الضمانات تحول دون خروج الأبرياء من سجون الحوثي بسبب الخوف من ابتزاز الجماعه الحوثيه

البراءة وحدها ليست كافية للخروج من السجن، وإن صدر حكم المحكمة بالإفراج، لعدم ثبوت التُهمة على المحتجز على ذمة قضية في مناطق سيطرة جماعة  الحوثي، التي حوَّلت القضاء إلى جهاز قمعي لتصفية معارضيها، وخدمة أجندتها.

داخل سجون الحوثيين، يقبع عشرات الأشخاص من الذين لم يُدانوا بتُهم دخلوا بسببها السجن، ويحتجزوا لأشهر طويلة لعدم توفّر ضمانة تجارية تطلبها المحاكمة، وإن كان المتهم خارج دائرة الشبهة، وبعيدا كل البُعد عن الجريمة.

– معاناة جديدة

عبدالله -شاب عشريني- جاء من محافظة تعز؛ لحضور عرس أحد أقاربه في صنعاء، وفي اليوم التالي لوصوله ذهب إلى المقيل مع بعض أصدقائه، وخلال الجلسة داهمت الأجهزة الأمنية المكان، واقتادتهم جميعا إلى مركز الشرطة، دون أن يُعرف السبب.

 كانت صدمة “عبدالله” كبيرة عندما وجَّه له المحقق تُهمة الاشتراك في خلية تُمارس التعاطي والاتجار بالحشيش والمواد المخدرة فيىصنعاء، وحاول جاهدا الدفاع عن نفسه، وتبرير موقفه، لكن على الرغم من عدم ثبوت أي دليل ضده تم نقل ملفه إلى النيابة، فيما بقي محتجزا في المركز.

بعد عدة جلسات محاكمة لم تجد النيابة أي دليل يثبت تورُّطه في الجريمة فحكمت ببراءته، ووجَّهت بإطلاق سراحه بضمانة تجارية، مما جعله يدخل مرحلة جديدة من المعاناة، كبَّلته في الحجز أكثر من شهر إضافي.

– غياب الثقة 

الحصول على ضمانة تجارية ليس بالأمر السهل في مناطق سيطرة الحوثي، ويجد الباحث عنها كل التجار يتهربون منه، مهما كانوا مقرَّبين من الشخص المتهم، ومؤمنين ببراءته من التهم، وهذا ما جعل أقارب “عبدالله” يتعلَّقون بكل قشة نجاة، ويتوسَّلون التجار توقيع الضمانة؛ لكن دون جدوى، كما يؤكد أحمد سعيد –قريب المتهم.

وصل أقارب عبدالله إلى مرحلة اليأس من الحصول على الضمانة التجارية، واتجهوا إلى جهود الوساطة مع معارف القاضي والمتنفذين في الدولة، حتى تمكنوا من إخراجه من السجن مع بقاء هاتفه ومقتنياته في قسم الشرطة على ذمَّة القضية.

يقول سعيد لم يكن الحصول على الضمانة صعبا جدا قبل انقلاب الحوثيين على الحكم، واجتياح صنعاء، وما يقاسيه التجار من المليشيا جعلهم يتهرَّبون من كل ما من شأنه يجعلهم يحتكون بهم، ويوفّر لهم غطاء لمضايقتهم”.

وهذا ما يؤكده التاجر نعمان الحطامي، الذي يوضح أن الضمانة قد تتحول إلى باب لابتزاز التاجر، واستنزافه ماديا حتى ولو كان من سيضمنه بريئا، وبعيدا عن الشبهات.

الحطامي، الذي رفض في وقت سابق ضمان أحد أقاربه، يبرر موقفه بأن التجار لهم تجارب مريرة مع مليشيا الحوثي ومشرفيها، ويعلمون أنهم لن يفوتوا أي فرصة أو حجة لجبايتهم ونهبهم.

ولا تتطلب الضمانة الحضورية، التي تطلبها المحاكم في أغلب القضايا، من الضامن امتلاك سجل تجاري ساري المفعول، ويمكن لصاحب بقالة أو محل تجاري صغير توقيع وثيقة الضمان، بحضور مندوب المحكمة، الذي يأتي لتصوير المحل، وتحديد مكانه، إلا أن هذه التسهيلات لم تخدم المحتجزين نتيجة لغياب الثقة بين الطرفين، والخوف من الابتزاز.

– البراءة تغني عن الضمانة

سجناء الرأي، والتهم الملفقة، التي تطلقها عليهم الجماعه الحوثيه ، الذين أكد تقرير للشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن عددهم وصل إلى 17 ألف شخص، يعانون من الأمر ذاته، ويبقى بعضهم شهورا في الاعتقال مرتهنين بالضمانة التجارية، كما هو الحال مع المختطف السابق “عبدالحافظ”، الذي ظل شهورا طويلة في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لمليشيات الحوثي بصنعاء، بتهمة التخابر مع ما تسميه المليشيا “العدوان”.

فبعد تهويل التُهمة، واستخدام أساليب الضغط النفسي عليه وعلى أسرته، لم تثبت عليه الدلائل، وبقى أشهرا إضافية رهن إجراءات الإفراج، حتى جاء طلب الضمانة التجارية، ليقف حجر عثرة أمام إطلاق سراحه، وعودته إلى أهله.

تحركت منظمات مدنية، وشخصيات مقربة من المليشيا، للإفراج عنه إلا أن كل الجهود باءت بالفشل، أمام إصرار جهاز المخابرات والمحكمة على الضمانة، وبصعوبة شديدة تمكن أحد القيادات الحوثية من إقناع تاجر مواد غذائية من قبول الضمانة، متعهدا بأنه سيحميه من أي ابتزاز.

وعلى الرغم من معرفة القضاة بصعوبة الحصول على الضمانة إلا أنهم يصرون عليها، حتى وإن لم تكن ضرورية،  وبحزن عميق، يقول أحد أولياء أمور، الذين لم يستطيعوا الحصول على ضمانة: “قابلت القاضي فضل الشقاقي المختص بالقضية، وسألته: ماذا إن لم أتمكن من إحضار الضمانة، كم سيظل قريبي في السجن؟ وأنت قد حكمت ببراءته؟ فرد بغطرسة: سيبقى حتى عشرين سنة”.

يعلق المحامي معاذ القرشي على قانونية الضمانة ويقول الضمانة نوعان حضورية، يصح أن يكون الضامن محل تجاري صغير، أو تجارية ويكون الضامن ملتزما بالدفع بدلا عن المتهم متى ما استدعى الأمر، وهي ضرورية في حال بقيت التُهم، أو ما تزال المحاكمة مستمرة، أما في حالة إصدار حكم البراءة، فلا يجب طلب ضمانة، لأن القضية أصبحت منتهية، إلا إذا كان هناك سوابق جنائية على المتهم”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى