كشف اجتماع موسّع عقدته قبائل حضرموت بجنوب شرق اليمن وجرت خلاله إعادة هيكلة لقيادة التحالف الذي يجمع تلك القبائل وإزاحة رئيسه الموالي لجماعة الإخوان وللمملكة العربية السعودية، عن حجم التعقيدات التي تواجهها المملكة في محاولتها تهيئة الأرضية الشعبية لبسط نفوذها بشكل سلس في المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي الذي يضمن لها منفذا على المحيط الهندي.
وعلى مدى الأشهر الأخيرة التي شهدت بعض التطورات في سياق حلّ الأزمة اليمنية سلميا، أظهرت السعودية تركيزا استثنائيا على حضرموت اعتبره مراقبون جزءا من ترتيبات المملكة لمرحلة ما بعد الحرب في اليمن والتي تتضمّن عملية تقاسم للنفوذ في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، لاسيما بجنوب اليمن
وعقدت قبائل حضرموت نهاية الأسبوع الماضي لقاء موسعّا في مدينة المكلاّ مركز المحافظة انصبّت أشغاله على إرساء هيكل تنظيمي جديد لحلفها الذي يعود تأسيسه إلى مرحلة ما قبل انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد آخر من مناطق اليمن.
وتمخّض الاجتماع عن قرار مفصلي بعزل رئيس حلف قبائل حضرموت عمرو بن حبريش الموالي لحزب التجمّع اليمني للإصلاح وتشكيل لجنة لتسيير أعمال الحلف وإعادة هيكلة قيادته.
وكانت السعودية قد استوعبت حزب الاصلاح ضمن معسكرها المضاد للحوثيين وجعلت من كبار قادته السياسيين والعسكريين جزءا من السلطة اليمنية المعترف بها دوليا، وذلك في إطار عملية تبادل للخدمات بينها وبين هؤلاء القادة.
وتلتقي مصلحة السعودية مع حزب الإصلاح في عملية بسط النفوذ في اليمن، خصوصا وأنّ الحزب برز كأكبر المناوئين للمجلس الانتقالي الجنوبي ذي الأجندة الاستقلالية التي لا تلتقي في كثير من جوانبها مع التوجّهات السعودية.
وراجت خلال الفترة الأخيرة بين الأوساط الحضرمية أنباء عن سعي السعودية لتشكيل فصائل مسلّحة تحت إشراف بن حبريش تتوّلى السيطرة على منطقة الوادي والصحراء في حضرموت.
وجاء اللقاء الموسّع لحلف قبائل حضرموت بمثابة ردّ على ما سمّته فعاليات قبلية حضرمية “محاولة انقلابية فاشلة من قبل بن حبريش على مبادئ وأهداف الحلف وإقحامه في سياسة المحاور تحقيقا لأهداف لا علاقة لها بأبناء المحافظة”، وذلك في إشارة إلى اجتماع نظمه الرئيس السابق للحلف حقّق حضورا باهتا وغابت عنه أهم الشخصيات الفاعلة في حضرموت.
وينظر متابعون للشأن اليمني إلى اجتماع حلف قبائل حضرموت وما صدر عنه من قرارات باعتباره منعطفا هامّا في وجهة النشاط القبلي المنظّم في حضرموت صوب وجهة جديدة مستقلّة عن التوظيف السعودي لذلك النشاط.
وتمكّن الاجتماع من تحقيق تمثيل شعبي واسع وذلك من خلال حضور نحو أربعمئة شخصية قبلية بارزة شاركت في النقاش الذي انصبّ على “تفعيل دور الحلف وفقا للمبادئ التي نشأ من أجلها وتعاهدت عليها قبائل حضرموت ومن أجل تفعيل العمل بالنظام الأساسي والهيكل التنظيمي للحلف والذي تم إقراره في المؤتمر الثالث لحلف قبائل حضرموت المنعقد في سبتمبر 2014 والبدء في هيكلة حلف قبائل حضرموت وتدوير الرئاسة بعد قرابة 10 سنوات من تأسيسيه”.
وحضر الاجتماع الشيخ خالد الكثيري أحد مؤسسي حلف قبائل حضرموت، حيث أكّد في كلمته على ضرورة هيكلة الحلف والخروج من اللقاء الموسع بحلول يتوافق عليها الجميع من أجل تفعيل دوره وقيامه بما هو مأمول منه.
وركّز الشيخ صالح الشرفي إمام وخطيب مسجد جامع عمر بمدينة المكلا في كلمته على ضرورة لم الشمل وجمع الكلمة، مشيرا إلى أن حضرموت لا يمكن أن تختزل في شخص أو مكون أو حزب وأنّها لجميع أبنائها، حاثا الجميع على ضرورة استيعاب خطورة المرحلة الحالية وجمع الكلمة ونبذ الفرقة.
ومن جهته قال عمر باشقار أمين عام حلف قبائل حضرموت خلال الاجتماع إنّ الهدف الأساسي من اللقاء هو “توحيد الصف بعد التمزق”، مشدّدا على أنّ عقده “ليس موجها ضد أحد بل يصب في مصلحة حضرموت ومستقبلها”
وأفضى الاجتماع إلى تشكيل لجنة تحضيرية تضم أربعة وعشرين من الوجهاء والشيوخ والمراجع القبلية لتتولى تسيير أعمال الحلف إلى حين عقد مؤتمر استثنائي له خلال فترة أقصاها سنة واحدة.
وأوكل إلى الجنة التحضيرية مهمة “الإعداد لهيكلة قيادة حلف قبائل حضرموت وتدوير رئاسته والتواصل مع كافة القبائل حرصا على مشاركة الجميع انطلاقا من مبدأ حضرموت لكل أبنائها، وتفعيل العمل بالنظام الأساسي للحلف واستكمال الملاحظات من كافة القبائل لإقرار أي إضافة أو تعديل في المؤتمر العام القادم”.
ورفض البيان الصادر عن اللقاء “الزج بقبائل حضرموت في الصراعات السياسية”، وحذّر من “محاولات النيل من حضرموت ووحدة أهلها وكامل جغرافيتها بواديها وساحلها وهضابها وصحاريها”.
كما جدّد التأكيد على “الوقوف إلى جانب السلطة المحلية والنخبة الحضرمية في كل ما يعزز استقرار حضرموت ويحقق تطلعات أهلها ويجنبها الصراعات بكل أشكالها”.