سر الهجوم الإلكتروني الغامض الذي عجّل بسقوط بشار الأسد

كشف تقرير لمجلة “نيوز لاين” الأمريكية تفاصيل “غير عسكرية” أسهمت في تسريع انهيار قوات الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، بعد أيام من عملية واسعة للمعارضة بدأت في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وأدت إلى سقوط كلي للنظام في 8 ديمسمبر/ كانون الأول. 

وبحسب “نيوز لاين” فإن القوة العسكرية لم تكن قادرة وحدها على إسقاط نظام الأسد، لولا أن رافقها هجوم إلكتروني متطور تنكّر في صورة مبادرة مساعدات إنسانية، ما أدى إلى انهيار سريع وغير متوقع لقوات النظام المخلوع.

ونقلت المجلة الأمريكية عن ضابط سوري رفيع المستوى، روى الأيام الأخيرة لوجود النظام، تفاصيل مثيرة عن “حرب صامتة وغير مرئية” كانت في موازاة صخب المدافع والطيران المسيّر.

وقال الضابط السابق إن تطبيقاً جوالاً، وُزّع بهدوء بين الضباط السوريين عبر قناة تيليغرام، وانتشر بسرعة بين صفوفهم، كان “فخاً مدبّراً بعناية، وبداية حرب إلكترونية خفية”، مشيراً إلى التطبيق الأول من نوعه حوّل الهواتف الذكية إلى أدوات فتاكة ضد قوة عسكرية نظامية.

قبل الهجوم بأشهر

وفي عملية خداع مزدوج، وقبل الهجوم العسكري الذي شنته المعارضة بأشهر، تم البدء بتطبيق مزيف STFD-686، مشابه للتطبيق الرسمي لـ “الأمانة السورية للتنمية” التي كانت تشرف عليها أسماء الأسد، زوجة الرئيس المخلوع، وتُعنى بتقديم مساعدات للمدنيين والعسكريين.

وانتشر التطبيق عبر قناة تيليغرام مزيفة لكنها لم تثر أي شكوك لدى ضباط النظام، خصوصاً الفقراء منهم، ومع وعود عبر التطبيق بتقديم مساعدات مالية، استُدرج الضباط إلى الفخ، ما دفع آلافاً منهم لتحميل التطبيق، والمسارعة إلى تقديم معلومات شخصية وعسكرية ضمن إجراءات التسجيل.

ومن الصعب تحديد عدد الهواتف التي تعرضت للاختراق في الهجوم بدقة، ولكن يُرجّح أن يكون العدد بالآلاف، وقد أشار تقرير نُشر على قناة تيليغرام نفسها في منتصف يوليو/ تموز إلى إرسال 1500 تحويل مالي ذلك الشهر، مع منشورات أخرى تُشير إلى جولات إضافية من توزيع الأموال.

وبعد تثيبت التطبيق كانت الخطوة الأهم وهي تمرير برنامج التجسس SpyMax، الذي يتجاوز جمع البيانات الحساسة مثل رتب الضباط، ومواقع خدمتهم وتافصيل عائلاتهم، إلى معلومات عسكرية بالغة الحساسية، بالنظر إلى قدراته على الوصول الكامل إلى سجلات المكالمات، والرسائل النصية، والصور، والمستندات، وحتى تفعيل الكاميرات والميكروفونات من بُعد على الأجهزة المُخترقة.

ووفّرت البيانات التي تم جمعها للمهاجمين خريطة حية لانتشار القوات ونقاط الضعف الإستراتيجية، مما منحهم نافذة آنية على الهيكل العسكري السوري، ويُرجح أن المعلومات المُخترقة ساعدت قوات المعارضة في تحديد الثغرات الدفاعية والتخطيط لهجمات مفاجئة وسريعة.

ولأن التطبيق استهدف المؤسسة العسكرية لنظم الأسد بأكملها، فقد ظهر أثر ذلك في الأيام الأولى لعملية المعارضة “ردع العدوان” والتي بدأت باستعادة مدينة حلب الشمالية، ليكشف الضابط السابق عن اختراق واسع النطاق للقيادة العسكرية، ما أدى إلى حالات تضارب الأوامر وفوضى داخل الجيش السوري خلال الأيام الأخيرة للنظام، وحتى حوادث النيران الصديقة التي شهدتها ساحة المعركة وبالذات في حماة.

وبعد أحداث 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وسقوط حلب في أيدي المعارضة، توقف جيش النظام السابق فجأة عن القتال، واكتفت معظم الوحدات بمشاهدة قوات المعارضة تتقدم، ولم تُبدِ سوى مقاومة متقطعة حتى وصل المتمردون إلى ضواحي دمشق صباح 8 ديسمبر/كانون الأول.

 وفي ريف إدلب وحلب، اجتاحت فصائل المعارضة عشرات المواقع التابعة لألوية الفرقتين 25 و30، بإضافة إلى مواقع أمامية ضيقة في منطقة جبلية، قطعوا أكثر من 40 ميلًا في 48 ساعة فقط، بحلول ذلك الوقت، كان الجيش السوري قد أصبح مجرد ظل لما كان عليه في السابق.

من وراء التطبيق؟

تقول “نيوز لاين” إن التطبيق الذي يُدان له بالفضل في سقوط نظام الأسد، لا يزال القائمون عليه مجهولين، مع تلميحات تشير إلى جهات فاعلة مختلفة، بما فيها فصائل المعارضة السورية وأجهزة استخبارات إقليمية أو دولية.

وتضيف أن هذا التطبيق يعد فتحاً جديداً في الحروب السيبرانية، مجسّداً كيف يمكن للأدوات الرقمية منخفضة التكلفة، أن تُدمر قوة عسكرية تقليدية، وتوضح كيف أن نقاط الضعف المنهجية مثل انخفاض الروح المعنوية، وانخفاض الأجور، ونقص الوعي الأمني الرقمي، والفساد، يُمكن أن تُصبح ثغرات تُستغل في الحروب الحديثة.

متابعات

إقرأ ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى