كأول وزيرة من الوسط الفني، انضمت الفنانة أمينة الصرارفي للحكومة التونسية كوزيرة للشؤون الثقافية، ضمن التعديلات الوزارية الأخيرة التي طالت عدداً من الوزارات، في إنجاز يضاف لسجل تمكين المرأة التونسية والعربية، وكتتويج لمسيرة أمينة الصرارفي الموسيقية الحافلة بإسهاماتها الوطنية في نشر الثقافة الموسيقية في تونس، ومن ذلك تأسيس معهد للموسيقى وإنشاء وقيادة أول فرقة موسيقية نسائية صنعت بها التاريخ الموسيقي التونسي على امتداد 30 عاماً، وأصبحت أوّل قائدة “أوركسْترا” في تونس والعالم العربي، سجلت عروضها الموسيقية حضوراً في أكبر مسارح العالم.
ورصدنا مسيرة وزيرة الثقافة التونسية أمينة الصرارفي من مرحلة الشغف إلى أشهر عازفة موسيقية وحلم الوصول لكرسي الوزارة.
بداية الموهبة
وصول عازفة الكمان التونسية أمينة الصرارفي لمنصب وزيرة الثقافة في الحكومة التونسية كان بعد قصة نجاح؛ بدأت منذ ولادتها بتونس في 14 سبتمبر، وظهور بوادر شغفها الموسيقي المبكر؛ تأثراً بوالدها عازف الكمان الفنان قدور الصرارفي، قائد فرقة “الرشيدية” المعروفة في تونس، الذي مهّد لها الطريق بالدخول في مجال الفن والموسيقى من أوسع أبوابه، وكان سبباً في تعلقها وبشكل خاص بآلة الكمان، وحتى تدعم أمينة موهبتها الفنية؛ كان قرار التحاقها بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى في تونس.
وانتهت أمينة من إكمال دراستها الموسيقية عام 1979، هذا إلى جانب حصولها على شهادة جامعية، في تخصص علم الموسيقى، ورغبة منها في اكتساب خبرة في التدريب على قيادة المجموعات الموسيقية، اتخذت قراراً بالسفر خارج تونس، ووقع اختيارها على فرنسا، وبعد عودتها إلى تونس واكتسابها الخبرة والمهارات اللازمة؛ اتجهت لتدريس الموسيقى لمدة 10 سنوات، وكانت لها مشاركات في برامج موسيقية إذاعية وتلفزيونية، وفي خطوة متميزة في مسيرتها الفنية عام 1982؛ انضمت أمينة إلى الأوركسترا السيمفونية التونسية.
أفضل مطربة تونسية
بعد سنوات طويلة عملت فيها أمينة بشغف على اكتساب الخبرة في مجال الموسيقى؛ بالحصول على الشهادات الأكاديمية والاحتكاك بأصحاب الخبرات من الموسيقيين في المجال، بداية بوالدها إلى غيره من الخبراء في مجال الموسيقى داخل تونس وخارجها، بدأت أمينة بالانتقال لمحطة جديدة من حياتها؛ وهي مرحلة الحصاد وقطف ثمار جهد تلك السنوات، وكانت بداية تلك المحطة في عام 1984؛ هذا العام الذي توجت فيه أمينة بلقب أفضل مطربة في مهرجان تونس، ولاشك أن ذلك كان مثار فخر بالنسبة لها وهي لا تزال في بداياتها الفنية، ودافعاً لها للاستمرار في طريق التميز والنجاح، ولم تقتصر إبداعات أمينة الفنية على مستوى تونس فحسب، بل كان لها إنجاز وعلى مستوى عالمي، بعد قرار توجهها لباريس عاصمة الفن عام 1985 ليس كمتدربة هذه المرة، ولكن لأداء عرض موسيقي في قاعة الأولمبياد، ولتكون بذلك سفيرة للمرأة والفن التونسي.
نشر الثقافة الموسيقية بعد سنوات من العمل الجاد والخبرات الفنية المكتسبة ونظير إحساسها بالمسؤولية الوطنية والرغبة الملحّة في أن تكون لها إسهاماتها في نشر الثقافة الموسيقية في تونس ودعم المواهب الشابة، أعلنت في عام 1988 عن تأسيس معهد “قدور الصرارفي للموسيقى والرقص”، والذي حمل اسم والد أمينة؛ تخليداً لذكرى معلمها وملهمها الموسيقي الأول، وأسهم المعهد في تبني الكثير من الملتقيات والفعاليات الموسيقية.
فرقة العازفات النسائية
وبعد مضي 4 سنوات من تأسيس أمينة لمعهدها الموسيقي، بدأت في مطاردة وتحقيق حلم موسيقي آخر، وتمثل ذلك في تأسيس وقيادة فرقة “العازفات” الموسيقية، وهي أول فرقة موسيقية نسائية في تونس، بل العالم العربي، لتحيي التراث التونسي بأصوات نسائية على مدار 30 عاماً، وأداء الموشحات الأندلسية والموسيقى الكلاسيكية العربية، وتميزت الفرقة بتقديم موسيقى جديدة وعلمية وتلقين أصول الموسيقى والإلقاء، ونجحت الفرقة وبنجاح في تخريج أصوات وموسيقيات؛ أسهمن في تطوير الموسيقى الأصيلة،
وأصبحت أمينة في إنجاز لافت أوّل قائدة “أوركسْترا” في تُونس والعالم العربي، وتمكنت من قيادة الفرقة في عروض موسيقية في أكبر المسارح في مختلف مدن العالم.
وعلى الرغم من غياب الدعم عن الفرقة، إلا أنها لا تزال تقدم إبداعاتها، في تأكيد لروح المغامرة والتحدي الذي تتمتع به أمينة، والنابع من حبها للفن، وفي رصيد الفنانة أمينة الصرارفي مجموعة من المعزوفات المبتكرة على غرار “دنيا”، وهي رقصة على أنغام تونسية، “تونس وطن ومجد” وهي أغنية وطنية، “أمنية” معزوفة تمزج بين الكلاسيكي والعصري، و”نشيد العازفات”.
الجوائز والأوسمة
ونظير هذه المسيرة الحافلة لأمينة من الإنجازات في مجال الموسيقى والثقافة في تونس، كان من الطبيعي أن تتوج بلقب وزيرة للثقافة، وأن يكون لها نصيبها الوافر من المناصب والجوائز والأوسمة؛ تقديراً لإنجازاتها، ومن ذلك انتخابها رئيسة لهيئة الموسيقى بالمجلس الدولي للمرأة في عام 1997، كما نالت أمينة وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الجمهورية في مناسبتين، ووسام الجمهورية في العيد الوطني للمرأة التونسية عام 2001، بالإضافة إلى الصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي في اليوم الوطني للثقافة سنة 2008.