يسير الأردن بثبات نحو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تنفيذ إصلاحات تعيد اقتصاده إلى دائرة الاستقرار، ما يجعل منه بلدا نموذجيّا بالنسبة إلى الصندوق قياسا بمحيطه الإقليمي الذي يعاني من الأزمات.
يأتي هذا في وقت يقول فيه خبراء إن التعامل الإيجابي بين الأردن والصندوق يمكن أن يوفر خارطة طريق لتونس ومصر ويبدد تخوفاتهما من دخول مغامرة الإصلاح الاقتصادي في ظل وضع اجتماعي صعب.
خالد الشافعي: لا يمكن تطبيق تجربة الأردن مع صندوق النقد على مصر
وقال صندوق النقد الدولي إنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الأردن بمقتضى برنامج التسهيل الممدد، مما سيجعل المخصصات الإجمالية منذ بدء البرنامج في 2020 تصل إلى نحو 1.75 مليار دولار.
وأوضح رون فان رودن، المسؤول في صندوق النقد الدولي، للصحافيين أن الأردن يسير بثبات على المسار الصحيح مع تحقيق جميع الأهداف الكمية الرئيسية للبرنامج من خلال سياسات نقدية ومالية حصيفة.
وأضاف “على الرغم من صعوبة الأوضاع العالمية والإقليمية، نجح الأردن في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي”.
وتابع أن استقرار الاقتصاد الكلي في الأردن ساعده في الحصول على معدلات فائدة أفضل في أسواق رأس المال مقارنة بدول أخرى عندما أصدر سندات دولية الشهر الماضي بقيمة 1.25 مليار دولار.
وقال “نعتبر الأردن قصة نجاح لأنه طبق بثبات سياسة اقتصادية كلية وسياسة مالية وسياسة نقدية حصيفة”.
وعلق وزير المالية الأردني محمد العسعس قائلا إن البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي ومدته أربع سنوات والمقرر أن ينتهي العام المقبل ساعد في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وسط ظروف عالمية صعبة.
وكان الصندوق دعا الأردن في السابق إلى القيام بمجموعة من الإصلاحات، من بينها خفض ديون شركة الكهرباء وتقليص الحكومة دعمها المكْلف الموجّه إلى الوقود وزيادة تحصيل الضرائب وخفض الرواتب، وغيرها من التوصيات.
لكن هل يمكن أن يوفر الاتفاق مع الأردن خارطة طريق فعّالة لدولة مثل مصر مازالت تبحث عن تنويع مصادر التمويل وجذب الاستثمارات للخروج من وضعها الصعب أم أن هناك فوارق بين الأردن ومصر ما يجعل القياس في غير محله؟
محمد صالح الجنّادي: التقشّف والتقليص التدريجي للدعم غير ممكنَيْن في تونس
ويرى المحلل الاقتصادي المصري ياسر عمارة أن الوضع في مصر يختلف عن الوضع في الأردن؛ فالاقتصاد الأردني لا يتسم بالتنوع مثل نظيره المصري، كما أن عدد السكان منخفض في الأردن، حيث يصل إلى 12 مليون نسمة مقارنة بمصر التي يفوق عدد سكانها 100 مليون نسمة.
ومن المتوقع أن تكون القاهرة قادرة على إبرام اتفاقية على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في يونيو المقبل، ما يضعها في المسار الصحيح للحصول على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق والاستفادة من شريحة القرض الثانية مع حلول الربع الثالث من العام الجاري، والتي كان من المنتظر أن تتسلمها مصر في مارس الماضي.
وأضاف عمارة في تصريح لـ”العرب” أن “التجربة الأردنية غير مناسبة لمصر بسبب اختلاف المشاكل الاقتصادية التي واجهتها القاهرة؛ إذ عانت من الاعتماد المفرط على استيراد الكثير من الأغذية والسلع، مع الحاجة إلى مستلزمات الإنتاج ومعدات المصانع، عكس الأردن الذي لا يواجه هذه المشكلات بالحدة ذاتها”.
وتواجه مصر مشكلات في تنفيذ طلبات صندوق النقد الدولي، خاصة ما تعلق منها بالحفاظ على سعر صرف مرن وإجراء إصلاحات هيكلية تشمل بيع أصول مملوكة للدولة وتحسين مستوى الشفافية فيما يخص الشركات المملوكة للقطاع العام والتابعة للقوات المسلحة، وإن بدأت تخطو ببطء في إنجاز ذلك، حيث التزمت بتقليص دور الجيش في الاقتصاد كجزء من حزمة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وأكد مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي لـ”العرب” أن “مصر لا يمكنها تطبيق تجربة الأردن أو غيرها من الدول العربية في التعامل مع صندوق النقد، لأن اقتصاد مصر يتعدى نظيره الأردني في الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ قرابة 45 مليار دولار، بينما في مصر يتعدى 450 مليار دولار”.
وبعد الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه المصري في الشهرين الأولين من العام الجاري ظل سعر الصرف الرسمي له مقابل الدولار بلا تغيير، بينما لم تقم الحكومة بعد ببيع أي أصل من الأصول التابعة لها ضمن برنامج الطروحات، ولم يواجه الأردن هذه الأزمة.
ياسر عمارة: تجربة الأردن غير مناسبة لمصر بسبب اختلاف المشاكل الاقتصادية
وأشار الشافعي إلى أن السلطات المصرية لن تنظر إلى ما اتخذه الأردن من إجراءات اقتصادية، ويصعب القول إن تجربته الناجحة مع صندوق النقد يمكن تطبيقها على مصر التي أخفقت في برنامج الإصلاح الاقتصادي بسبب الفروق الشاسعة بين البلدين.
وبالنسبة إلى تونس، يقول خبراء إنها تحتاج إلى أن تبادر باتخاذ خطوات ضرورية لإعادة توازن المالية العمومية، وأن تبدأ الحكومة باتخاذ قرارات واضحة بشأن أهم القضايا الخلافية مع النقابات، أي التوقف عن قبول المزيد من الموظفين ووقف الزيادات في الرواتب.
لكن ما يعيق الدخول في الإصلاحات هو دور الدولة في تونس التي دأبت على لعب دور اجتماعي يجعل من الصعب عليها أن تتراجع أو تسير باتجاه التخلي عن الدعم والحد من دورها في توفير الخدمات الضرورية.
وأفاد الخبير المالي والاقتصادي محمد صالح الجنّادي بأن “تونس دولة تعتمد على المنهج الاجتماعي منذ الاستقلال في سنة 1956 لدعم الفئات الهشّة والضعيفة، والميزانية فيها صندوق دعم، لكن التقشّف والتقليص التدريجي للدعم غير ممكنيْن في تونس لأن نسبة الفقر مرتفعة (أكثر من 4 ملايين فقير)، وهي نسبة تتجاوز تلك الموجودة في الأردن”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “السياسات العامّة في تونس دائما تتطلب وجود الدور التعديلي للدولة، ولا يمكن المقارنة بين البلدين، خصوصا وأن نسبة المديونية في تونس ارتفعت من 37 مليار دينار سنة 2010 إلى 105 مليارات دينار في الفترة الأخيرة، وبالتالي لا يمكن المقارنة بين المقاربات المعتمدة في البلدين”.
ومن شأن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ولو في حدها الأدنى، أن يوجه رسالة واضحة إلى مختلف المانحين مفادها أن تونس جادة في معالجة أزمتها الاقتصادية، وهو ما يوفر لها فرصة لإقناع شركاء تونس التقليديين في الغرب والمانحين الخليجيين بضرورة أن يهبّوا لمساعدتها.
وتعوّل تونس كثيرا على نتائج القرض الجديد من الصندوق لتخفيف حدة الأزمات الداخلية بعد زيادة أسعار الكثير من السلع والخدمات وما نجم عن ذلك من تململ اجتماعي يمكن أن تزداد مخاطره في الفترة المقبلة؛ إذ صارت الحكومة مطالبة بالوفاء باستحقاقات عاجلة لمنع اتساع نطاق الاحتقان الاجتماعي.