الحريري يتحدى السعودية.. رفض طلبها حول الانتخابات
زيادة في توتر العلاقة بين الحريري والسعوديين الذين فتحوا قنواتهم ومنصاتهم الإعلامية منبراً للهجوم على الحريري وخياراته السياسية.
برزت خلال اليومين الماضيين في لبنان الأزمة المفتوحة بين رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري وبين المملكة العربية السعودية، التي يقود سفيرها في لبنان وليد البخاري حراكاً لافتاً لتحفيز السُّنة في لبنان على المشاركة، بعد قرار تيار المستقبل مقاطعة الانتخابات البرلمانية.
إذ تشير مصادر سياسية رفيعة لـ”عربي بوست” إلى أن الحريري رفض طلباً سعودياً نقلته إحدى الدول الخليجية طلب منه العودة لبيروت ودعوة جمهوره للاقتراع بكثافة لمنع سيطرة حزب الله على المقاعد السُّنية في البلاد.
يأتي هذا في وقت انطلقت فيه عملية اقتراع الناخبين المقيمين خارج لبنان والموزعين على مراكز اقتراع في دول عربية وغربية وآسيوية، بعد أحاديث عن إمكانية إلغاء الانتخابات نتيجة تراجع ملحوظ لبعض القوى السياسية في الشارع اللبناني.
الحريري يتحدى السعودية
ويشير المصدر إلى أن الحريري رفض الطلب السعودي، مؤكداً أنه لن يزور لبنان قبل انتهاء الانتخابات، وأنه مُصرّ على موقفه من المقاطعة وعدم التفاعل مع الانتخابات لا بدعم مرشحين ولا لوائح.
وأكد الحريري- طبقاً للمصدر- أنه لن يتدخل في خيارات مناصري تياره، لكنه سيقيل كل منتمٍ إلى تيار المستقبل يخالف قراره بتجميد العمل السياسي حتى إشعار آخر، ويشارك في العملية الانتخابية.
وهذا الموقف- وفقاً للمصدر- أدى إلى زيادة في توتر العلاقة بين الحريري والسعوديين الذين فتحوا قنواتهم ومنصاتهم الإعلامية منبراً للهجوم على الحريري وخياراته السياسية.
فكان لافتاً المقال المنشور في صحيفة عكاظ السعودية تحت عنوان: “سعد الحريري أنا أو لا أحد”، لأحد الكتاب السعوديين المقربين من الديوان الملكي
وتؤكد المصادر أنه وبعد الموقف الرافض للحريري والذي يتأخر كل يوم، ستتجه العلاقة للتوتر أكثر بين الطرفين في ظل العودة العربية والسعودية إلى لبنان والتي تسعى لاستنهاض السُّنة ومنعهم من اعتزال المشاركة السياسية والتي سيكون لها تداعيات خطيرة بسبب موقف شخصي من الحريري.
حقيقة الطلب السعودي
بالمقابل، فإن مصدراً سياسياً مقرباً من السعودية قال لـ”عربي بوست” إن الدول العربية لم تطلب من الحريري موقفاً سياسياً مباشراً يدعو من خلاله للاقتراع للوائح مدعومة من الرياض والدول الخليجية.
وأشار المصدر إلى أن كل ما طلب منه، أولاً وقف التحريض على نشاط الشخصيات الرافضة للمقاطعة الانتخابية وعدم تخوينها وشيطنتها كما يجري مع الرئيس فؤاد السنيورة والوزراء النواب السُّنة الذين التفوا حول خياره.
وثانياً الطلب من الجمهور السُّني المشاركة بكثافة في الانتخابات وعدم الركون للمقاطعة وترك البلاد خاضعاً لحزب الله بهذا الشكل الفج.
وأوضح المصدر أن الحريري يسعى من خلال تسويق شائعة الضغط عليه سعودياً من حشد شعبية واستعطاف سُني بعد النشاط السعودي مع بعض المقربين وعدم التواصل معه مباشرة، على حد قوله.
يذكر أن السعودية ودولاً عربية تقوم منذ عودة السفير السعودي للبنان بدعم لافت للحراك السياسي في الساحة السُّنية الذي يقوده رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والذي عمل على تشكيل لوائح وترشيح شخصيات بالتحالف مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي.
مواجهة المفتي والرؤساء
هذا الحراك عزَّزته خطبة عيد الفطر التي ألقاها مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان بحضور رؤساء حكومة ووزراء ونواب، ودعا من خلالها بشكل صريح لعدم مقاطعة الانتخابات والذهاب للاقتراع بكثافة.
ونبَّه المفتي فيها من “خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات”؛ لما فيه انعكاسات على مستقبل الحضور الوطني لسُنَّة البلاد أسوة بما جرى في العراق ودول أخرى، على حد وصفه.
بالمقابل، اعتبرت مصادر قيادية في تيار المستقبل كلام دريان موجهاً للحريري، وتحذيراً مسبقاً من أي دعوة للحريري لمقاطعة الانتخابات في ظل ما يحكى عن موقف يحضره الحريري يدعو من خلاله السُّنة للمقاطعة المفتوحة.
وكلام دريان الداعي للمشاركة ردَّ عليه المنسّق العام للإعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى؛ إذ إنّ موسى قال: “ترى قيادات وشخصيات عدة أنّ عدم المشاركة في الانتخابات يؤدي إلى تسليم حزب الله زمام الأمور في البلد. ونحن نرى مع قطاع واسع من المواطنين في كلّ المناطق، إنّ المشاركة ستؤدي إلى تأمين غطاء شرعي للحزب ونحن في التيار لسنا شركاء في هذه الجريمة”.
لعبة الزعامة المستمرة
بالمقابل، تشير الكاتبة السياسية ميسم قصير لـ”عربي بوست” إلى أن الحريري يريد إشهار سلاح مقاطعة الانتخابات، مع استثناءات تكفل له حيازة نواة كتلة نيابية في البرلمان المقبل، تجديداً للمبايعة الشعبية له زعيماً للسنة، فيما يريدها “حلفاؤه”، من فؤاد السنيورة إلى سمير جعجع وليس انتهاءً بوليد جنبلاط، بالتناغم مع الأوامر السعودية، عقاباً له على التسوية الرئاسية وعدم مواجهة حزب الله، وصولاً إلى إنهاء الحريرية السياسية وتقاسم تركتها.
لذا ووفقاً لقصير فإنه وبهذا المعنى، وإذا لم يطرأ ما يجبر الحريري على الانتظام ضمن الأوامر السعودية، فإن المعركة بالنسبة إليه ليست أقل من معركة وجود، يكون بعدها أو لا يكون.
تشير قصير إلى أنه في العلن، لا يزال الحريري ملتزماً بأمر الانسحاب شخصياً من الانتخابات خشية غضب السعودية. لكنه، في الواقع، قد يكون أكثر الفاعلين في دوائر كثيرة اليوم، مع ارتفاع وتيرة حركة مستشاريه والمنسقين في تياره والكوادر المعروفين بولائهم الشديد له في عدد من الدوائر للتأكيد على ضرورة المقاطعة.
في المقابل، زادت حركة السفير السعودي وليد البخاري، وبدا تأثيره واضحاً في خطبة عيد الفطر لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي حذّر من “خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات ومن خطورة انتخاب الفاسدين”، معتبراً أنّ الانتخابات هي الفرصة المتوافرة أمامنا لتحقيق التغيير.
وتؤكد الكاتبة اللبنانية أن دعوة دريان جاءت بناءً على طلب البخاري، بعدما كانت دار الفتوى قد التزمت الحياد الانتخابي طوال الفترة الماضية.
أزمة السُّنَّة
بالمقابل، يعتبر المحلل السياسي منير الربيع أن أزمة السنّة في هذه المرحلة ليست أزمة اقتصادية ومعيشية ومالية فحسب، على الرغم من خطورة هذه الأزمات.
لكن الأزمة الحقيقية تتجلى في الضياع السياسي، وفي انعدام القدرة على تكوين رأي سياسي، أو موقف قادر على استعادة تشكيل محور سياسي للمرحلة المقبلة.
ويعتبر الربيع أن تجربة سعد الحريري تحتاج إلى مراجعة قاسية، منذ ما قبل تسوية 2016 وبعدها: سوء إدارته كل مقدرات الدولة العميقة وتسليمها للتيار الوطني الحر، بدءاً من التخلي عن تعيينات الدرجة الأولى والثانية مروراً بالموافقة على بقانون الانتخابات الذي يتحمّل المسؤولية المباشرة عن إقراره.
فلو رفضه لما نجح الآخرون في تمريره، وبعد أن راجعته شخصيات كثيرة، قال لهم الحريري: “لا ينتظر منّي أحد منكم أن أختلف مع ميشال عون، أو أن أقدم على ما يزعجه”
ويعتبر الربيع أنه لا يمكن للسنّة الركون إلى مثل هذه الحملات التي يقوم بها بعض “الطفوليين” في تيار الحريري، والذين يحصرون معركة سياسية بجوانب شخصية أو مصلحية، على حد تعبيره.
وعلى من يقول إن المعركة الانتخابية لن تؤدي إلى تغيير كبير، ويمكن الرد بأن هناك فرصة حقيقية لحرمان حزب الله من حصوله على الأكثرية النيابية. وهذا يرتبط بمدى مشاركة السنة الكثيفة في التصويت. والأهم أن لبنان مقبل على توازنات جديدة.
وهناك أهمية قصوى لعدد المقاعد النيابية من حلفاء حزب الله ومعارضيه، ليس في سبيل تغيير سريع، بل لحجز المقاعد الأساسية لحين اقتراب موعد أي تسوية سياسية. فحزب الله يخوض هذه المعركة الانتخابية وجودياً، ليقول للجميع إنه نجح في خرق السنّة والدروز والمسيحيين، وإنه بعد كل ما جرى لا يزال يتمتع بأكثرية تمنحه الشرعية.