لماذا تتكرر الحوادث في قناة السويس؟

أثار اصطدام ناقلتين كبيرتين في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء في قناة السويس تساؤلات عن أسباب تكرار الحوادث في الممر الملاحي المصري الأقصر بين أوروبا وآسيا، والذي يعبره ما يقرب من 12 بالمئة من التجارة العالمية. 

ستة حوادث

خلال العام الحالي، تم الإعلان عن ستة حوادث، آخرها اصطدام الناقلتين، قبل أن يتم سحبهما وإعادة تشغيل القناة خلال ساعات، بحسب ما أعلن رئيس هيئة القناة، أسامة ربيع.

وفي الخامس من أغسطس الجاري، قالت الهيئة إن قاطرة غرقت في القناة بعد اصطدامها بناقلة يبلغ طولها 230 مترا وعرضها 36 مترا وحمولتها الكلية 52 ألف طن من غاز البترول المسال، كانت في طريقها من سنغافورة إلى الولايات المتحدة، لكن حركة الملاحة في الممر المائي الاستراتيجي لم تتأثر بشكل كبير، فيما أعلنت عائلة أحد أفراد طاقم القاطرة وفاته.

وشهدت حركة الملاحة البحرية في قناة السويس في يونيو اضطرابا مؤقتا بعد أن أصاب عطل فنّي ناقلة نفط في طريقها من روسيا الى الصين، يبلغ طولها 274 مترا وعرضها 48 مترا، وتنقل حمولة تبلغ 82 ألف طن، قبل أن يتم قطرها.

وفي مايو الماضي، تعطلت سفينة البضائع “تشي هاي تونغ 23″، ويبلغ طولها 190 مترا وعرضها 32 مترا وحمولتها 34 ألف طن، كانت متوجهة من السعودية إلى مصر، قبل تتدخل ثلاث قاطرات لسحبها.

وفي أول فبراير، جنحت سفينة أثناء عبورها الممر المائي الذي يربط البحرين الأبيض والأحمر. وفي يناير الماضي، جنحت سفينة أخرى، لكن لم تؤثر على حركة الملاحة.

والأربعاء، قال عضو لجنة النقل والمواصلات في مجلس النواب، سامح السايح، في حديث مع موقع “الحرة” إنه سيرفع طلبا إلى رئيس اللجنة، علاء عابد، لزيارة هيئة قناة السويس للتشاور مع رئيسها، أسامة ربيع لمناقشة مسألة تكرار الحوادث.

حركة الملاحة العالمية

حركة الملاحة العالمية

وأضاف: “سنبحث ما إذا كانت اللجنة تحتاج إلى إصدار توصيات للقيادة السياسية لتجنب مثل هذه الحوادث في المستقبل”.

لكن المستشار الاقتصادي السابق لقناة السويس، عبد التواب حجاج قال لموقع “الحرة”: إن “هناك عوامل كثيرة قد تؤدي إلى مثل هذه الحوادث، لكن الهيئة مليئة بالخبرات من المرشدين الذين يستطيعون تحديد الوقت والمسافة بين كل سفينة وأخرى للمرور بسلام”.

وأضاف “في تقديري الشخصي، أنا أعتبر أنها حوادث طبيعية وليست كبيرة لدرجة أن يتم اعتبارها ظاهرة”.

“ضغط شديد”

من جانبه عزا رئيس مجلسي إدارة شعبة النقل الدولي واللوجستيات بالغرفة التجارية بالقاهرة، أيمن الشيخ، في حديث مع موقع “الحرة” تكرار الحوادث في قناة السويس إلى “أن حجم المراكب التي تمر والضغط الحاصل من كثرة العمل أصبح كبيرا جدا”.

لا يعتقد الشيخ أن هذه الحوادث تحصل بسبب احتياج القناة إلى عمق أكبر أو توسعة وإنما “قد تكون المشكلة في السفينة نفسها أو في قبطانها”.

