توقّعت مصادر يمنية أن يعلن قريبا عن تشكيل حكومة جديدة في صنعاء تابعة لجماعة الحوثي، وذلك استعدادا لدخول مرحلة تنفيذ بنود خارطة الطريق التي أعلن مؤخّرا عن التوصّل إليها لتكون منطلقا لمسار سلمي يفضي إلى حلّ سياسي للصراع في اليمن.
وأكّدت مصادر مطلعة تسارع المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة وشمولها شخصيات منتمية لتيارات سياسية مختلفة، لكنّها تشترك في التوافق مع الحوثيين الحريصين على جعل الحكومة الجديدة بمثابة توليفة توفّر عامل “الشراكة الوطنية”، وإن بطريقة صورية، وذلك استعدادا للمرحلة القادمة التي ستكون مرحلة مفاوضات سياسية وبحث عن التوافقات لتشكيل سلطة لقيادة مرحلة ما بعد الحرب.
وذكرت المصادر ذاتها أنّ الاتصالات شملت عناصر من حزب المؤتمر الشعبي العام مقيمة في صنعاء وباقي مناطق سيطرة الحوثيين، وكذلك عناصر من حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأعضاء في أحزاب أخرى من ضمنها شخصيات من جنوب اليمن غير متبنية لفكرة استعادة دولة الجنوب.
وبرز خلال الأيام الأخيرة اسم القيادي السابق في الحزب الاشتراكي سلطان السامعي كمرشّح لرئاسة الحكومة الجديدة. وقالت وسائل إعلام محلية إنّ زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي اختار السامعي لخلافة عبدالعزيز بن حبتور التي تتولى حاليا مهمة تصريف الأعمال والتي يتوقّع أن يتم استبعاد الغالبية العظمى من أعضائها من التشكيلة القادمة ليتم إفساح المجال لعناصر جديدة تكون من ضمن مهامها القيام بدور صلة الوصل مع القوى السياسية في مختلف أنحاء اليمن لإقناعها بالانضمام لسلطة الحوثيين في فترة السلام.
ويعتبر السامعي الذي يشغل عضوية المجلس السياسي الأعلى في صنعاء من ثقات جماعة الحوثي وهو يقيم علاقات جيّدة مع داعمتهم إيران وهي اعتبارات جعلته في مقدّمة المرشّحين لتشكيل الحكومة الجديدة.
وأثار انتماء السامعي للمجلس قبل عدّة سنوات غضب حزبه الأمّ الذي تبرّأ منه وقال إنّه منقطع عن العمل الحزبي منذ وقت طويل، معتبرا أنّ التحاقه بمجلس الحوثيين مخالف لمبادئ الحزب ولوائحه الداخلية.
وكان زعيم جماعة الحوثي قد أعلن في سبتمبر الماضي عن قراره بتشكيل حكومة جديدة مؤكّدا عزمه على إجراء “تغيير جذري في مؤسسات الدولة” بالمناطق الواقعة تحت سلطة جماعته.
وقال إنّ “المرحلة الأولى للتغيير الجذري هي بإعادة تشكيل الحكومة الحالية وتغييرها إلى حكومة كفاءات يتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل بما يخدم الشعب”، مشدّدا على هدف تحقيق “الشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى ووحدة الشعب اليمني والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”.
وتشير مصادر يمنية إلى وجود حالة من التقارب الكبير بين الحوثيين و حزب الإصلاح، معتبرة أن ذلك مؤشّر على إمكانية انضمام عناصر من حزب الاصلاح إلى حكومة صنعاء الجديدة.
وترى المصادر أنّ ذلك سيكون عاملا مهمّا في تهدئة الصراع في اليمن نظرا إلى أن حزب الإصلاح ما يزال مسيطرا على مناطق هامة في البلاد على رأسها محافظة مأرب وأجزاء من محافظة حضرموت، كما أن له نفوذا كبيرا داخل القوات المسلّحة التابعة للسلطات المعترف بها دوليا بقيادة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي.
وأجرى الحوثيون و حزب الاصلاح خلال الأشهر الأخيرة عدّة اتّصالات جرى بعضها بعيدا عن أضواء الإعلام وخرج بعضها الآخر إلى العلن وذلك ضمن ما اعتبره متابعون للشأن اليمني جزءا من ترتيبات مشتركة للانتقال من حالة المواجهة إلى التهدئة وربما المصالحة والتعاون بين الطرفين في مرحلة ما بعد الحرب اليمنية الجاري العمل من قبل أطراف إقليمية ودولية على محاولة إنهائها سلميا.
وفي هذا الإطار كشف علي القحوم عضو المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثي قبل فترة عن لقاء جمعه في صنعاء بكلّ من فتحي العزب عضو الأمانة العامة في حزب الإصلاح ومنصور الزنداني عضو الكتلة البرلمانية للحزب. ونشر القحوم آنذاك على حسابه في منصة إكس صورة للقائه بالعزب والزنداني وكتب معلّقا عليها بالقول “مع قيادات الإصلاح الوطنية لأجل بناء العلاقات والتنسيق المستمر والحوارات الداخلية”.
وبالتوازي مع حالة التصعيد التي أوجدها الحوثيون باستهدافهم السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، يشهد اليمن حالة من التهدئة في الحرب الداخلية التي بدأت منذ أكثر من تسع سنوات، وذلك بفعل وجود رغبة إقليمية ودولية قوية في إرساء السلام في البلد بدأت تكتسي طابعا عمليا مع إعلان الأمم المتّحدة عن التوصّل إلى خارطة طريق تفتح الباب للتسوية السلمية.
وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ آخر الأسبوع الماضي أنّ الأطراف المتحاربة في اليمن التزمت بوقف جديد لإطلاق النار والانخراط في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة كجزء من خارطة طريق لإنهاء الحرب.
وأوضح بيان صادر عن مكتب غروندبرغ بأن الخارطة المذكورة تشمل دفع جميع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون وأجزاء أخرى من اليمن واستئناف صادرات النفط.
وقال المبعوث الأممي “ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة والتقدّم نحو سلام دائم”، مضيفا قوله “لقد اتخذت الأطراف خطوة هامّة والتزامها هو أولا وقبل كلّ شيء التزام تجاه الشعب اليمني”.