خبيرة ألمانية: انفجار الوضع في السودان كان متوقعا.. والسؤال كان متى؟

كيف تصاعد الصراع الحالي في السودان بين الجيش وقوات التدخل السريع في السودان؟ وما حجم القوى المتصارعة على الأرض؟ ومن يدعمها؟ وكيف يمكن أن تؤل الأمور في هذا البلد الفقير؟ حول ذلك حاورت DW الخبيرة الألمانية مارينا بيتر*.

بعد  خلافات سياسية وتوترات على مدى الأسابيع والأشهر الماضية بلغت ذروتها بداية الشهر الجاري، انفجر الوضع في السودان السبت (15 أبريل/نيسان 2023)، واستفاق السودانيون والعالم على مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو.

فكيف وصل السودان إلى هذا الوضع؟ وكيف يبدو مستقبل الصراع؟ وما طبيعة توازنات القوى على الأرض؟ وما هو دور الخارج وحجم تأثيره في هذا الصراع؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى طرحتها DW على الخبيرة الألمانية مارينا بيتررئيسة جمعية “المنتدى السوداني” الألمانية. 

السيدة بيتر، لماذا تصاعد الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع الآن بالذات؟

مارينا بيتر: هناك سبب يجرنا للسؤال: هل ستظهر أخيرا حكومة مكونة من قوات عسكرية وقوى مدنية مرة أخرى؟ كان هناك اتفاق بهذا المعنى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وكان من المقرر ظهورها في كانون الأول/ ديسمبر. ولكن بعد ذلك تم تأجيل هذه الخطوة مرارا وتكرارا . هذا هو السبب، لأن إحدى نقاط الاتفاق هي الاندماج الكامل للقوات شبه العسكرية في الجيش السوداني.

قوات الدعم السريع نشأت في الأصل مما يسمى براكبي الجنجويد على الخيول، والذين اشتهروا بشكل خاص في دارفور. هؤلاء قتلوا الكثيرا من الناس في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ومع مرور الوقت أصبحت هذه الميليشيات جزءا شبه مستقل من القوة العسكرية السودانية يراد الآن دمجها بالكامل. لكن الصراع على السلطة تفاقم بشكل عملي، وكان متوقعا منذ عام 2019، منذ سقوط الديكتاتور عمر البشير.

 قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أمر بحل قوات الدعم السريع وإعلانها قوة متمردة.

قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان

فقد أصبح القائد العام الحالي للقوات المسلحة،  اللواء حينها والفريق أول ركن حاليا عبد الفتاح البرهان، رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي في ذلك الوقت، وكان قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) نائباً له. كلاهما أبناء بالتبني  للديكتاتور السابق البشير، لذا فإن الرجلين ينتميان أيضا إلى البيئة الإسلامية. اكتسب حميدتي مؤخرا شعبية متزايدة في الغرب لأنه عمل مؤخرا على القبض على بعض المهاجرين الذين أرادوا عبور الصحراء السودانية إلى ليبيا ومنع تقدمهم إلى أوروبا.

كان من الواضح أن أحدهما سيحتل أعلى منصب قيادي. بالنسبة لنا، ممن يراقب الوضع عن كثب، وبالخصوص بالنسبة للسودانيين أنفسهم، لم يكن السؤال: ما إذا كان سيكون هناك صراع على السلطة، بل أن السؤال كان متى. فالكارثة كانت متوقعة.

ما مدى قوة قوات الدعم السريع؟

قوات الدعم السريع مسلحة للغاية. لقد خدمت لسنوات كقوة مرتزقة في كل من ليبيا واليمن. تتمتع القوة بعلاقات قوية للغاية مع روسيا. حميدتي من أغنى الرجال في السودان. وجنت قوات الدعم السريع الكثير من الأموال بشكل رئيسي من تعدين الذهب في دارفور مسقط رأس حميدتي وأجزاء أخرى من البلاد. بالمناسبة، تم شحن جزء كبير من هذا الذهب إلى روسيا. روسيا صديق كبير وداعم كبير لقوات الدعم السريع.

لكن البرهان ليس رجلا فقيرا أيضا. لقد استفادا بشكل كبير من الوضع الاقتصادي. حميدتي ثري لدرجة أنه استطاع أن يشتري بالمال لنفسه الكثير من المودة والعلاقات. من بين أمور أخرى، جلب أيضا قوات من  مجموعة فاغنر ، التي نعرفها من حرب أوكرانيا، إلى البلاد. وما يقلقنا هو أن الروس ربما ينقلون معلومات استخباراتية إلى حميدتي.

