عبر اليمن، ينتقل عشرات – وربما مئات – آلاف المهاجرين الإثيوبيين في رحلة طويلة، محفوفة بالمخاطر تسمى بطريق “الشرق”، إلى المملكة العربية السعودية، بحثا عن فرص عمل.
وحتى في حال تجاوز المهاجرون مصاعب الرحلة التي تمر بمناطق النزاع في اليمن، فإن الوصول إلى الحدود السعودية قد يعني الموت في كثير من الحالات، كما أن دخول الحدود لا يعني انتهاء متاعب المهاجرين الذين رحلت الرياض أكثر من مئة ألف منهم إلى بلادهم، وفقا لتقارير حقوقية.
وحتى العودة إلى البلاد لن تكون النهاية لمصاعب المهاجرين الذين يتم التعامل معهم في بلادهم بازدراء وتشكيك، وتلاحقهم “وصمة اجتماعية” وفقا للتقارير.
ووفقا لصحيفة نيويوركر فإن الطريق عبر جيبوتي واليمن إلى المملكة العربية السعودية قديم جدا، حيث هاجر الإنسان عبره منذ حوالي سبعين ألف سنة.
وتمتد العلاقة التاريخية بين هذا الجزء من أفريقيا والشرق الأوسط عبر التاريخ، فقبل 1500 عام، امتدت إمبراطورية أكسوم الإثيوبية إلى الشرق الأوسط وسيطرت على أجزاء من اليمن.
كما أن المسلمين الأوائل هاجروا من مكة إلى الحبشة هربا من الاضطهاد الديني.
مهاجرون إثيوبيون في اليمن يستعدون للسفر إلى السعودية
الطريق إلى المملكة
ووفقا لتقرير من وكالة أسوشيتد برس فإن الطريق من أثيوبيا إلى المملكة يمر عبر اليمن بالتعاون مع مهربين متعاونين مع الحوثيين الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من البلاد.
ويصل الإثيوبيون إلى اليمن بحرا حيث ترسوا سفنهم في ميناء الحديدة.
وتظهر دراسة لمنظمة ACAPS وهي منظمة غير ربحية متخصصة بدراسة المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون، إلى أن المهاجرين من إثيوبيا يغادرون بلدهم عبر 3 طرق، الطريق الشرقي منها يتجه بحرا نحو اليمن ومنها إلى السعودية ودول الخليج الأخرى.
وينتقل أغلب المهاجرين الإثيوبيين عبر هذا الطريق، بينما ينتقل آخرون جنوبا إلى جنوب أفريقيا، ويتجه الطريق الثالث شمالا نحو أوروبا عبر دول شمال أفريقيا.
وتقول المنظمة إن النزاعات والتدهور الاقتصادي تحرك مئات آلاف الأشخاص للبحث عن فرص أفضل أو النجاة من الموت.
وينقسم الطريق الشرقي إلى طريقين، يمر أحدهما عبر الصومال، حيث يلتقط المهربون المهاجرين في نقاط عدة منتشرة على طول ولاية أرض الصومال. وسجلت حوادث حيث يقوم المهربون بالإساءة أو اختطاف المهاجرين الذين لا يحملون معهم ثمن الرحلة، ومطالبة عوائلهم في إثيوبيا بدفع فدية.
وينقل المهاجرون من الصومال بشاحنات مزدحمة تسير بسرع عالية على طرق ترابية، مما يؤدي إلى وقوع حوادث ومقتل مهاجرين.
بعدها ينتقل المهاجرون بحرا إلى محافظة شبوة أو حضر موت اليمنية، لتبدأ الرحلة نحو السعودية.
أما الطريق الثاني فهو يبدأ، بحسب دراسة المنظمة، من قرية غالافي على الحدود الإثيوبية الجيبوتية، ومن ثم عبور منطقة صحراوية إلى مدينة أوبوك الجيبوتية الساحلية، ومنها بحرا إلى الصومال.
ووفقا لنيويورك تايمز، فإن لدى المنظمة الدولية للهجرة 12 موظفا بدوام كامل في بلدة أوبوك، يصفون مخاطر الاستمرار في الذهاب إلى الخليج ويطلبون من المهاجرين التفكير في العودة.
وتساعدهم المنظمة أيضا على العودة إلى ديارهم إذا وافقوا على الرجوع.
أما الذين يصرون على المغادرة فيستقلون القوارب لعبور البحر إلى اليمن حيث يدفعون 140 دولارا لعبور القارب، وفق الصحيفة.
ويجبر المهربون المهاجرين على استقلال قوارب مكتظة لعبور البحر الأحمر، في الجزء “الأكثر أمانا من الرحلة” كما تقول الصحيفة، التي تستدرك بالقول إن ما يقرب من ثلاثة آلاف ونصف شخص لقوا حتفهم أثناء العبور في السنوات العشر الماضية، ومع ذلك، فإن المخاطر في البحر بالكاد تقارن بما سيواجهونه عندما يصلون إلى اليمن.
وتقول منظمة ACAPS إنها سجلت حوادث رمى خلالها المهربون المهاجرين في البحر.
مركب يحمل مهاجرين إثيوبيين راس في ميناء الحديدة اليمني
وتقول المنظمة إن المهاجرين يدفعون مبالغ تصل إلى ألف دولار للشخص مقابل الوصول إلى السعودية.
وينتقل المهاجرون عبر عدن وصنعاء نحو محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويحاولون الخروج من اليمن عبر صعدة.
وفي بعض الحالات، وفقا لصحيفة نيويوركر، تقوم عصابات الاتجار بالبشر بخطف النساء وبيعهن كرقيق جنسي في اليمن.
ولم يستجب المتمردون الحوثيون في اليمن، الذين يزعم أنهم يكسبون عشرات الآلاف من الدولارات أسبوعيا من تهريب المهاجرين عبر الحدود، لطلبات التعليق، وفقا لأسوشيتدبرس.
وقالت الأمم المتحدة إن مكتب الهجرة الذي يسيطر عليه الحوثيون “يتعاون مع المهربين لتوجيه المهاجرين بشكل منهجي” إلى المملكة العربية السعودية، ويحصل على ما يقدر بـ 50 ألف دولار في الأسبوع.
وخاض الحوثيون حربا لأعوام مع السعودية، وتبادل الجانبان اتهامات بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان طالت المدنيين.
ويمكن رؤية الموقع الذي حددته هيومن رايتس ووتش على أنه مخيم المهاجرين الذين تعرضوا لإطلاق النار في منطقة الثابت في صور الأقمار الصناعية، وفقا لأسوشيتد برس، مما يتوافق مع رواية المنظمة بأن المخيم قد تم تفكيكه إلى حد كبير في أوائل أبريل.
خطر الاعتقال في اليمن
وتشير منظمة ACAPS إلى أن الكثير من المهاجرين يحتجزون في مراكز اعتقال في اليمن حيث الظروف الإنسانية سيئة للغاية.
وسجلت إطلاق قوات تابعة للحوثيين قنابل الغاز المسيل للدموع على مركز احتجاز في صنعاء عام 2021 مما أدى إلى مقتل 45 مهاجرا وإصابة أكثر من 200.
وتشير المنظمة إلى أن الكثير من المهاجرين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى السعودية يحاولون العودة إلى بلادهم من اليمن، لكن السبل متقطعة بهم بسبب عدم امتلاكهم الأموال اللازمة للدفع لرحلة العودة.
الموت على الحدود
واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الاثنين، عناصر حرس الحدود السعودي بإطلاق “أسلحة متفجرة” على مهاجرين إثيوبيين يحاولون العبور من اليمن إلى المملكة الخليجية الثرية، مما أودى بحياة مئات.
وفي المقابل، وصف مسؤول حكومي سعودي، تحدث لأسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علانية، تقرير “هيومن رايتس ووتش”، بأنه “لا أساس له من الصحة ولا يستند إلى مصادر موثوقة”، لكنه لم يقدم أدلة تدعم تصريحاته.
والثلاثاء، أعلنت الحكومة الإثيويبية، أنها ستجري تحقيقا مشتركا مع السعودية، بتقرير هيومن رايتس ووتش الذي اتهم حرس الحدود السعوديين بقتل “مئات” المهاجرين الإثيوبيين بين مارس 2022 ويونيو 2023.
وقالت وزارة الخارجية في بيان نشر على موقع التواصل الاجتماعي، إكس، إن “الحكومة الإثيوبية ستحقق سريعا في الحادث بالتعاون مع السلطات السعودية”.
ودعت الخارجية الإثيوبية إلى ضبط النفس وعدم القيام “بتكهنات غير ضرورية لحين انتهاء التحقيق”، وقالت إن البلدين “يتمتعان بعلاقات ممتازة طويلة الأمد”.
واستجوبت الأمم المتحدة السعودية بالفعل بشأن فتح قواتها النار على المهاجرين في نمط متصاعد من الهجمات على طول حدودها الجنوبية مع اليمن الذي مزقته الحرب.
وأشارت رسالة من المنظمة الأممية بتاريخ 3 أكتوبر 2022 إلى المملكة، إلى أن محققيها “تلقوا مزاعم مقلقة عن قصف مدفعي عبر الحدود ونيران أسلحة صغيرة يزعم أن قوات الأمن السعودية تسببت في مقتل ما يصل إلى 430 وإصابة 650 مهاجرا”.
وجاء في رسالة الأمم المتحدة، وفقا لأسوشيتد برس إنه “إذا تم القبض على المهاجرين، يقال إنهم يتعرضون في كثير من الأحيان للتعذيب من خلال اصطفافهم وإطلاق النار عليهم من جانب الساق لمعرفة إلى أي مدى ستذهب الرصاصة أو سؤالهم عما إذا كانوا يفضلون إطلاق النار عليهم في اليد أو الساق”.
وأفاد الناجون من مثل هذه الهجمات بأنهم اضطروا إلى “تمثيل الموت” لفترة من الوقت من أجل الفرار.
وقالت رسالة أرسلتها بعثة السعودية لدى الأمم المتحدة في جنيف في مارس إنها “تدحض بشكل قاطع” المزاعم بأن المملكة تنفذ أي عمليات قتل “منهجية” على الحدود.
وقالت أيضا إن الأمم المتحدة قدمت “معلومات محدودة” حتى لا تتمكن من “تأكيد أو إثبات المزاعم”.
واحتوى تقرير هيومن رايتس ووتش على شهادات مروعة من مهاجرين قالوا إن حرس الحدود أطلقوا عليهم النار وهم يضحكون، وأنهم خيروا بين الرصاص في القدم أو اليد، وأن بعضهم وضعوا في صفوف وأطلق النار عليهم.
كما احتوى على صور بالأقمار الاصطناعية لمواقع إطلاق النار المزعومة، واحتوى شهادات عن تعرض مهاجرين لإطلاق قذائف هاون باتجاههم.
مهاجر إثيوبي يغطي وجهه في تجمع للاجئين قرب الحدود اليمنية السعودية
الحياة في المملكة
وزادت الحرب الأهلية المستمرة منذ عامين في منطقة تيغراي شمال إثيوبيا من معدلات النزوح لعشرات الآلاف من الأشخاص.
وفقا للتقارير الدولية، فإن هناك نحو 750 ألف إثيوبي في المملكة العربية السعودية، مع احتمال دخول ما يصل إلى 450 ألف إلى المملكة دون تصريح، وفقا لإحصاءات عام 2022 الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة.
ووفقا لموقع The Conservation، فإن المملكة ترحل عشرات آلاف من العمال الإثيوبيين المهاجرين قسرا كل عام منذ أوائل عام 2010.
