه الأوقات إلى لحظات مفيدة تسهم في توسيع آفاقهم المعرفية من دون الإخلال بالتزاماتهم الأخرى.

ومع تعدد مزايا الكتاب المسموع، تبرز قدرته على تحويل القراءة إلى تجربة أكثر تفاعلية وحيوية، خاصة عندما يكون الأداء الصوتي مميزاً ونبرات صوت القارئ تعكس المشاعر التي تصورها الكلمات ويوضح الأفكار بطريقة أقرب إلى المسرح الصوتي، إضافة إلى ما تستخدمه بعض الكتب المسموعة من المؤثرات الصوتية والموسيقى الخلفية لتعزيز الأجواء الدرامية، ما يجعل الاستماع إلى القصة أكثر تشويقاً وجاذبية.

ويساعد الكتاب المسموع من جانب آخر على تحسين الفهم والاستيعاب، لا سيما عند قراءة النصوص الفلسفية أو الأدبية العميقة التي يجعلها الصوت الواضح والمؤثر أكثر قرباً من المستمع ويمكّنه من إدراك المعاني بصورة أكثر دقة، وهو ما يفيد الأشخاص الذين يعانون صعوبة في استيعاب النصوص المكتوبة ويضطرون لإعادة قراءة العبارة أكثر من مرة لفهم ما غمض عليهم.

ويعد الكتاب المسموع وسيلة تعليمية فعّالة، حيث يمكن للطلاب استخدامه لتحسين مهاراتهم اللغوية والاستماع إلى الكتب الدراسية أو الأدبية المقررة عليهم بطريقة أكثر متعة وبأسلوب يحررهم من قيود الالتزام بقراءة الكتب الورقية، كما أن الاستماع إلى الكتب المسموعة يعزز طلاقتهم اللغوية ويحسن لديهم مخزون المفردات خاصة لمن يرغبون في تعلم لغة جديدة.

علاوة على ذلك، يسهم الكتاب المسموع في تعزيز ثقافة القراءة والاستمتاع بالكتب لدى الأفراد، حيث إن الوصول إلى الكتب يصبح أسهل ويقدم حلولاً عملية لمن لا يرغبون في التقيد بجلسة أو الالتزام بمقاعدهم من أجل قراءة كتاب ورقي أو إلكتروني مما يفتح المجال أمام انتشار المعرفة بين شريحة أوسع من الناس وينعكس إيجاباً على مستوى الوعي والثقافة في المجتمع.

ورغم تعدد مزاياه وقدرته على حل العديد من مشكلات محبي القراءة والتحديات التي تقابلهم، يواجه الكتاب المسموع بدوره بعض التحديات مثل عزوف البعض عن شراء الكتب عبر التطبيقات، وعدم قدرتهم على تعويض تجربة القراءة التقليدية لمن يفضلون التفاعل مع النص من خلال تدوين الملاحظات أو إعادة قراءة الفقرات المهمة، وتعتمد جودة الكتب المسموعة على جودة الأداء الصوتي فإذا لم يكن الراوي محترفاً فقد يؤثر ذلك في تجربة المستمع وينفره من هذا النوع من الكتب بدلاً من أن يجذبه.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى