بعد المرحلة الإنسانية الدقيقة التي مرّت بها عقب انفصالها، والتي شكّلت منعطفًا واضحًا في حياتها الشخصية والفنية، تحدثت الفنانة اللبنانية ماريتا الحلاني بصدق وشفافية عن التحوّلات التي عاشتها، وعن النضج الذي خرجت به من تجربة الزواج، وكيف استطاعت تحويل الألم إلى طاقة إبداعية انعكست بوضوح في أعمالها الأخيرة.
في حوار الأسبوع مع موقع “فوشيا”، تسلط ماريتا الحلاني الضوء على وعيها الجديد بالحياة والفن، مؤكّدةً أنّ الإيمان والصدق مع الذات شكّلا بوصلتها الأساسية في إحدى أكثر المراحل حساسية وتأثيرًا في حياتها.
ماريتا الحلاني: أنظر إلى الغد بتفاؤل وأصبحت أكثر نضجًا
ما التحوّل الأبرز الذي حصل لدى ماريتا الحلاني على الصعيدين الشخصي والإنساني، منذ ثمانية أشهر حتى اليوم؟
تركت تجربة الزواج والانفصال أثرًا واضحًا داخليًّا لديّ، إذ منحتني قوّة إضافية وأسهمت في تسريع وتيرة نضجي. ورغم أنّ طباعي ومبادئي لم تتغيّر، فإنّها تطوّرت وأصبحت أكثر وضوحًا، وباتت رؤيتي لما أريده من نفسي ومن حياتي أكثر تحديدًا. فالتجارب التي نمرّ بها تصوغنا إنسانيًّا، وتسهم في بناء شخصيّتنا بعمق وتوازن أكبر.
كيف تصفين شكل حياتك اليوم بعد تجربة الانفصال؟ وهل تشعرين بأنك دخلتِ مرحلة مختلفة كليًّا؟
المرحلة التي مررتُ بها لم تكن أمرًا توقّعته أو تمنّيته، لكنها حصلت، وهذا هو النصيب والقدر. اليوم أتابع حياتي وأنظر إلى الغد بتفاؤل، بعدما أصبحت شخصيّتي أقوى وأكثر نضجًا. ثقتي بنفسي باتت أكبر، ولم يعد لكلام الناس التأثير نفسه في داخلي. صرت أضع راحتي النفسية في صدارة أولوياتي.
مررتِ بتجربة مؤلمة، كيف استطعتِ تحويل هذا الألم إلى مساحة أوسع لإثبات ذاتك واستعادة قوتك الداخلية؟
دفعتني التجربة التي عشتُها إلى الابتعاد قليلًا وإعادة ترتيب ذاتي، فكان الفن ملاذي الحقيقي ومساحتي الأصدق للتعبير. لقد منحني فرصة للمصالحة مع نفسي والبوح بما في داخلي بصدق وشفافية، فجاءت أغنيات “Solo” و”وراس الجبل” و”يا دنيا”، انعكاسًا مباشرًا لهذه المرحلة بكل ما تحمله من مشاعر وتحولات. وحملت هذه الأعمال توقيع كارل حسين كلماتٍ وألحانًا، فيما تولّى ريكاردو عازار توزيع أغنية “يا دنيا”، وشريل عون توزيع “راس الجبل”، وستيف سلامة توزيع “Solo”. وقد شكّلت هذه الأعمال محطة مفصلية في مسيرتي، إذ كان لفريق العمل دور أساسي في تطوير هويتي الفنية ومنحي المساحة للتعبير عمّا في قلبي، كما كان لرؤيتهم الفنية أثر واضح في عمق الأعمال التي قدّمتها.
هل تشعرين أن هذه المرحلة كان لها تأثير إيجابي على نضجك ووعيك في الخيارات الفنية؟
المرحلة التي مررتُ بها تركت أثرًا واضحًا على فني، الذي لطالما كان وسيلتي الأساسية للتعبير. فالتجارب التي نعيشها تسهم في تشكيل هويّتنا وصقلها، وقد ساعدتني هذه التجربة على بلورة هويتي الفنية والإنسانية بشكل أوضح. اليوم بات لديّ موقف وقضية، وأصبح الفن الذي أقدّمه أعمق وأكثر صدقًا واتصالًا بما أشعر وأؤمن به.
هل كنتِ تتوقعين حجم التفاعل والدعم الكبيرين اللذين حظيتِ بهما من الجمهور خلال هذه الفترة؟
كنت أتوقّع تفاعل الناس مع المرحلة التي مررتُ بها، لأنني شعرت منذ البداية بقربهم من إحساسي، غير أنّ حجم هذا التفاعل فاق توقّعاتي هذه المرّة بشكل لافت. وقد أسعدني ذلك كثيرًا، لأنّ الأهم بالنسبة لي أنّني استطعت إحداث أثر إيجابي لدى فتيات مررن بالتجربة نفسها، ووجدن في الفن الذي أقدّمه انعكاسًا صادقًا لمشاعرهن وتجاربهن.
ما أكثر تعليق أو رسالة من الجمهور تركت أثرًا عميقًا في داخلك؟
أكثر الرسائل التي أثّرت فيّ كانت من نساء أكّدن أنّهن شعرن بأنّهن لسن وحدهن، وأنّ هناك من يشبههن ويختبر المشاعر ذاتها؛ ما منحهن إحساسًا بالدعم والطمأنينة.
إلى أي مدى ساعدتكِ الشهرة في تخطّي المراحل الصعبة التي مررتِ بها بعد الانفصال؟
الشهرة لا تشكّل درعًا يحول دون المرور بتجارب قاسية، فالحياة الشخصية شيء، والشهرة شيء آخر. أمّا الفن، فهو أداتي الحقيقية لتجاوز المراحل الصعبة، ومساحة للتعبير وتسليط الضوء على قضايا اجتماعية، خاصة أنني أمتلك منبرًا مسموعًا.
كيف تحافظ ماريتا على مساحتها الخاصة وسط الأضواء والضجيج الإعلامي؟
وُلدتُ في بيتٍ فنيّ معروف، وظهرتُ منذ طفولتي على أغلفة المجلات وشاشات التلفزيون، لذلك اعتدتُ الأضواء ولم تأتِ الشهرة في حياتي بشكلٍ مفاجئ. هذا الأمر ساعدني على التأقلم معها بوعي وهدوء، فتعلمت كيف أخصّص وقتي لنفسي وأحافظ على خصوصيتي، إضافة إلى قدرتي على تنظيم وقتي والتوفيق بين حياتي الشخصية ومسيرتي المهنية.
ماريتا الحلاني: الفستان الأبيض يرمز للأمل وبداية مرحلة
في فيديو كليب “يا دنيا” تحملين قلبك وتمضين، هل يحمل هذا المشهد رسالة بأن القلب والمشاعر لم يعودا في الواجهة كما في السابق؟
أغنية “يا دنيا”، تحاكي كلماتها العقل، فيما يخاطب الكليب القلب. وحين أحمل القلب وأركض، فإنني أعبّر عن رغبتي في الإصغاء إلى قلبي، وإيماني بأنّ الأمل لا يزال حاضرًا في الحياة. فالتوازن بين القلب والعقل ضرورة لا غنى عنها، وفي السعي الدائم إلى هذا التوازن يكمن الكمال الذي يطمح إليه الإنسان.
كنتِ ذكرتِ في مقابلتك الأخيرة مع الإعلامي محمد قيس أنكِ ستعيدين ارتداء فستان الزفاف، أكان المقصود بذلك الظهور في فيديو كليب فقط؟، أم أنك تفكرين بالزواج مجددًا؟
اخترتُ هذا الردّ في ذلك الوقت تحديدًا، تزامنًا مع قرب إطلاق فيديو كليب أغنية “يا دنيا”، حيث ظهرتُ فيه مرتديةً الفستان الأبيض، بوصفه رمزًا للأمل وبداية مرحلة جديدة في الحياة، بعيدًا عن أي دلالة شخصية أو ارتباط معيّن.
هل من الممكن أن تفكري في الارتباط مجددًا؟
أؤمن بأنّ لكلّ مرحلة ما يناسبها، لذلك أفضّل عدم الخوض في هذه المواضيع حاليًا. ما زال الأمل ركيزة أساسية في حياتي، وأنا أرفض الاستسلام مهما كانت الظروف، لأنني أؤمن بالحياة وقدرتها على منحنا بدايات جديدة. كما أنّ علاقة الحب التي تجمع والديّ لا تزال تشكّل بالنسبة لي مصدر إلهام وثقة. ولن أسمح لأي تجربة مررتُ بها أن تغيّرني أو تجعلني أكثر قسوة، بل سأحرص دائمًا على أن تتحوّل إلى قوّة إضافية ونضج أعمق في شخصيتي.
هل تشعرين أنكِ محظوظة هذه الفترة، خصوصًا مع نجاح أعمالك الأخيرة؟
أشعر بسعادة كبيرة بنجاح أعمالي، وأعتبر نفسي محظوظة كامرأة أنعم الله عليها بالكثير من النِّعم التي أحمده عليها دائمًا. لقد عملتُ بجدّ وتعبتُ كثيرًا للوصول إلى هذه المرحلة، وكان شغفي بالفن دافعًا أساسيًّا في مسيرتي. كما أعدّ نفسي محظوظة بالتعاون مع فريق عمل محترف ومتكامل، لأنّ الحظ وحده لا يضمن الاستمرارية، بل الاجتهاد، والالتزام، والعمل الحقيقي هي الأساس في أي نجاح طويل الأمد.
لاحظنا اعتمادك المتكرر على إطلالات البدلة، أهو خيار جمالي فقط، أم رسالة تعكس صورة امرأة أكثر قوة واستقلالية؟
الملابس هي دائمًا امتداد لشخصيّتنا وتعبير صادق عنّا، وفي هذه التجربة تحديدًا، كان العمل الفني الذي أقدّمه يفرض هذا اللوك ليكتمل المشهد وتكتمل الصورة. كان هناك إحساس ورسالة أردتُ التعبير عنهما من خلال الإطلالة، وأعتقد أنّ الرسالة وصلت كما تمنّيت.
هل سنراكِ قريبًا على خشبة المسرح من جديد في حفلات ومهرجانات؟
بالتأكيد أعمل في هذه المرحلة على مشروع خاص يجمع بين البعدَين السمعي والبصري، وأتحمّس له بشكل كبير لما يحمله من طابع مميّز ورؤية مختلفة. أعتبره عملًا فريدًا من نوعه، وأضع حاليًّا كل تركيزي وجهدي على تطويره وتحضيره بعناية ليخرج إلى النور بالصورة التي أطمح إليها.
ماريتا الحلاني: لا زلت احتفظ بطيبة قلبي
عُرفتِ بقلبك الطيب وثقتك الكبيرة بالآخرين، هل أصبحت اليوم أكثر حذرًا من الأشخاص الذين يتقربون منك؟
ما زلتُ أحتفظ بطيبة قلبي والمبادئ التي نشأتُ عليها ولم أتخلَّ عنها يومًا. تغيّر مستوى النضج والخبرة التي اكتسبتها، إذ أصبحتُ أكثر وعيًا في حماية نفسي واتخاذ مواقفي، مستندةً إلى إيماني الكبير بالله. لذلك بات الحذر جزءًا من خياراتي، مع حرصٍ أكبر على الانتباه للأشخاص الذين أحيط نفسي بهم، من دون أن يؤثّر ذلك في صدقي أو إنسانيتي.
في ظل خيبات الثقة التي قد تفرضها الحياة، كيف تتعامل ماريتا مع مفهوم عدم الوفاء اليوم؟
لم أعد أبني توقّعاتي على أحد، ولا أنتظر من الآخرين ما يتجاوز ما أقدّمه من ذاتي ووقتي وطاقتي. أصبحتُ أتعامل مع الحياة بوعيٍ وهدوءٍ أكبر، ولم تعد المفاجآت قادرة على زعزعة توازني، بعدما منحتني التجارب نضجًا وفهمًا أعمق لطبيعة العلاقات والأحداث. ومع ذلك، يبقى إيماني راسخًا بأنّ في هذه الحياة وجوهًا طيّبة وقلوبًا صادقة، وأنّ الخير والمحبة لا يزالان حاضرين بقوّة.
والدك كان صرّح سابقًا لـ “فوشيا” بأن شقيقتك دانا ستدخل القفص الذهبي خلال الصيف، هل تفكرين بتقديم أغنية خاصة لها في هذه المناسبة؟
أفضّل أن أترك الأمور تأخذ مسارها الطبيعي في وقتها المناسب. لكل مرحلة توقيتها، ولكل حدث لحظته الأنسب.
ما النصيحة الأهم التي تودّين توجيهها لدانا قبل دخولها مرحلة الزواج؟
كان الأهم بالنسبة لي ألّا تتأثّر دانا بقصّة انفصالي، وأن تعيش حياتها بشكل طبيعي بعيدًا عن الأزمات. فالحياة جميلة وتستحق أن تُعاش، وهي في جوهرها نصيب وتقلبات، فيها الأبيض وفيها الأسود، وعلينا أن نتعامل معها بوعي وتوازن.
من هو الشخص الذي يعرف ماريتا الحلاني أكثر مما تعرف هي نفسها؟
رغم أنني الأدرى بنفسي، إلا أنني لا أنكر أن والدتي تعرفني جيدًا.
بعد كل الظروف والتجارب القاسية التي مررتِ بها.. ما الرسالة التي تودّين أن تهمس بها ماريتا اليوم لنفسها؟
أقول لماريتا: كوني قوية، وعزّزي ثقتك بنفسك، وآمني بما تقدّمينه. لا تستسلمي مهما كانت الظروف، واحرصي دائمًا على أن يبقى التفاؤل والأمل رفيقيك في الحياة. حافظي على طيبتك ومحبتك مهما حصل، ولا تسمحي لأي تجربة أن تُقسّي قلبك أو تغيّرك.