يتمتع ملك بريطانيا تشارلز الثالث، الذي خلف الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، بفهم عميق للإسلام، ويدعو للتعايش ونبذ الخلاف، وتعلم العربية، وصرح علناً أن “الإسلام يعلمنا التفاهم والتعايش”.. هذه أبرز المواقف التي ترصدها “القدس العربي” حصرياً عن أمير ويلز الذي سيعتلي عرش بريطانيا.
وجمعت شهادات وتصريحات من مسؤولين وأشخاص قابلوا تشارلز شخصياً، أو تواصلوا معه في مناسبات مختلفة.
كما تم رصد كواليس جولة قام بها أمير ويلز وقتها، خلال زيارة للعاصمة القطرية الدوحة عام 2014، وحضور فعالية نظمت في متحف الفن الإسلامي.
وزير قطري يروي تفاصيل اللقاء
يكشف الدكتور حمد عبد العزيز الكواري وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية أنه جمعه حديث مع أمير ويلز آنذاك خلال زيارة للدوحة عام 2014. وأضاف أن الحديث وإن كان مختصراً بما تقتضيه المناسبة والبرتوكول، “ولكن قرأت عنه بعد ذلك ما يؤكد صحة اهتمامه بالحضارة العربية ودورها التاريخي..”.
كما نشر وزير الدولة القطري شهادة خاصة في صفحته في موقع إنستغرام، عن زيارة ولي عهد بريطانيا آنذاك وزوجته كاميلا لدولة قطر.
وقال المسؤول القطري وهو مرشح بلاده السابق لمنصب رئيس منظمة اليونيسكو، “كنت آنذاك وزيراً للثقافة والفنون والتراث، ومن حسن حظي أني كلفت أن أرافقهما في زيارتهما للمؤسسات الثقافية”. وأضاف الكواري أنه حضر خلال تلك الزيارة عرضا بطابع ثقافي عربي في الحي الثقافي كتارا. وشدد المسؤول القطري أن “أول ما لفت انتباهه بساطة الأمير وزوجته، واستعدادهما للحديث وتبادل الآراء. وكشف قائلاً: “كنت قد سمعت عن اهتمام الأمير تشارلز بالتراث العربي الإسلامي وحبه له وقرائته عنه، وفعلاً في أحاديثي معه، أحسست عمق معلوماته، واهتمامه بهذا التراث، وبالذات دور العلماء العرب في النهضة الأوربية وخروجها من العصور الوسطى”.
وتنقل، شهادة أخرى للوزير “ومن قراءاتي عنه أدركت بُعد اهتمامه بالحضارة العربية، وانعكاسها على ثقافته الواسعة، ولديه انطباع بإهمال العرب لحضارتهم وعدم قيامهم بدورهم المطلوب في تعريف العالم بهذه الحضارة”. وجاء في الشهادة أيضا “الغريب أنه في معظم حديثه يشير إلى الحضارة والتراث، ولا يستعمل كثيراً لفظ الثقافة إلا قليلاً”.
ويضيف الدكتور حمد عبد العزيز الكواري: “ومن قراءاتي عنه أنه يتقن قراءة الخط العربي، ومن أقواله التي قرأتها له (العالم الإسلامي هو القيِّم على واحد من أعظم كنوز الحكمة والمعرفة الروحية المتراكمة المتاحة للبشرية)”.
ويختم الكواري “بالأمس وبعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، والدته، أصبح الأمير تشارلز ملكاً للمملكة المتحدة، ونتمنى انعكاس اهتمامه بالحضارة العربية والإسلامية على العلاقات مع عالمنا وثقافتنا”.
زيارة المتحف الإسلامي
خلال زيارة سابقة قام بها في فبراير/ شباط 2014، للدوحة جلسة مفتوحة نظمت على شرف وريث العرش البريطاني.
ولمس من حديث ملك بريطانيا الحالي، سعة اطلاعه، وتواضعه، ولغة حديثه الهادئة، وإلمامه بتفاصيل عن المجتمعات العربية والإسلامية، ومعرفته بجوانب من تاريخها. وتبادل تشارلز أحاديث ودية حول قضايا البيئة، والتغير المناخي، واستمع باهتمام شديد لتجربة حديقة القرآن الكريم التابعة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم.
وسأل ضيف الدولة عن النباتات المذكورة فيها، والتي يتم إبراز خصائصها والحفاظ عليها، منوهاً بدور التوعية لتقويم سلوك الناس حول الحفاظ على المحيط سليماً للعيش في وئام مع الطبيعة.
وأَطلعت الدكتورة فاطمة الخليفي، مديرة مشروع حديقة القرآن الكريم، التي دشنتها الشيخة موزا، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم، الأمير البريطاني على أنواع النباتات المذكورة في القرآن والواردة في السنة النبوية، بالتأكيد على التزام المركز بتوعية الناشئة بقضايا البيئة وترسيخ هذه المفاهيم في نفوسهم منذ الصغر، وجعل الأمر ثقافة سائدة على جميع المستويات بالحث على التعاطي الإيجابي مع النباتات والغوص في عالمها.
وأشارت الدكتورة فاطمة، في حديث مباشرة بعد الجلسة مع الأمير البريطاني، إلى أنها لمست اهتمامه بهذا الحديث وإلمامه بقضايا البيئة التي كانت في صلب أحاديثه بتأكيده المستمر على إدماج هذه المواضيع في المناهج التربوية في المؤسسات التعليمية في المنطقة العربية.
من جانبه، أكد الدكتور سيف الحجري الذي كان مسؤولاً يومها عن “مركز أصدقاء البيئة”، والذي تحدث مطولا مع نجل الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، في تصريح بالمناسبة، على النقاط التي جرى حولها النقاش. وكشف لـ”القدس العربي” أن حديثه تركز أكثر على الإرث التاريخي الذي يميز أبناء المنطقة العربية في تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم، بتعزيز صندوق “الحمى” الذي قدم له شرحا وافيا عنه. ويؤكد الحجري على التفاعل الإيجابي الذي أبداه الأمير مع هذه المبادرات التي تم إطلاقها.
وناقش الأمير تشارلز في الاجتماع الذي نظمته السفارة البريطانية في قطر عام 2014، قضايا مختلفة ابتداء من البحوث البحرية، والطاقة المتجددة، إلى الحفاظ على التنمية المستدامة والأمن الغذائي.
وقد رحب بالأمير كل من رئيسة جامعة قطر حينها، الدكتورة شيخة المسند، والرئيس التنفيذي وقتها لبرنامج قطر الوطني للأمن الغذائي، فهد بن محمد العطية.
وعلى خلفية صورة طبيعية جمعت إطلالة على كورنيش الدوحة وأبراجه العالية، التي تعكس تطور الدوحة العمراني، ومحاذاة مبنى المتحف الإسلامي الذي يجسد تشبث البلد بهويته التاريخية، تحدثت الشيخة نور آل ثاني، وهي إحدى الشخصيات المؤسسة لـ “واحة الدوحة” إلى الدور الذي يؤديه المجتمع المدني في تعميق الوعي، وإتاحة الفرصة للعمل على القضايا البيئية.
كما شارك في اللقاء شبان قطريون من مؤسسة “أيادي الخير نحو آسيا” ومؤسسة قطر الدولية، وممثلون عن مركز دراسات البيئة في جامعة قطر، وقدموا شرحاً عن مشاريع محلية ودولية يعكفون على تنفيذها، وعن التعاون مع جامعة بانغور البريطانية، في مجال الحفاظ على الموائل الساحلية القطرية، مثل شجر المانغروف والمروج البحرية الخضراء.
وخلال الزيارة ركز المكتب الإعلامي للأمير على الجهود التي يبذلها في مجال التعايش الديني والحوار بين مختلف الطوائف والمعتقدات. وتحدث مع ممثلي مختلف الأديان عن أهمية التعايش ونبذ أي تطرف مهما كان.
صديق للمسلمين
رصدت شهادات خاصة وحصرية عن الملك البريطاني، والتي تصفه أنه كان منفتحاً على مختلف أتباع الديانات، وأنه كان صديقاً للمسلمين، ويدعو لنبذ الصور السلبية المنتشرة.
وبحسب معلومات منتشرة فإنه يدرس القرآن، ويوقع الخطابات للزعماء الإقليميين باللغة العربية، ويعد أيضاً راعياً لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية منذ عام 1993.
وكشف الكاتب روبرت جوبسون في “تشارلز في السبعين: أفكار وآمال وأحلام”، الذي جمع فيه آراء “أمير ويلز”، حول الشرق الأوسط وعلاقة الغرب بالإسلام، أنه درس القرآن الكريم دراسة متعمقة، وتعلم اللغة العربية جيداً، إلى الحد الذي يستطيع معه توقيع اسمه بالعربية خلال مراسلاته مع الملوك والأمراء والرؤساء العرب.
دخل المساجد وافتتح بعضها
ومعروف عن الملك تشارلز الثالث أن علاقته بالإسلام والمسلمين، قديمة، وتمتد لعقود طويلة.
وتشير مراجع كثيرة أنه لطالما شارك وحضر مراسيم افتتاح عدد من المراكز والمساجد الإسلامية في المملكة المتحدة، وتجاوب مع المسلمين، وتحدث معهم.
ومعروف عنه تقديم التهاني للمسلمين في المناسبات، والأعياد، ومخاطبتهم بشكل مباشر، بلغة إيجابية، والدعوة لاندماجهم في المجتمع وممارسة شعائرهم بحرية، طالما هناك التزام بالقوانين وعدم التعدي على حقوق الآخرين.
الاستفادة من تعاليم الإسلام
من أبرز الشهادات تلك التي سجلت في محاضرة بمركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993. وفي كلمة تحت عنوان: “الإسلام والغرب”، أكد أمير ويلز حينها: “أن الإسلام يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم، فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، والدين والعلم، والعقل والمادة”.
وقال تشارلز في سنة 2020 بعد تماثله للشفاء من فيروس كورونا الذي أصيب به، “إنه يهنئ مسلمي بريطانيا ودول “الكومنولث” بمناسبة حلول شهر رمضان الذي يحل هذا العام وسط تفشي الوباء، وفي ظل قيود صارمة على التنقل وإقامة الشعائر”.
وتابع قائلاً: “أود أن أنقل لكم أطيب تمنياتي، من صميم القلب، كما أريد أن أخبركم كم نفكر فيكم في هذا الوقت من السنة لأنه كان المفروض أن يكون وقتا للفرح، لو أن الظروف كانت مغايرة”. كما صرح في مناسبة أخرى عقدت في أكسفورد: “أن العالم يواجه العديد من المشاكل ذات الصلة بالبيئة والتغير المناخي، وأن الحل لهذه المشاكل هو ما يدعو إليه الإسلام ومبادئه”.