هل تفترضين أن قوات الدعم السريع ستنتصر في نهاية المطاف؟

لا أستطيع أن أقول ذلك على الإطلاق في الوقت الحالي،  فالجيش السوداني مجهز تجهيزا جيدا . إنه يسيطر على سلاح الجو  الفعال حاليا. وهذا أمر مأساوي فعلا، بالنظر إلى أن العديد من قوات الدعم السريع تتواجد في مناطق مكتظة بالسكان. لا أعتقد أن قوات الدعم السريع ستنتصر بسهولة، بل على العكس. لكنهم قد يشكلون حلقة حول الخرطوم. ولديهم بالتأكيد ملاذ آمن في دارفور، حيث كانوا يقاتلون بشكل شبه مستمر طوال الأشهر القليلة الماضية.

في الوقت الحالي، هناك أيضا صراع في شرق السودان. لا يمكننا التنبؤ في الوقت الحالي. وللبرهان أيضا حلفاء، فهو مدعوم بشدة من مصر، على سبيل المثال.

مارينا بيتر: روسيا صديق كبير وداعم كبير لقوات الدعم السريع.حميدتي مع وزير الخارجية الروسي لافروف

الإدماج الكامل لقوات الدعم السريع في الجيش شرط أساسي لمشاركة المدنيين في الحكومة مرة أخرى. برأيك، هل قضى التصعيد الحالي على هذا المسار ؟

أخشى أن يكون هذا صحيح. نحن في الغرب نعتقد بسرعة أن قادة الجيوش يمكن أن يتحولوا إلى ديمقراطيين بين ليلة وضحاها. لم ينجح هذا الأمر في جنوب السودان، الذي انفصل عام 2011. الوضع مشابه في إريتريا. ولم يفلح الأمر في السودان أيضا. القادة العسكريون، بقدر ما يتصرفون كما لو أنهم اكتشفوا الديمقراطية فجأة، فإنهم يستخدمون هذه الإعلانات فقط لتحسين صورهم. في الأشهر القليلة الماضية، حاول حميدتي على وجه الخصوص استمالة أجزاء من السكان من خلال إدانة الانقلاب العسكري. قال بالطبع إنه كان مؤيدا للديمقراطية. لكن كل هذا لم يقال إلا في النهاية للحصول على نقطة انطلاق أفضل في الصراع على السلطة.

طلبت جامعة الدول العربية عقد اجتماع طارئ. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف فوري لأعمال العنف. ما حجم احتمالات التأثير من الخارج؟

تكمن الصعوبة الكبرى في أن الدول الأخرى قد مارست بالفعل الكثير من النفوذ. مصر تود أن ترى حكومة السودان مماثلة لتلك التي في القاهرة. لا توجد حكومة ديمقراطية هناك. السعودية أشعلت الكثير في السودان، كما فعلت روسيا وإريتريا. أثيوبيا ترغب بدعم طرف واحد في هذا الصراع على السلطة. ليس لدى أي من هذه البلدان أي مصلحة حقيقية في حكومة ديمقراطية في السودان.

للأسف، نشهد حاليا عملية إعادة تقسيم لأفريقيا على أساس مناطق قوة و مناطق نفوذ في “حرب باردة” جديدة. ظل الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش صامتا لفترة طويلة جدا. لطالما طرحنا السؤال على أنفسنا: أين هي الأمم المتحدة؟ في النهاية، لم يقم رجل قوي أو امرأة قوية بحملة دبلوماسية في الأشهر القليلة الماضية، عندما كان التصعيد متوقعا.

هذا الموقف يظهر عجز المجتمع الدولي مرة أخرى في التعامل مع مثل هذه الحالات. من الجيد أنهم يتحدثون الآن. لكن كان يجب أن يتحدثوا قبل ذلك بكثير، وكان عليهم أن يمارسوا الضغط قبل ذلك بكثير.

برنامج الغذاء العالمي أعلن أنه سيعلق عمله في السودان لأن موظفين في الأمم المتحدة قتلوا. ماذا يعني هذا بالنسبة للسكان المدنيين؟

السودان من أفقر دول العالم. هناك نخب ثرية، لكن الجزء الأكبر من السكان فقراء للغاية، ويعيشون عند خط الفقر أو تحته. خاصة في دارفور، حيث توقفت الأنشطة الآن بسبب قتل موظفي الأمم المتحدة، هناك جرى إطعام الناس لسنوات عديدة بمساعدة من الخارج.

ما زلنا لا نملك طريقة لمعرفة إلى متى سيستمر القتال. بالإضافة إلى كوارث تحدث بالفعل في السودان، فإن هذا التصعيد سيزيد من تفاقمها.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى