سلط تحليل اقتصادي الضوء على نتائج المساعي والإجراءات السعودية الرامية لتقليص فجوة الأجور بين المواطنين والعمالة الوافدة، مشيرا إلى أنه يمكن للمملكة الاستفادة من تجربة سنغافورة الناجحة في هذا الصدد.
وذكر التحليل الذي كتبه الخبير الاقتصادي السعودي مشعل الخويطر، ونشرته مدونة “LSE’s Middle East Center” التابعة لكلية لندن للاقتصاد، أن السعودية بدأت في فرض رسوم سنوية على جميع الشركات الخاصة التي توظف عمالة أجنبية في عام 2018.
وتفاوتت الرسوم استنادا إلى عدد المواطنين العاملين بالشركة (كلما زاد الأجانب زادت الرسوم) والقطاع الذي تعمل فيه، على سبيل المثال، استبعدت الشركات المصنفة كشركات صناعية ومصدرة بالكامل من رسوم ضريبة العمالة الوافدة، كما أعفت
في أبريل/نيسان 2020، أعفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أيضًا الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تم تعريفها على أنها تضم تسعة عمال أو أقل من الرسوم المذكورة.
وأشار الخويطر إلى أنه على الرغم من إصلاحات العمل المختلفة التي نفذتها وزارة حقوق الإنسان والتنمية البشرية، إلا أن فرق الأجور بين العمال الأجانب والسعوديين لا يزال مرتفعا، حيث يكسب العمال الأجانب 70٪ من متوسط دخل العمال السعوديين من ذوي المؤهلات نفسها.
ولفت إلى أنه في الوقت الحالي، تدفع الشركات السعودية الخاصة التي توظف عمالاً أجانب أكثر من المواطنين ضريبة سنوية تبلغ 9600 ريال (حوالي 2556 دولارًا).
واستشهد الاقتصادي السعودي بتجربة سنغافورة في هذا الصدد، والتي كانت حتى عام 2017، تعتمد بشدة على العمالة الأجنبية الرخيصة التي شكلت حوالي 50٪ من قطاعها الخاص.
وذكر أنه تاريخيا، فضلت الشركات السنغافورية الخاصة وعلى غرار السعودية، توظيف العمال الأجانب، وهو ما يعني في كثير من الأحيان استبدال المواطنين بعمالة أجنبية ذات مؤهلات متساوية ولكنها أرخص.
لتقليل اعتمادها على العمال الأجانب، تبنت سنغافورة عدة سياسات لسد فجوة تكلفة العمالة بين المواطنين والعمالة الأجنبية.
تم تنفيذ بعض سياسات سوق العمل مثل حصص التوطين والرسوم على العمال الأجانب من قبل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، لكن هناك سياسات فعالة أخرى يمكن للسعودية تبنيها بناءً على تجربة سنغافورة.
وأوضح أنه في الوقت الحالي، يجب على جميع الشركات السنغافورية الخاصة المهتمة بتوظيف عامل أجنبي ماهر أن تمر عبر برنامج S Pass، وأن تقدم أدلة كافية على أنها توظف العامل لمهاراته المتخصصة، وليس التكلفة.
وذكر أن للبرنامج المذكور 3 شروط رئيسية تعالج جذور فجوة الأجور.
أولاً، طرحت سنغافورة حداً أدنى للأجور قائم على المهنة لجميع العمال. على وجه التحديد، يتم تفويض الشركات الخاصة لدفع أجر للعمال الأجانب يعادل ما يكسبه الثلث الأعلى من المواطنين في نفس المهنة.
على سبيل المثال، إذا كان الراتب الذي يحصل عليه أعلى ثلث % من المواطنين الذين يعملون في شركة استشارية سنغافورية هو 2000 دولار شهريًا، فلن تسمح وزارة القوى العاملة لأي شركة بتوظيف عمال أجانب مقابل أي أجر أقل من هذا الحد.
هذا الشرط يحقق العدالة والحس الاقتصادي لأنه يحمي المواطنين من مساوئ تكلفة العمالة التي يعاني منها الرجال السعوديون على وجه الخصوص، الذين يخنقون في منافسة مع العمال الأجانب الرخيصين، والنساء السعوديات المدعومات بشدة.
ثانيًا، تطلب وزارة القوى العاملة السنغافورية من الشركات الخاصة دفع أجور العمالة الأجنبية بناءً على خبرتهم العملية. وهذا يضمن مرة أخرى عدم قيام الشركات الخاصة باستبدال المواطنين الشباب بموظفين أجانب أكثر خبرة ولكن أرخص.
ثالثا، لزيادة جودة قوتها العاملة، تطلب سنغافورة من جميع العمالة الأجنبية إكمال تعليمهم من جامعة معتمدة. هذا المطلب له فوائد تمتد إلى ما هو أبعد من خلق ظروف سوق عمل عادلة، وقد مكّن سنغافورة من أن تحتل المرتبة الأولى كأكثر الاقتصادات تنافسية في العالم وثالث سوق العمل الأكثر تنافسية.
وقال الخويطر إن أحدث البيانات الإدارية الصادرة عن وزارة القوى العاملة تشير إلى أن عدد العمال الأجانب متوسطي المهارات في سنغافورة قد انخفض بنحو 8.2٪، ليصل إلى 169 ألف عامل مقارنة بـ 185 ألف عامل عندما تم تقديم برنامج S Pass في عام 2017.
نتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يستنتج أن بعض العمال الأجانب المغادرين على الأقل قد تم توظيفهم في المقام الأول بسبب تكلفتهم المنخفضة، وأنه بمجرد أن طلبت وزارة القوى العاملة من الشركات أن تدفع لهم أجورًا تعادل أجور المواطنين، تم تسريح البعض منهم.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى السعودية يمكنها تسريع وتيرة إصلاحات سوق العمل من خلال تبني سياسات من البلدان التي واجهت تحديات مماثلة، مثل سنغافورة. قد تتضمن هذه السياسات تدابير مثل: حد أدنى للأجور قائم على المهنة حيث يتقاضى العمال الأجانب أجرًا يعادل على الأقل نسبة الثلث الأعلى من العمال السنغافوريين في نفس الصناعة، حصر التأشيرات على العاملين من جامعات ذات مرتبة عالية ومعتمدة، إلزام الشركات بدفع الأجور بناءً على الخبرة التي تزداد تدريجياً بمرور الوقت.
متابعات