تبدو خريطة الطريق التي أعلنت عنها الأمم المتحدة خلال 2023، نقطة تحول جديدة في مسار الحرب في اليمن، والتي ربما تطوي معها صفحة المجلس الرئاسي بعد نحو عامين على تأسيسه، وتؤسس لمرحلة وشرعية جديدة، ضمن خارطة طريق جديدة يجري العمل عليها بجهود إقليمية ودولية مكثفة.
فقد ظهر المجلس منذ تأسيسه، بشكل ملحوظ بأنه توافقي بين السعودية والإمارات، اللتين تتزعمان التحالف العسكري ضد الحوثيين، أكثر من كونه توافقاً بين القوى السياسية اليمنية، إذ لا يستطيع ادّعاء شرعيته في تمثيل اليمن بعد أن تم التفاوض على تشكيله دون مشاركة اليمنيين، ومع مرور الوقت، عمّقت الانقسامات المناطقية حالة التشرذم داخل نسيج المجلس الرئاسي الذي أصبح كيانًا عقيمًا دون قيادة فعالة أو قواعد عمل واضحة.
ففي غضون 21 شهر، تكبّلت مفاصل المجلس الرئاسي، وفشل في تحقيق أي تغير في مختلف الجوانب لا سيما العسكرية والخدمية والاقتصادية، وذلك نتيجة الانقسامات الحادة التي لا يُستبعد أن تفضي إلى تفككه في نهاية المطاف.
ولعل إعلان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً عيدروس الزُبيدي في مايو/أيار المنصرم باستقطاب عضوين من مجلس القيادة الرئاسي إلى صفه وتعيينهما نائبين له، بمثابة دق المسمار الأخير في نعش مجلس القيادة الرئاسي.
وحسب مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، فإن العلاقة بين مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي تحولت إلى تنافس محموم في ظل دعوة الأخير إلى إقامة دولة جنوبية مستقلة فيما يُعد تحديًا مباشرًا لسلطة الأول.
وأصبحت الخلافات بين أعضاء المجلس حادة لدرجة عجزه عن عقد اجتماعات منتظمة، بينما ذهبت طموحات التنسيق داخل المعسكر المناهض للحوثيين أدراج الرياح. تعمّقت الانقسامات داخل هذا المعسكر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لدرجة لجوء السعوديين إلى فتح قنوات تفاوض مباشرة مع الحوثيين متجاهلين تمامًا وجود المجلس، وفقاً للمركز.
“انشقاقات تهدد بتفككه”
تلك التطورات آنفة الذكر، يعززها أحدث تقرير لفريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن بشأن اليمن، والذي أورد فيه أن مجلس القيادة الرئاسي يواجه تحديات وتباينات أثرت على وحدة أعضائه، وقد تؤدي إلى المزيد من النزاعات والمواجهات العسكرية المحتملة بين أعضاء المجلس.
وأشار التقرير الأممي الذي يغطي الفترة من ديسمبر 2022 وحتى أكتوبر 2023 إلى أن اللجان الأربع التي شُكّلت عقب إنشاء المجلس الرئاسي “القانونية، الاقتصادية، الأمنية والعسكرية، ولجنة المصالحة”، لم تتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في أداء مهامها، والأهم من ذلك أن اللجنة العسكرية لم تتمكن من توحيد القوات المسلحة تحت قيادة واحدة.
وأكد على أن “التوترات ازدادت بين المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي، وأعطى انضمام عضوين في المجلس الرئاسي إلى المجلس الانتقالي (كيان انفصالي تشكل بدعم إماراتي أواسط 2017) ميزة عددية للأخير وعزّز نفوذه باتجاه إقامة دولة مستقلة في الجنوب”.
“تطورات جديدة”
وبالنظر إلى تقرير الخبراء الذي تحدث عن تطورات العام 2022 وبداية 2023، فإننا اليوم نقف أمام تطورات جديدة فرضتها التحولات، المتمثلة في التفاهمات بين الحوثيين والسعودية، والتوجه الدولي الحاسم بقيادة سلطنة عُمان نحو حل شامل ومستدام للأزمة اليمن. الأمر الذي قد ينهي شرعية المجلس الرئاسي ويمهد الطريق نحو شرعية جديدة.
فقبل أن يطوي العام أيامه الأخيرة أعلن المبعوث الأممي يوم23 كانون الأول/ديسمبر توصل الأطراف اليمنية للالتزام بمجموعة من التدابير ضمن خريطة طريق السلام، التي من المتوقع أن يتم التوقيع عليها مستهل العام الجديد.
وتتلخص أبرز عناصر الخريطة المرتقبة، في “الالتزام بوقف إطلاق النار، وصرف الرواتب، واستئناف تصدير النفط، وفتح الطرقات، وتخفيف القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة”.
الانفراجة جاءت إثر جولات تفاوض مكثفة احتضنتها العاصمتان العُمانية والسعودية، حيث كان لمسقط السبق والدور الأبرز في التوصل إلى هذه المفاوضات باتجاه طي صفحة الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة.