وجدت قطر نفسها بمناسبة فعاليات كأس العالم لكرة القدم في مواجهة حملة إعلامية متعددة الأوجه وتحت عناوين مختلفة، في الوقت الذي يقول فيه مراقبون إن قطر تجني ما كانت تقوم به من حملات إعلامية متعددة شملت القريب والبعيد خلال السنوات الماضية، خاصة منذ ثورات “الربيع العربي”.
ويرى المراقبون أن البلد، الذي طال أذاه أغلب محيطه الجغرافي وساهم إعلامه في تفكيك دول وإثارة النعرات المناطقية والعشائرية والثقافية في المنطقة وحوّل قناة الجزيرة إلى وسيلة تشويه وورقة ضغط على كل دولة اختلفت معه بشكل أو بآخر، يدفع الآن حسابا كان غيره قد دفعه وحان أوان أن يدفع هو قسطًا من هذا الحساب ولو بأيد أخرى ولاعتبارات مغايرة.
لكن هذه القناة باتت عاجزة الآن أمام الحملات التي تأتي من الغرب وتخص قضايا لا تقدر قطر على مواجهتها وتفضل أمامها التسليم بالأمر الواقع، غير أن هذه الحملات استمرت وتزايدت ليكتفي أمير قطر أمامها بالاستغراب والتأسّف دون أن تتحرك ماكينة الإعلام القطري الجاهزة والمتوثبة في مسائل أخرى.
◙ نقابات دولية للدفاع عن حقوق العمال ما انفكّت تندّد بظروف العمل في مواقع البناء في قطر، بدءًا بمعايير السلامة ومرورا بساعات العمل في درجات حرارة الصيف الحارقة
وأعرب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطاب ألقاه في افتتاح مجلس الشورى الثلاثاء عن أسفه لأنّ بلاده تتعرّض لـ”حملة غير مسبوقة” من “الافتراءات” و”ازدواجية المعايير” بسبب استضافتها مونديال 2022 الذي ستنطلق مبارياته في الإمارة في غضون أقلّ من شهر.
وقبل 26 يوما من موعد صافرة انطلاق المونديال الأكثر كُلفة على الإطلاق، تجد الدوحة نفسها أمام سيل متعاظم من الانتقادات والهجمات، بسبب مواضيع شتّى تمتدّ من مناخ قطر الحارّ ومجتمعها المحافظ إلى سجلّها في مجال الحريّات وحقوق الإنسان، ولاسيّما حقوق المرأة والعمّال المهاجرين.
وقال الشيخ تميم “منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم، تعرّضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرّض لها أيّ بلد مضيّف”.
وفي انتقاده العلني النادر هذا أعرب الشيخ تميم عن أسفه لأنّ “الحملة تتواصل وتتّسع وتتضمّن افتراءات وازدواجية معايير، حتى بلغت من الضراوة مبلغًا جعل العديد يتساءل للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة”.
ويعتقد متابعون للشأن القطري أن الدوحة تعيش وضعا شبيها بما عاشته دول مثل تونس ومصر وسوريا في بدايات الربيع العربي حين اشتغل الإعلام القطري بتركيز كبير على تغذية الاحتجاجات عبر نشر البيانات والفيديوهات فيما كانت السلطات المحلية تحاول تهدئة الأمور، لافتين إلى أن قطر الآن يأتيها الهجوم من كل اتجاه وتعجز عن الرد عليه.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن الإعلام القطري متخصص فقط في الهجمات على دول الإقليم، بما في ذلك دول الجوار، لكن لا تأثير له خارجها خاصة بعد أن فشلت قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية في أن تجد لها موقعا في مناطق مختلفة من العالم، بالرغم مما أُنفق عليها من مبالغ طائلة واستقطاب أسماء كبرى، وهذا الفشل هو ما يفسر صمت القطريين وميلهم إلى التعاون الودي مع المنظمات والجمعيات التي تهاجمهم لاعتبارات مختلفة.
وبذلت السلطات القطرية جهودا حثيثة لدحض الاتّهامات الموجّهة إليها، مذكّرة خصوصا بأنّها عملت في السنوات الأخيرة على إصلاح قوانينها.
وهذا الأسبوع نفت الدوحة بشدّة صحّة تقرير عن اعتقال قوات الأمن القطرية أفرادا من مجتمع الميم وإساءة معاملتهم. لكن الشرطة القطرية أوقفت الثلاثاء احتجاجا فرديا نظمه الناشط البريطاني بيتر تاتشل المؤيد لحقوق مجتمع الميم أمام المتحف الوطني لقطر.
ويجرّم القانون القطري المثلية الجنسية، إلا أنّ المنظّمين شدّدوا على أنّ “الجميع مرحّب بهم” خلال فعاليات المونديال.
وكانت منظمات حقوقية مختلفة قد عارضت فكرة استضافة قطر لبطولة كأس العالم، لافتة إلى أن الإشكال لا يكمن في القدرة على استثمار المليارات من الدولارات لبناء الملاعب وسائر المنشآت والبنى التحتية اللازمة لاستضافة أبرز حدث كروي في العالم، وإنما هو كامن في قدرتها على تحمّل التنوع الثقافي الذي تتسم به بطولة كأس العالم حيث يتجمع خلال فعالياتها أكثر من مليون مشجع يسعون إلى الفرجة وفي الوقت نفسه التمتع بحريتهم الشخصية دون ضغوط من أي جهة، وهو ما تأكد الآن من خلال ردود قطر وسلوك رجال الشرطة.
وتركّز القسم الأكبر من الاتهامات الموجّهة إلى قطر على حقوق العمال الأجانب الذين شيّدوا المنشآت والبنى التحتية في الإمارة.
وفي قطر أكثر من 2.5 مليون أجنبي من إجمالي عدد السكان البالغ 2.9 مليون نسمة.
وما انفكّت نقابات دولية للدفاع عن حقوق العمال تندّد بظروف العمل في مواقع البناء في قطر، بدءًا بمعايير السلامة ومرورا بساعات العمل في درجات حرارة الصيف الحارقة، وصولاً إلى تعويض العمال الذين قضوا أو أصيبوا بجروح في العمل.
وتطالب منظمات حقوقية كلاً من الدوحة والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ببذل المزيد من الجهود لدفع تعويضات لهؤلاء العمّال من خلال إنشاء صندوق تعويضات بقيمة 440 مليون دولار (ما يعادل قيمة لقب كأس العالم).
وتبنت الدوحة إصلاحات تضمنت قواعد لحماية العمال من الحر ووضع حد أدنى للأجور الشهرية عند ألف ريال (275 دولارا)، وتقول إنها تواصل تطوير نظام العمل.
متابعات