ويقول الموقع إنه على الرغم من أن هذا يتم كجزء من حملة على العمال المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن العمال المقيمين قانونيا كثيرا ما يتعرضون للترحيل، سواء بسبب مشاكل في الإقامة، أو مشاكل في الحصول على كفيل، أو غيرها.
وتشير دراسة، نشرها الموقع، إلى أن ما يصل إلى 90٪ من المهاجرين الذين يدخلون المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني عبر اليمن هم من الإثيوبيين.
وتقول الدراسة إنه “مع حصول العمال الوافدين في المملكة العربية السعودية على خمسة أضعاف ما يمكن أن يكسبوه مقابل عمل مماثل في الوطن، فإن الحافز للهجرة قوي” على الرغم من المخاطر.
وتضيف أن المملكة رحلت نحو 700 ألف مهاجر إثيوبي من أعوام 2013 حتى عام 2022، وتتوقع ترحيل 100 ألف آخرين في 2023.
كما أن الدراسة تشير إلى ظروف احتجاز غير إنسانية.
العودة إلى إثيوبيا قد تعني مزيدا من العذاب
ووفقا لتقرير نشرته منظمة العفو الدولية عام 2022 فإن الإثيوبيين من الرجال والنساء والأطفال المحتجزين تعسفيا في مركزي احتجاز الخرج والشميصي المكتظين كانوا يعيشون في ظروف مزرية ومسيئة قبل إعادتهم قسرا إلى إثيوبيا بين يونيو 2021 ومايو 2022.
ويشير التقرير إلى أن العديد من المحتجزين أصيبوا بظروف بدنية وعقلية خطيرة طويلة الأجل نتيجة لظروف الاحتجاز.
وفي فترة صدور التقرير، قالت المنظمة إن هناك أكثر من 30 ألف مواطن إثيوبي محتجزون في نفس الظروف وهم معرضون لخطر مواجهة نفس المصير.
وانتقد التقرير “استثمار المملكة العربية السعودية بقوة في إعادة تجميل صورتها”، مضيفا “تحت هذه القشرة البراقة توجد قصة انتهاكات مروعة ضد المهاجرين”.
وهناك ما يقدر بنحو 10 ملايين عامل مهاجر في المملكة العربية السعودية، أغلبهم من الهند وباكستان ومصر وإثيوبيا.
ووجد تقرير لمنظمة الإغاثة الدولية إن 95% من المستجيبين لدراسة أعدها بشأن أوضاع الإثيوبيين في السعودية احتجزوا في المملكة، أغلبهم لفترات تتراوح بين شهر وعام.
وقال التقرير إن نحو تسعين بالمئة ممن شملهم استطلاع الدراسة قالوا إنهم لن ينصحوا الإثيوبيين بالهجرة إلى المملكة.
ووفقا للتقرير، فإن المهاجرات الإثيوبيات عملن في التنظيف والعمل المنزلي، فيما عمل الرجال غالبا في الزراعة والرعي.
وقال أكثر من نصف المشتركين في دراسة للمنظمة أنهم لم يكتسبوا مهارات من شأنها تحسين وضعهم الاقتصادي في إثيوبيا.
العودة من المملكة
وترافق الظروف المزرية العائدين إلى إثيوبيا، وفا لدراسة The Conversation التي تشير إلى أنه في العديد من المناسبات، ينتهي الأمر بالعائدين إلى أن يصبحوا مشردين داخليا.
كما أن المهجرين يواجهون صعوبة في إعادة الاندماج في مجتمعاتهم المحلية.
ووفقا للدراسة، فإن الأغلبية الكبرى من المهاجرين من النساء اللواتي يعملن في الخدمة في المنازل في المملكة، ويقول الموقع إنهن يواجهن اتهامات بأنهن يمارسن ممارسات غير مقبولة اجتماعيا مثل العمل الجنسي.