قال موقع Christian science monitor الأمريكي، إن مجرد تصافح السعوديين مع الحوثيين وإزالة طبقة الحرب بالوكالة، لا يعني انتهاء الصراع باليمن.
وأشار الموقع في تقرير له إلى مخاوف اليمنيين بأن السلام سيستلزم أكثر من اتفاق سعودي أحادي مع الحوثي يخاطر بمنح الجماعة المدعومة إيرانياً حافزًا ضئيلاً للتخلي عن هدفها الاستراتيجي الطويل الأمد المتمثل بالسيطرة الكاملة على البلاد.
وأضاف التقرير، أنه طوال ثماني سنوات من الحرب في اليمن، بدا المشهد الذي انكشف قبل أسبوع غير وارد: حيث وصل مسؤول كبير من المملكة العربية السعودية إلى العاصمة صنعاء، ليصافح ويبتسم ويتفاوض مع الأعداء اللدودين – المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على العاصمة وشمال غرب البلاد.
واحتدم التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران بشدة على الحرب الأهلية المأساوية في اليمن. لكن محللين يحذرون من أن إزالة طبقة الوكالة من الصراع المعقد لا تكفي لتأمين السلام. وهذا يتطلب ضم الفصائل الأخرى.
وتأتي هذه التحركات المتسارعة بعد أسابيع فقط من تقارب رفيع المستوى توسطت فيه الصين الشهر الماضي بين الخصمين السعودية وإيران – وكلاهما حوّل الحرب الأهلية في اليمن إلى ساحة معركة بالوكالة لتوسيع نفوذهما الإقليمي.
لكن حتى في الوقت الذي أثارت فيه مصافحة صنعاء والمحادثات الأمل بإحراز تقدم نحو السلام في اليمن، مدعومًا بتبادل أولي لحوالي 900 سجين بدأ يوم الجمعة، يقول الخبراء إن المفاوضات بين السعودية والحوثيين تركز على جانب واحد فقط من الصراع المعقد.
ويحذر محللو اليمن من أنه في حين أن المحادثات السعودية الحوثية هي خطوة أولى حاسمة نحو إزالة الطبقة بالوكالة في الصراع، فإنها تتجاهل الطبقات الأخرى في حرب اليمن من خلال استبعاد الفصائل الأخرى وعلى وجه الخصوص، يشمل ذلك الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي تحكم الآن من المنفى في المملكة العربية السعودية، وميليشيا انفصالية مدعومة من الإمارات العربية المتحدة تسمى المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما يحذر المحللون من أن النتيجة قد تكون استمرار الصراع بين اليمنيين، لأن أي اتفاق جانبي يتوصل إليه الحوثيون مع السعوديين سيعطي الفصيل المدعوم من إيران حافزًا ضئيلاً للتخلي عن هدفه الاستراتيجي الطويل الأمد المتمثل في السيطرة على البلاد بأكملها، أو تبني عملية سلام شاملة.
تقول ندوى الدوسري، الخبيرة في شؤون اليمن بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن: “لقد حققت الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون على السعودية هدفها، وهو الضغط على السعوديين للرضوخ، أي الخروج من اليمن لحفظ ماء الوجه”.
وأضافت: “ذهاب السعوديين إلى صنعاء هو بيان استسلام، بيان هزيمة، حتى لو تم تصويره كمحاولة للتوصل إلى السلام وإنهاء الصراع في اليمن”.
وتابعت: “هناك أمل ضئيل في أن يؤدي ذلك إلى حل بعض القضايا، مثل دفع الرواتب [لموظفي الخدمة المدنية في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون] وفتح المطارات”. لكن بعد ذلك، يعرف اليمنيون أن هذا يعني تسليم اليمن إلى الحوثيين، والكثير منهم خائفون من هذا السيناريو”.
وتضيف: “كان السعوديون والإماراتيون عقبة”. حيث انضمت الإمارات في البداية إلى التحالف الذي تقوده السعودية لكنها انفصلت في عام 2019 ودعمت ميليشياتها الخاصة، مما أدى إلى مزيد من التوتر مع تنافس الإمارات والسعودية بشكل متزايد على الهيمنة بين دول الخليج العربي.
وقالت الدوسري، إنه “على الرغم من أنهم ساعدوا في منع الحوثيين من التوسع عسكريًا في بداية الحرب، إلا أن أجنداتهم المتنافسة قسمت وأضعفت بشكل كبير المعسكر المناهض للحوثيين”.
