فاقمت الأوضاع الاقتصادية العالمية أزمة المديونية في بلدان عدة، وسبق أن قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، الأحد، 12 فبراير، إن الدين العام في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يثير قلقا، وإن الحكومات بحاجة إلى تعزيز المرونة من خلال سياسات مالية للحماية من الصدمات.
واقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأربعاء، تخفيض الدين الخارجي بنسبة 30 في المئة لـ52 دولة هي الأكثر ضعفا.
وفي حين تتضمن اللائحة عددا من الدول العربية، وأن التقرير تطرق إلى دول عربية أخرى توشك خسارة وصولها إلى الأسواق المالية العالمية، ماذا يعني اقتراح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وما الهدف منه؟ وأي شروط اقتصادية يجب أن تتوافر في الدول العربية المعرضة اقتصاديا في حال حصلت مبادرة تخفيف الديون؟
جاء تقرير الأمم المتحدة بعد كلام جورجيفا عن إن الحكومات في دول عربية بحاجة إلى تعزيز المرونة من خلال سياسات مالية للحماية من الصدمات. وكانت تتحدث أمام منتدى المالية العامة للدول العربية في دبي، وأشارت إلى أن الزلزال الذي دمر مناطق واسعة من سوريا وتركيا “تسبب في مأساة هائلة للأفراد لكنه تسبب أيضا في تأثير كبير جدا على الاقتصاد التركي”. وتابعت قولها: “لذلك علينا أن نطور مزيدا من المرونة في مواجهة هذه الصدمات”.
وسبق أن توقع صندوق النقد الدولي خلال يناير أن يتباطأ النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.2 في المئة هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.5 في المئة في 2024.
اقتراح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
وضمن الإطار، اقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأربعاء، تخفيض الدين الخارجي بنسبة 30 في المئة لـ52 دولة هي الأكثر ضعفا. لم تتمكن هذه الدول، 23 منها واقعة في إفريقيا جنوب الصحراء، قادرة على دعم اقتصاداتها، على غرار الدول الغنية خلال أزمة كورونا، وتجد اليوم نفسها غارقة في دين ومعدّلات فائدة عالية تمنعها من التعافي، حسب البرنامج.
وأوضح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، خلال مؤتمر صحفي في باريس، أن هذه الدول “لا تمثل سوى نسبة قليلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إنما 40 في المئة من الدول الفقيرة في العالم”، حسب فرانس برس، التي نقلت تحذير المسؤول الأممي من أنه “في حال لم يتم فعل أي شيء في أزمة الدين هذه، فقد نواجه أزمة تنمية واسعة النطاق”، مشيرا إلى أن إذا لم يتم اتخاذ أي خطوة فورا، فستواجه دول كثيرة خطر تخلفها عن السداد، على غرار زامبيا منذ 2020 ومؤخرا غانا التي علقت منتصف ديسمبر سداد جزء من ديونها الخارجية.
وترى الأمم المتحدة أنه ينبغي ضخ السيولة في النظام المالي العالمي وإعادة هيكلة الديون السيادية للدول الهشة وتخفيض كلفة القروض على المدى الطويل.
ويمكن تخفيض كلفة خدمة الدين بمبلغ يتراوح بين 44 و148 مليار دولار، بناء على ما إذا كانت فئات مختلفة من الدائنين تشارك في هذه المبادرة أم لا، وفق ما جاء في مذكرة أعدها خبيران اقتصاديان في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هما جورج غراي مولينا ولارس ينسن.
بالنسبة لمجمل الدول النامية، يدعو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى إعادة تمويل ديونها بنسبة 40 في المئة، ما سيسمح بادخار 121 مليار دولار من الفوائد التي تدفعها بين 2022 و2029.
وشرح الخبيران الاقتصاديان أن بسبب النمو الضعيف ومعدلات الفائدة المرتفعة التي يجب أن تدفعها لتتمكن من تمويل نفسها، لا ينبغي أن تسجل هذه الدول “نموا سريعا إلى حد ما لتوسيع هامشها للمناورة في الميزانية وتمويل أهداف التنمية المستدامة والاستثمارات في الانتقال في مجال الطاقة المقررة بموجب اتفاقية باريس” حول المناخ، حسب فرانس برس.
وتفاقمت مشكلة الدين في الدول النامية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. والعام الماضي، خصصت 25 حكومة أكثر من 20 في المئة من ميزانياتها لخدمة ديونها الثنائية أو المتعددة الأطراف، مقابل ست حكومات فحسب قبل عشر سنوات.
وبالعودة إلى تقرير الأمم المتحدة يتبين أن الجدول يتضمن عددا من الدول العربية منها الصومال والسودان، ولبنان، وتونس، والعراق، وجيبوتي. أما اليمن وسوريا وليبيا، فهي دول البيانات الاقتصادية فيها غير متوافرة، وفق التقرير.
وحسب رويترز، فإن عملية إعادة هيكلة القروض للبلدان التي تعاني من ديونها سيكون أمرا بارزا على أجندة اجتماعات وزراء مالية مجموعة العشرين في الهند.
الهدف من المبادرة
يقول الخبير الاقتصادي، البروفيسور عبد النبي مطلب، في حديث لموقع “الحرة” إن “المبادرة هي انعكاس للتخوفات التي أوردتها المؤسسات الدولية ومن ضمنها صندوق النقد الدولي من أن أزمة الديون قد تقضي على العديد من الاقتصادات أو تسبب مشاكل للكثير من دول العالم”.
وأشار مطلب إلى أن “هناك مجموعة من الدول المثقلة بالديون ورلى أن المبادرة تحاول تخفيف من حجم ديون هذه الدول”. وهناك محاولات دولية لتخفيف أزمة الديون على الدول المثقلة بها، حتى لا تكون هناك كوارث إنسانية، واضطرابات اجتماعية في تلك الدول”.
وعلى صعيد لبنان، شرح مطلب أن “أوضاعه مقلقة، لكن استقراره ضروري لمنطقة الشرق الأوسط”، وهذا يبرر الاهتمام به، قائلا إن “وجود غاز في مياهه الإقليمية وإمكانية استغلاله بالتعاون دول شرق المتوسط، يجعل العالم على استعداد لتقديم بعض الدعم أو المساعدة للاقتصاد اللبناني كي يستعيد عافيته من أجل أن يتمكن من تحقيق تنمية اقتصادية”.
وشدد مطلب على أنه “إذا كانت مسألة الغاز مهمة للبنان، فهي أيضا مهمة للعالم، خصوصا في ظل التخوفات من استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، والاستغناء عن الغاز الروسي بشكل كامل، وتاليا يصبح غاز شرق المتوسط أحد أهم الركائز المهمة لأوروبا”.
وتابع أنه “انطلاقا من ذلك، تكون مساعدة لبنان أو شموله بمبادرة تخفيف الديون رغم المشاكل التي يعاني منها أحد أهم الأسس الاستراتيجية للتنمية في أوروبا”.
الأسس الاقتصادية
وكي تلعب مبادرة تخفيف الديون دورها الفعال، في حال حصلت، يترتب توافر مجموعة من الشروط من أجل استدامة الدين العام في المستقبل، ويعددها مطلب حسب الآتي:
الاستقرار السياسي وكذلك الاستقرار الأمني، لأنه في ظل غيابهما تكون كل محاولات التنمية صعبة.
القضاء على الفساد، لأن أزمة تفاقم الديون ناتجة أساسا بجزء أساسي منها عن انتشار وتفشي الفساد.
كفاءة إدارة الموارد الاقتصادية، التي تفسرها المؤسسات الدولية على أنها إعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص بتحقيق الناتج المحلي الإجمالي.
الديمقراطية، لأنه في ظل عدم وجودها تنعدم الرقابة على التصرفات الاقتصادية ولا تتمكن هذه المؤسسات من تقييم
الأداء الاقتصادي واستقبال الموارد لهذه الدول.
الإفصاح والشفافية وعرض البيانات بشكل علمي .
كلمة يلين
حثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الاقتصادات الرائدة على التحرك بشكل أسرع في حل أزمات الديون التي تهدد عددا متزايداً من البلدان.
وقالت وزارة الخزانة في بيان إن يلين أدلت بهذه التصريحات في اجتماع، الخميس، مع وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيترامان على هامش اجتماع للقادة الماليين لمجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى.
وشكرت يلين الهند على مساعداتها في جهود إعادة هيكلة الديون بينما شجعت مجموعة العشرين على تكثيف هذه الجهود. وكانت الهند الأكثر نشاطا في مساعدة جارتها سريلانكا على مواجهة أزمة أدت إلى نقص الغذاء والوقود والأدوية، من بين أشياء كثيرة. وحثت يلين الصين على العمل مع الدول المانحة الأخرى في معالجة المشكلة، حسب أسوشيتد برس.
وفي بنغالور، من المقرر أن يناقش وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية وغيرهم من القادة، مجموعة من القضايا المتعلقة بتمويل قضايا المناخ، والسعي إلى توافق في الآراء بشأن تنظيم العملات الرقمية، وقضايا الضرائب العالمية والأولويات المالية الأخرى.
وأشارت يلين ومسؤولون آخرون في وقت سابق إلى أنهم سيناقشون أيضا أخطار أعباء الديون الثقيلة للعديد من البلدان بعد جهود مكلفة للتخفيف من الآثار الأسوأ لجائحة كورونا. وتفاقمت هذه المشاكل مع ارتفاع فواتير واردات الدول بسبب استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط والأسمدة وضعف العملات.
وزارت يلين زامبيا في يناير، وبشكل جزئي لمناقشة ديون الدولة الأفريقية البالغة 6 مليارات دولار للصين، أكبر دائن لها. أصبحت زامبيا موقعا لأول دولة ذات سيادة في إفريقيا في عصر جائحة فيروس كورونا تتخلف عن السداد عندما فشلت في سداد سندات بقيمة 42.5 مليون دولار في نوفمبر 2020.
لكن عددا كبيرا من البلدان الأخرى، من لاوس وأفغانستان إلى فنزويلا والأرجنتين، شهدت أوضاعها المالية تدهورا في العام الماضي. وأعربت الصين عن دعمها لسريلانكا لكنها لم تقل ما إذا كانت ستساعد في خفض ديون بمليارات الدولارات تضع الدولة الواقعة في المحيط الهندي في اضطراب مالي وسياسي، حسب أسوشيتد برس.
المديونية في بقية دول العالم
وفي إطار منفضل، قالت جورجيفا إن الأسواق المالية لديها مبررات وجيهة لتكون أكثر تفاؤلا، وعزت ذلك إلى استبعاد وقوع الاقتصاد الأميركي في براثن الركود ورفع القيود المرتبطة بجائحة كورونا في الصين.
وأضافت أن من ضمن عوامل التفاؤل مرونة سوقي العمل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإعادة فتح الصين و”نتائج جيدة على غير المتوقع لإجراءات التشديد النقدي التي اتخذتها البنوك المركزية وانحسار التضخم، رغم من عدم حسم المعركة بعد”، حسب فرانس برس.
وعند سؤالها في دبي إذا ما كانت سيكون هناك مزيد من إجراءات التشديد النقدي، قالت جورجيفا إن الصندوق يتوقع وجود تشديد نقدي هذا العام ولكنه لا يتوقع استمراره “حتى مضي فترة كبيرة” من 2024.
وأشادت جورجيفا بدول الخليج العربي المنتجة للنفط والغاز لسعيها “الحثيث” لتنفيذ إصلاحات مالية، من بينها تنويع مصادر الإيرادات من خلال فرض ضرائب جديدة.
متابعات