شهدت منطقة صرف في بني حشيش (شرق صنعاء) مواجهات بين الأهالي ومسلحين حوثيين رافضين لخطط حوثية لمصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التابعة لسكان المنطقة، الأمر الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بينهم نساء وأطفال واعتقال العشرات من أبناء المنطقة المناهضين للإجراءات الحوثية.
واعتبر مراقبون يمنيون الصدام المتصاعد بين الحوثيين وقبيلة بني حشيش وبعض القبائل في محيط صنعاء المعروفة بولائها للحوثيين مؤشرا على تصدع الحاضنة الشعبية للحوثيين في تلك المناطق، نتيجة ممارسات قيادات الجماعة التي استغلت فترة الهدنة وانخرطت في عمليات ممنهجة للسلب والنهب وتقاسم مناطق النفوذ في صنعاء ومحيطها، الأمر الذي قد يكون دلالة مبكرة على سلوك الجماعة بعد انتهاء الحرب وعدم الحاجة إلى دعم رجال القبائل.
ولم تكن الخلافات مع القبائل هي العنوان الوحيد لأزمة الحوثيين خلال الهدنة، فقد شهدت الفترة الماضية، وخصوصا منذ دخول الهدنة الأممية حيز التنفيذ في أبريل الماضي، وقوع سلسلة من الاغتيالات وعمليات التصفية الغامضة التي استهدفت عددا من القيادات الأمنية والعسكرية الحوثية أو القيادات القبلية والسياسية الموالية لها.
وأشار الباحث والصحافي اليمني همدان العليي إلى أن هذه الصراعات تعود إلى طبيعة تكوين الجماعة الحوثية، التي وإن ظهرت بناء على أسس تنظيمية كجماعة متماسكة فإنها من جهة أخرى تعاني من مشكلة التنافس بين مكوناتها إما على الغنيمة أو على المناصب أو حتى على مستوى القيادة، وذلك لاعتبارات دينية وسياسية، وهذا ما يفسر حدة الخلافات بين قادتها.
ولفت العليي إلى وجود شواهد تاريخية عديدة تؤكد هذا السلوك الحوثي المتأصل، حيث كان الأئمة في اليمن يقتتلون فيما بينهم لأن كل إمام وكل شخص ينتمي إلى هذه السلالة يعتقد أنه الأوْلى بحكم اليمن من غيره، حتى أن الإمام أحمد قتل إخوته وأبعد آخرين خوفا من أن ينازعوه في الحكم ولكي يورثه لابنه.
وتابع العليي “بناء هذا المشروع قائم على عدم الثقة بالآخرين وعدم ثقة الحوثيين ببعضهم البعض وبالجماهير، على عكس ما يتم الحديث عنه حول الحاضنة أو وجود حاضنة لهذه المناطق في الشمال تحديدا، وهذه أطروحات غير دقيقة والدليل أنه لو كانت هناك حاضنة لهذه الجماعة لما استمرت في ممارسة التنكيل باليمنيين في هذه المناطق حيث تفرط في استخدام القوة لتجبر الناس على عدم الإقدام على أيّ خطوة تصعيدية ضدها”.
ويؤكد خبراء وباحثون يمنيون على تمسك الحوثيين باستمرار حالة الحرب بالتوازي مع محاولات لتغيير الهوية الثقافية في مناطق سيطرتهم خوفا من ردة الفعل المحتملة في حال انتهاء الحرب وبدء استحقاقات السلام التي لا يقدر الحوثي على تلبيتها، أو الإيفاء بالحد الأدنى من التزاماتها الأساسية من قبيل دفع الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية وحد أدنى من الحريات الفردية، وهي كلها أمور تتناقض مع التركيبة الثقافية والنفسية لقيادات الجماعة القائمة على القمع والتجويع وفرض الجبايات.
واعتبر الباحث اليمني ومدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري أن المكاسب بالنسبة إلى الجماعه الحوثية من حالة الحرب أكثر من حالة السلام كونها تستغل “وضع الحرب” لتحقيق مكاسب سياسية ومادية أبرزها إسكات المواطنين والموظفين المطالبين بالخدمات والرواتب، وكذلك تصفية الخصوم وقمع أيّ تحركات تعارض مشروعها وتحقيق ثراء كبير لقياداتها من خلال الجبايات ونهب عائدات النفط. ومن أجل هذه المكاسب والأجندات الإيرانية ترفض الميليشيا الحوثية إنهاء الحرب والعمل على إحلال السلام.
وأشار الجبري إلى أنه خلال فترة الهدنة التي استمرت أكثر من ستة أشهر بدت الميليشيا الحوثية على حقيقتها واتضحت الصورة أكثر للمواطن في مناطق سيطرة الميليشيا بأن المصالح الشخصية والأجندات الإيرانية مقدمة على مصالح المواطنين وخدماتهم، وهو ما ظهر في حالة الاحتقان الكبيرة التي تزايدت خلال فترة الهدنة وبرزت من خلال الرفض الشعبي لأيّ إجراءات حوثية في المجتمع، والذي وصل إلى حد رفض حضور خطب الجمعة التي يلقيها الحوثيون.
وأضاف “سبع سنوات من السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات قدمت فيها الجماعه الحوثية نفسها لليمنيين ككيان عنصري يعزز الطبقية ويتبنى الفساد بأشكال مختلفة أبرزها السوق السوداء في مختلف المجالات، ولا يهتم بمصالح اليمنيين ودمائهم، ومشروعه قائم على سلب المواطنين ونهبهم وخدمة المشروع الإيراني وتقديمه على أيّ مصالح وطنية يمنية”.
متابعات