وقد جعل ذلك الحوثيين قادرين على انتزاع تنازلات في سياق جهود الأمم المتحدة وغيرها من جهود السلام منذ عام 2014، مع إعطاء القليل في المقابل.
ورفض الحوثيون وقف إطلاق النار السعودي الأحادي الجانب، لكن الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر / تشرين الأول الماضي لا تزال سارية إلى حد كبير.
من جانبه يقول عبد الغني الإرياني، الباحث البارز بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: “إذا نجحت المفاوضات في شكلها الحالي، فلن تؤدي إلى سلام دائم، لأن السعوديين سيعترفون بحكم الأمر الواقع بالحوثيين… مع استبعاد الأطراف الأخرى”.
وأضاف أن “المفاوضات بين اليمنيين ستكون غير متوازنة. إذ أنها “لن تكون بين أنداد”. سيقول الحوثيون “هذا ما سنعطيكم. خذوه أو اتركوه “.
وأشار إلى إنه يتوقع أن يقدم الحوثيون عفواً لعودة الحكومة من المنفى بعد سنوات من سب أعضاءها بـ “المرتزقة السعوديين”، على سبيل المثال، إضافة لعدد رمزي من المناصب الوزارية المخصصة لهم في حكومة يقودها الحوثيون رغم أن القوة الحقيقية ستبقى في أيدي الحوثيين.
ووفقا للإرياني”ليس لدى الحوثيين أي نية للحفاظ على الدولة اليمنية كدولة موحدة، وليس لديهم نية لتقاسم السلطة مع أي شخص بطريقة مجدية “.
وقال “إنهم (الحوثيون) يريدون دولتهم الخاصة على الأراضي التي يسيطرون عليها وتجاهل بقية أراضي الدولة، والتي ستتحول في النهاية إلى مساحات غير خاضعة للحكم، ومفتوحة أمام القاعدة والدولة الإسلامية”.
من جانب آخر، أشار التقرير إلى أنه وبعد مثل ذلك الاستثمار الضخم من قبل السعودية في حرب اليمن لسنوات عديدة، تفاجأ المحللون بحجم وسرعة التنازلات السعودية، والتي يعزونها جزئياً إلى تحسن القدرات العسكرية للحوثيين، بدعم من الخبرة الإيرانية.
وقال الإرياني: “بحلول عام 2019 و 2020، بعد زيادة هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، كان السعوديون يقولون، ‘سننسحب ونترك اليمنيين يقاتلون’ ‘، لكن الأمر أصبح أكثر تعقيدًا مع وصول الحوثيين إلى الرياض، وتعاظم التهديد أكثر”.
وأضاف، “لا أعتقد أن السعوديين يريدون الخروج فقط، لأن الحوثيين سيظلون يمثلون تهديدًا استراتيجيًا للسعودية”.
وبحسب التقرير، قد يكون التعامل مع هذا اللغز الاستراتيجي هو الشاغل الأكبر للمملكة العربية السعودية، حيث تبني رؤيتها 2030، وهي مجموعة واسعة من مشاريع الإنفاق والبناء التي تعتبرها المملكة “مخططًا فريدًا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التحولي الذي “يفتح المملكة العربية السعودية أمام العالم.”
تقول فينا علي خان، المتخصصة في شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل: “يدرك السعوديون أنهم إذا أرادوا الخروج من الصراع، فسيتعين عليهم تقديم تنازلات كبيرة للحوثيين”.
وتضيف “ما يتضح بشكل متزايد هو أن السعوديين يريدون الانسحاب من اليمن. الحوثيون يدركون ذلك، لذا فهم يحاولون انتزاع أكبر عدد ممكن من التنازلات، ويبدو أن ذلك يجدي نفعا. حيث ينتقل السعوديون ينتقلون من الاستراتيجية العسكرية إلى الاستراتيجية الدبلوماسية”.
وقالت علي خان، إن “ما سيؤثر على رؤية 2030 ، ويمنع السياح من دخول المملكة، هو إطلاق الحوثيين صواريخ عبر حدودها”.
وأضافت: “لذا فإن ما يرونه انتصارًا ليس بالضرورة أن يعني توقف الحوثيون عن الوجود، ولكن مجرد ضمان وجود حوثي أكثر ودية على الحدود لا يطلق الصواريخ”.
متابعات