وأضاف أن “حركة التجارة وكمية المراكب التي تمر ارتفعت بشكل كبيرة في الفترة الأخيرة، ومن الطبيعي أن تكون هناك حوادث عندما يكون هناك عمل كثير، وكلما زادت الأعمال ارتفع عدد الحوادث”.

لكنه يرى أن هناك تطورا في التعامل مع مثل هذه الحوادث بدليل أن رئيس الهيئة أعلن أنه سيتم استئناف الملاحة خلال ساعات”.

وفي 21 يونيو الماضي، أقر ربيع بتزايد الحوادث في قناة السويس، لكنه اعتبره “أمرا طبيعيا جدا، وكان يحدث قبل ذلك”.

لكنه أضاف أن “العالم لم يكن يركز مع قناة السويس حتى جاءت حادثة إيفر غيفن التي تأثر بها العالم”.

وفي مارس 2021، جنحت حاملة الحاويات العملاقة “إيفر غيفن”، وزنتها حوالي مئتي ألف طن في القناة، عندما علقت مقدمتها خلال عاصفة رملية في نقطة في الضفة الشرقية للسويس، ما تسبّب بوقف الملاحة مدة ستة أيام.

صورة أرشيفية لسفينة الحاويات العملاقة "إيفر غيفن" التي علقت في قناة السويس في 2021

صورة أرشيفية لسفينة الحاويات العملاقة “إيفر غيفن” التي علقت في قناة السويس في 2021

بسبب ذلك الحادث وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مايو 2021 على مشروع لتطوير قناة السويس يشمل توسعة وتعميق الجزء الجنوبي للقناة.

وقال ربيع تصريحاته التي تعود إلى يونيو الماضي: “بعد هذه الحادثة، أصبح المصريون بسبب حبهم لقناة السويس وخوفهم عليها يقلقون من أن أي حادث قد يكون مثل ما حدث مع إيفر غيفن، لكنني أطمئن المصريين بأنه يمر يوميا حوالي 75 سفينة ووصل الرقم أحيانا إلى 107 سفينة في مارس الماضي، العام الماضي مر أكثر من 23 ألف سفينة، ومن الوارد جدا أن تكون هناك حادثة وثلاث لأن ليس كل المراكب جديدة”.

وأضاف: “أحيانا يحدث عطل في الماكينة، مثل أي سيارة، وقد يكون العطل في أداة التوجيه ويفقد القبطان السيطرة على المركب فتتجه إلى أي اتجاه فتشحط خلال التعامل معها”.

وقال إن “نسبة الحوادث من السفن التي مرت خلال عام 2022 هي تسعة من مئة في المئة، وهي نسبة ضئيلة جدا تكاد تكون صفرا”.

وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 2015 افتتاح مشروع لتوسعة القناة يهدف إلى تقليل فترات الانتظار ومضاعفة عدد السفن التي تستخدمها بحلول عام 2023.

وأضاف ربيع، أن إيرادات القناة بلغت 9.4 مليار دولار، مقارنة مع 7 مليارات في السنة المالية السابقة التي تنتهي في 30 يونيو.

وتابع آنذاك أن حوالي 26 ألف سفينة عبرت القناة في السنة المالية 2022-2023، مقارنة بحوالي 23800 سفينة مرت خلال العام السابق.

من جانبه قال الخبير الاقتصادي، وائل النحاس إن “العالم كله يتطور حاليا، وبدأ في التوسع في استخدام الناقلات العملاقة، ما يعني أننا كنا نحتاج إلى عمق أكبر ومساحة أوسع للقناة، وبالتالي إذا لم نكن نستعد لهذا التوجه الجديد، كنا سنخسر هذا النوع من السفن”، مشيرا إلى أن عدد السفن التي تمر يوميا عبر القناة وصل إلى 71 في المتوسط بعد أن كان 48 سفينة قبل مشروعات التطوير.

يعتقد النحاس أنه إذا لم يكن مشروع توسعة قناة السويس قد حدث، فإن الورادات كانت قلت من 5 مليار دولار إلى 3 مليارات دولار، بحسب قوله.

وقال: “كانت هذه الناقلات العملاقة ستبحث عن طريق آخر، وكنا سنخسرها، فضلا عن أن بعض الدول عندما تنخفض أسعار البترول بشكل كبير، تأخذ طرقا أخرى حتى لو كانت أطول في الفترة الزمنية، مثلما تفعل دول الخليج التي تأخذ في هذه الحالة طريق رأس الرجاء الصالح وهو ما يمثل تقريبا 20 في المئة مما يمر عبر قناة السويس”.

كيفية التعامل مع الحوادث في قناة السويس

أشار ربيع إلى أن حادث إيفرغيفن دفع الهيئة للتطوير والجاهزية للتعامل مع الحوادث بسرعة جدا لتقليل الخطر والتأثير السلبي لهذه الحادثة، ولذلك لاحظنا أن كل الحوادث الماضية كان يتم التعامل معها وحلها خلال ساعات معدودة”.

جنوح "إيفر غيفن" دفع هيئة قناة السويس لتطوير عمليات التعامل مع الحوادث

جنوح “إيفر غيفن” دفع هيئة قناة السويس لتطوير عمليات التعامل مع الحوادث

وقال: “لدينا استراتيجة تتمثل في المحافظة على الأمان والاستدامة في قناة السويس وعبور السفينة في التوقيت المحدد لها، ولذلك فنحن علينا أن نكون جاهزين للتعامل مع أي حادث بسرعة حتى لا تعطل السفن الأخرى، ولذلك نحن جاهزون بالقاطرات والجراجات والأشياء الأخرى”.

وأوضح أن بروتوكول التعامل مع الحادث يشمل إرسال حوالي أربع قاطرات في البداية مباشرة وتحديد الموقف، وربما يتم إرسال قاطرات أخرى لها قوة سحب أقوى”.

وأضاف: يتم إبعاد السفينة عن الممر الملاحي ومن ثم التعامل معها والكشف عليها لمعرفة العطل وإصلاحه أو قطرها بعيدا حتى يتم إصلاحها”.

قناة السويس تمر منها سفن عملاقة

قناة السويس تمر منها سفن عملاقة

ضرورة التطوير المستمر

وكان ربيع، قد أعلن عن أن الهيئة مستمرة في تنفيذ مشروع تطوير القطاع الجنوبي الجاري تنفيذه والذي سيتيح زيادة الطاقة الاستيعابية في القناة بمعدل ست سفن، وزيادة عامل الأمان الملاحي في ذلك القطاع بنسبة 28 في المئة.

كما أشار إلى أن  نسبة الإنجاز في مشروع ازدواج القناة في البحيرات المرة الصغرى بلغت 50.3 في المئة.

يشدد النحاس على أهمية التطوير المستمر في قناة السويس، خاصة مع تنفيذ مشروعات جديدة منافسة “مثل مشروع السكة الحديد ما بين العراق كبوابة للدول العربية، وتركيا كبوابة لأوروبا وروسيا”.

وقال: “هناك مشروع آخر للربط ما بين إيران وروسيا سينافس أيضا قناة السويس، فضلا عن مشروع إماراتي يربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر عن طريق قناة جديدة أو سكك حديدية والذي سيطلق عليه “قطار السلام” والذي سيربط إسرائيل بالعراق والمنطقة العربية بالكامل بتمويل إماراتي”.

وأضاف: “هناك دول أخرى تريد أن تدخل في المنافسة، نعم هذه المشروعات كبيرة وتحتاج إلى وقت للانتهاء منها وليس قبل عام 2026 لكننا يجب ان نكون مستعدين لهذه المنافسة”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى