“إمارة صغيرة زلزلت الدولة العثمانية”.. هل يعكر مقال أميرة سعودية صفو التقارب مع تركيا؟

في غمرة مساعي التقارب بين السعودية، وتركيا، بعد فترة توتر طويلة، أثارت باحثة سعودية نقطة خلافية، تاريخية، بين الرياض، وأنقرة، قد تعيد العلاقات إلى المربع الأول.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن الباحثة السعودية، جواهر آل سعود، قولها بخصوص قيام الدولة السعودية الأولى (1744- 1818) إن تلك “الإمارة الصغيرة زلزلت أركان الدولة العثمانية”.

وفي معرض حديثها، نفت الباحثة أن يكون اسم السعوديين، قد استحدث خلال توحيد الملك عبد العزيز للمملكة العربية السعودية عام 1932، “بل إن مسمى السعودية عرفته البلاد منذ 3 قرون بمسميات الدولة السعودية الحنفية، والطائفة السعودية، والسعوديين، في حين أن الغزاة العثمانيين أطلقوا الوهابيين والخوارج، في وصفهم للسعوديين” على حد قولها.

فهل يمكن أن يعكر هذا التصريح مساعي عودة العلاقات بين أنقرة والرياض التي لم تتوقف عن إيصال المساعدات للمتضررين الأتراك من الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد قبل نحو أسبوعين؟

خلاف مرير

قد يبدو أن خلاف الرياض وأنقرة، بدأ في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، لكن الحقيقة، أن الخلاف يمتد لسنوات موجة “الربيع العربي”.

لكن العام 2018 شكل منعرجا حاسما، حيث تراجعت العلاقة بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن اتّهم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان حينها “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية الاغتيال، على أيدي عناصر سعوديين.

إلى ذلك، يتفق متابعون على أن الخلاف بين الرياض وأنقرة يعود إلى العام 2013 عندما دعم إردوغان، الرئيس المصري، محمد مرسي، الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي اعتبرتها عدة دول عربية بينها السعودية جماعة إرهابية.

كما أن الحصار الذي فرضته السعودية على قطر، حليفة تركيا، لمدة ثلاث سنوات، ساهم هو الآخر ، في تسميم العلاقات بين أنقرة والرياض.

لكن الفترة الأخيرة، ولا سيما العام الماضي، عرفت بوادر تقارب حقيقية بدت مؤسسة لعهد جديد، خصوصا بعد زيارة إردوغان، في شهر إبريل 2022، للمملكة، في أول زيارة رسمية له للرياض منذ الأزمة.

وجاءت زيارة إردوغان، بعد وقت قصير من نقل محكمة تركية تحاكم 26 سعوديا يشتبه في تورطهم بمقتل خاشقجي أوراق القضية إلى السعودية، ما يعني إسدال الستار على القضية في تركيا.

وشهر يونيو من نفس السنة، زار ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أنقرة، والتقى إردوغان مرة ثانية، واتفقا على “تعزيز التعاون” بعد تسع سنوات من الخلافات (فترة الربيع العربي) وفاقمها اغتيال خاشقجي.

سياقات تاريخية واقعية

وبالعودة إلى تصريح الباحثة السعودية، يرى المحلل السياسي السعودي، حمود الزيادي، أن المعطيات التي أوردتها الباحثة السعودية تدخل ضمن “سياق تاريخي مدعم بوثائق، بعضها عثماني”.

وإذ يؤكد في اتصال مع موقع الحرة، أن حديث الباحثة السعودية جاء لتفسير سياق علمي “ليس له علاقة بأي مناكفات سياسية آنية” يرى بضرورة إعطاء الحق للتاريخ ليحفظ وقائعه كما حدثت، دون التحسس لأي طارئ.

وبينما يشير المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، إلى أن ما جاء على لسان الباحثة السعودية “رأي خاص غير رسمي، يجب أن يرد عليه باحث تركي” يقول الزيادي إن الأمر يتعلق هنا بوقائع تاريخية وليس بمجرد رأي.

لكن الاثنان يتفقان على أن العلاقات السعودية التركية، التي انتعشت مؤخرا “لا يمكن أن تتأثر بأي شكل من الأشكال” على حد تعبير رضوان أوغلو.

المحلل التركي قال في حديث لموقع الحرة، إن إردوغان “أدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه بالصدام مع الرياض، خصوصا خلال الفترة التي تلت مقتل خاشقجي”.

وبعد عقدين على رأس الدولة، يواجه الرئيس التركي تراجعا كبيرا في قيمة الليرة التركية أمام الدولار وتضخما بلغ مستويات غير مسبوقة، ما أثّر كثيرا على القدرة الشرائية للأتراك، ويلقي بظلال الشك على احتمال إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية القريبة، في حال بقي موعدها في 14 مايو.

وأظهر الزلزال الذي ضرب تركيا في السادس فبراير ،محدودية سلطة مركزية دفع باتجاهها إردوغان.

وحتى الرئيس نفسه، أقر بوجود “ثغرات” في تنظيم عمليات الإغاثة عازيا ذلك إلى قوة الزلزال الهائلة (7.8 درجات في منطقة حضرية وخلال الليل).

ظروف الزلزال، ووقعه على الأتراك “لن يدع للرأي العام المحلي، مجالا للالتفات لأي موضوع ثانوي” وفق المحلل التركي.

يقول رضوان أوغلو في الصدد “سواء كان المقال رأيا أم حقيقة تاريخية، لن يلتفت له الأتراك المنشغلون بآثار الزلزال”.

وفي سياق حديثه، أشاد رضوان أوغلو بجهود المملكة السعودية لإغاثة المتضررين الأتراك وقال “السعودية من بين الدول التي لم تتوقف عن إرسال المساعدات منذ اليوم الأول للزلزال”.

هذا المعطى، وفقه، “يحتم على السلطة تجاهل أي شيء يمكن أن يعكر صفو العلاقات”.

أما عن الوقائع التاريخية التي يمكن مناقشتها ردا على الباحثة السعودية فيرى رضوان أوغلو أن على الباحثين الأتراك أن يردوا عليها بطريقة علمية كذلك، وقال “لا أظن أن هناك حاجة للسياسيين للدخول في صراع لا يخدم مصلحة البلدين”.

وعاد الرجل ليؤكد مرة أخرى بأن الظروف السائدة الآن، والعوامل المحيطة بتركيا والسعودية “تساعد على التقارب أكثر من التباعد” مشيرا إلى نية ولي العهد السعودي، في دعم اقتصاد تركيا، باستثمارات واعدة، تدخل ضمن “رؤية 2030”.

ذات الرأي ذهب إليه، الزيادي، حيث رأى بأن حديث الباحثة “ولو أنه يستند لوقائع تاريخية موثقة، لا يمكن أن يؤثر على مسعى البلدين الآن لتجاوز الأزمات السابقة”.

ثم عاد هو الآخر ليقول  إن “من يقرأ التاريخ لن يجد تجربة وحدوية كالتجربة السعودية، خلال 300 عام، رغم بعض الاهتزازت” وأضاف “لم يكن السعوديون طارئين على المنطقة، إقليميا ولا بشريا، بل هم أبناء المنطقة الذين توحدوا ضمن الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة”.

لذلك، يرى الرجل بأن جواهر آل سعود، ولو أنها لا تحمل صفة رسمية إلا أنها أكاديمية تحدثت من منطلقات علمية، وليس آراء شخصية، “بالتالي هذه الوقائع حدثت، وعلينا جميعا قبولها للسير قدما”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى