فحوصات ما قبل الزواج تثير الجدل في مصر

في سعيها للحد من انتشار الأمراض الوراثية، اتجهت مصر إلى وضع تعديلات على الفحص الطبي باعتباره من الشروط الإلزامية لإتمام الزواج. لكن بمجرد الإعلان عن هذه الإجراءات الجديدة، شهد الرأي العام في مصر جدلا  بسبب زيادة تكلفة رسوم الفحوصات، والحصول على شهادة سلامة معتمدة من وزارة الصحة والسكان.

وبدأت وزارة الصحة المصرية، الأحد، تطبيق التعديلات الجديدة التي جاءت ضمن مبادرة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي،  من خلال 303 مراكز على مستوى البلاد.

ويلزم الإجراء المقبلين على الزواج بالخضوع للكشف الطبي وإجراء تحاليل ما قبل الزواج للطرفين، للكشف عن الأمراض السارية وغير السارية ومنع انتقالها بين الأشخاص، وسعيًا لتقليل احتمالات تعرض الأجيال القادمة للإصابة بالأمراض الوراثية.

وبشأن زيادة تكلفة الفحوصات، قال المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، حسام عبدالغفار، في تصريحات إعلامية إن سعرها سيصل إلى 220 جنيها للفرد الواحد متضمنا تكلفة استخراج شهادة الفحص الطبي، ما يعني أن تكلفة الفحص الطبي للزوجين 440 جنيها.

وخلال أول ثلاثة أيام من انطلاق المبادرة، خرجت أصوات معارضة تنتقد توقيت القرار في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها والتي تسببت في زيادة أسعار أغلب السلع الأساسية، على أساس أنها مزيدا من الأعباء والضغوط على الشباب والأسر التي تعاني اقتصاديا بالفعل.

التحاليل المطلوبة ومدى جاهزية مراكز الصحة

لا يعد الاتجاه للفحوص الطبية قبل الزواج أمرا جديدا على مصر، إذ بدأ العمل بها منذ عام 2008، غير أن تطبيقها بات أكثر صرامة مقارنة بالسابق. وبشكل عام، لا تمنع نتيجة التحاليل الزواج، بل هي مجرد شرط شكلي لإتمام العقد، لأن الزواج اختيار شخصي، وفقا لتصريحات المتحدث باسم وزار الصحة للإعلام وموقع وزار الصحة المصرية.

وتتضمن الفحوصات الطبية الجديدة في مصر فحصا فيروسيا وجينيا، بخلاف تحاليل الأمراض غير السارية. لكن في نوفمبر الماضي، وافق مجلس الوزراء على إضافة تحاليل لاكتشاف احتمالات إنجاب أطفال يعانون من مشاكل صحية، من بينها الكشف عن فيروس الالتهاب الكبدي C وB، وفيروس نقص المناعة المكتسبة HIV، والثلاسيميا، ومرض الأنيميا المنجلية.

وتؤكد الطبيبة فريدة معتزالدين، التي تعمل في أحد المستشفيات الحكومية المصرية، في حديثها لموقع “الحرة” على أهمية التحاليل المستحدثة بالنسبة للزوجين وأطفالهما في ما بعد، وبالتالي المجتمع ككل. لكنها أشارت إلى ضرورة أن تتخذ الحكومة ووزارة الصحة خطوات جادة لضمان إجرائها بالفعل، والتوقف عن اعتبارها مجرد إجراء روتيني حتى يقتنع المواطنون بأهميتها.

وقالت معتزالدين إن هذه الفحوصات تساعد في الكشف عن الإصابة بالأمراض المعدية خاصة تلك التي تنتقل جنسيًا، كما تكشف أيضًا عن أي خلل وراثي.

عدم جاهزية المراكز الصحية مشكلة أشارت لها معتز الدين، التي عملت سابقا في أحد مراكز الصحة في القاهرة، موضحة أن العديد من مراكز الصحة، خاصة في قرى الدلتا والصعيد، ليست مجهزة بالأجهزة والأدوات المطلوبة لإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، وهذا ينفر العديد من المواطنين من هذه الخطوة.

الفساد يحيط بالمنظومة

وقلل أحمد هاشم من أهمية فحوصات ما قبل الزواج، قائلا لموقع “الحرة” إنه رغم عمله كطبيب متخصص في العلاج الطبيعي، فإنه عندما تزوج لم يجر هذه الفحوصات، بسبب الفساد الذي يحيط بهذه العملية، بحسب قوله.

وأضاف أنه في البداية كان ينوي إجراء الفحوصات بالفعل للاطمئنان على نفسه وزوجته المستقبلية، لكنه عندما توجه للمركز الصحي، فوجئ بالموظف المسؤول يعرض عليه أن يستخرج له الشهادة في وقت سريع بدون إجراء أي فحوصات مقابل ٧٠ جنيها.

وأشار الطبيب إلى أنه حتى لو كانت الدولة بالفعل تسعى لمكافحة الأمراض، فلايزال ينقصها كثير من التقنيات الحديثة والرقابة للسيطرة على الفساد ومحاولات التلاعب.

وقال هاشم إن جميع من يعرفهم من أصدقائه ومعارفه يتحايلون على مثل هذه الفحوصات بطرق مختلفة، غير واثقين حتى في نتائجها، وأصبحت مجرد إجراء روتيني ليس له أي أهمية، لدرجة أنها عرضة للتزوير.

ووفقا لدراسة صادرة عن المجلس القومي للسكان، نشرها موقع “برلماني” التابع لمجلس الشعب المصري، يناير الماضي، فإن 41 في المئة من الشباب الذين تزوجوا حديثا، لم يجروا فحص ما قبل الزواج بشكل حقيقي، وتحايلوا من أجل الحصول على شهادة مختومة من أحد المستشفيات تؤكد أنهم أجروا الكشف، لسهولة تزويرها.

وتفرض الدولة على المأذون وجود شهادة طبية لإتمام عقد الزواج، إلا أن المأذون الذي يتولى كتب الكتاب هو من يقوم عادة باستخراجها للزوجين مقابل مبلغ ما.

من جانبه، اعتبر يحيي كريم، المهندس الذي تزوج منذ عام فقط، أنه رغم معرفته بأهمية مثل هذه الفحوصات، إلا أن البيروقراطية في مصر لا تشجع الشباب على خوض هذه التجربة.

ويشتكي كريم مما يسميه الفساد والتزوير الذي يحيط بمثل هذه الخطوة، ويقول لموقع “الحرة” إنه لا أحد يأخذ المبادرة الجديدة على محمل الجد، خاصة أن وضع المستشفيات الحكومية ومراكز الصحة التابعة لها في أسوأ حالاتها. وتساءل “ألم يكن من الأجدى أن تعلن الحكمة عن تطوير المنظومة الصحية بدلا من سعيها فرض رسوم وتكاليف جديدة على الفحوصات الطبية؟”.

وتحدث كريم عن تجربته مع الفحوصات عند زواجه، قائلا إن أصدقاءه كانوا يقترحون عليه أسماء مختلفة لأكثر من مأذون بناء على السعر الذي يطلبه لاستخراج الشهادة الطبية بنفسه. وأضاف أنه تكلف ١٥٠٠ جنيه لاستخراج الشهادتين له ولزوجته.

وانتقد كريم التعديلات الجديدة،  على أساس أنها مجرد طريقة من الدولة لجمع مزيد من الأموال لمحاولة حل أزمتها الاقتصادية. وقال إن كل شاب يجب عليه الآن أن يدفع رسميا ٤٤٠ جنيه من أجل الشهادتين، وهو مبلغ ليس بقليل وسط موجة الغلاء الشديدة التي تشهدها كل السلع في مصر.

وبشأن الانتقادات المتعلقة بزيادة الرسوم الرسمية إلى ٢٢٠ جنيه للفرد، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان في تصريحات إعلامية أن تكلفة تحليل المقبلين على الزواج وحدها أكبر من ذلك بكثير، وتتحمل الدولة الفارق في أسعار التحاليل.

الدول العربية والتشريع المصري

تفرض جميع الدول العربية مثل هذه الفحوصات قبل الزواج، لكن الأمر يختلف من دولة إلي أخرى في كيفية تطبيق الإجراءات وصرامتها والتكلفة. كما وضعت دول الخليج بالتحديد نظاما إلكترونيا يصعب التلاعب به أو التحايل عليه وتزويره من خلال QR كود لكل مواطن، مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين.

ويفرض القانون المصري عقوبات على توثيق عقود الزواج دون إجراء التحاليل المطلوبة تصل إلى السجن عشر سنوات على جرائم التزوير في المحررات الرسمية، ومن ضمنها التقارير الطبية الصادرة عن القطاع الطبي الحكومي.

أما بالنسبة للمأذون الذي يوثق زواجا دون إجراء التحاليل اللازمة، فيتعرض لعقوبة تأديبية بالإيقاف عن العمل وسحب رخصة مزاولة المهنة ودفع غرامة، وفق تعديل جري عام 2008 على قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994.

لكن المتحدث باسم وزارة الصحة حمل المسؤولية على المواطنين في تصريحاته للإعلام، معتبرًا الموظفين جزء من عامة الشعب. وأوضح أن ظاهرة التحايل على الفحوصات الطبية من الأمور التي “لا يصلح معها التشديد القانوني فقط، وإنما يتعلق بوعي المواطنين سواء الموظف أو المقبل على الزواج”.

ولفت عبدالغفار إلى أن الوزارة تعمل حاليًا من جانبها على تحويل تلك الشهادات إلى إلكترونية مميكنة ومدعومة بالـ”QR Code” الذي سيحول دون حصول أي مواطن على شهادة إلا بعد إدخال نتائج التحاليل الحقيقية إلى السيستم، في إجراء يرى أنه سيحد من تزوير الشهادات.

ولم يتسن لموقع “الحرة” الحصول على تعليق من المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبدالغفار، ووزير الصحة السابق ورئيس لجنة الصحة بالبرلمان المصري، أشرف حاتم.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى